مستقبل الإسلاميين في الأردن

mainThumb

06-05-2025 10:42 PM

تشكّل العلاقة بين الدولة الأردنية والتيار الإسلامي، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، أحد أبرز المحاور التي ساهمت في صياغة المشهد السياسي الأردني منذ منتصف القرن الماضي. علاقة تميّزت بتقلبات حادة بين الشراكة والتفاهم، والتباعد والصدام، وانتهت مؤخرًا إلى قرار الحظر الرسمي في أبريل/نيسان 2025. لكن ما بين البداية والنهاية، قصة سياسية معقّدة تعكس التحولات الداخلية والتوازنات الإقليمية والدولية التي وجدت الدولة الأردنية نفسها في خضمّها.

تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945، وسُجلت رسميًا كجمعية خيرية في العام التالي، وسط ترحيب واضح من الدولة تمثل في حضور الملك المؤسس عبد الله الأول لاجتماع التأسيس، ما عكس حالة من الثقة والاحتواء المبكر. وتكرّس هذا الاحتضان في عهد الملك الحسين بن طلال، حيث لعبت الجماعة دورًا محوريًا في دعم الدولة في مواجهة التيارات اليسارية والقومية، وشاركت في النقابات والبرلمان، وأسّست حزب جبهة العمل الإسلامي عام 1992، ليكون ذراعًا سياسيًا شرعيًا ضمن الإطار الدستوري.

غير أن هذا التحالف بدأ بالتآكل منذ منتصف التسعينيات، مع توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994، التي قوبلت بمعارضة شديدة من قبل الجماعة. وجاءت السنوات اللاحقة محمّلة بتحديات أمنية غير مسبوقة في الإقليم، من تصاعد الحركات المتطرفة في الجوار، إلى الضغوط الخارجية التي دعت إلى تقليص دور الحركات الإسلامية، ما وضع الأردن أمام اختبار صعب في إدارة هذه العلاقة. وجاءت لحظة الحظر في 2025، على خلفية تجاوزات أمنية لبعض افراد الجماعة، لتجسد ذروة التوتر.

من المهم قراءة هذا القرار في سياقه الأوسع؛ فالدولة الأردنية تواجه منذ سنوات سلسلة من التحديات البنيوية، الاقتصادية منها والأمنية، فضلًا عن واقع إقليمي متفجر تتداخل فيه أجندات إقليمية ودولية. وفي ظل هذه البيئة المعقدة، تجد الدولة نفسها أمام معادلة دقيقة: الحفاظ على الأمن والاستقرار، دون الإخلال بجوهر الحياة السياسية التعددية. وهو توازن دقيق تسعى الحكومة لإدارته بسياسات تقوم على التدرج والاحتواء، لا المواجهة المفتوحة أو الاستئصال.

رغم الحظر، لم تغلق الدولة الباب بالكامل أمام التيار الإسلامي. فحزب جبهة العمل الإسلامي لا يزال يحتفظ بوضعه القانوني، ويشارك في الانتخابات والبرلمان، في إشارة واضحة إلى سياسة التمييز بين الجماعة كتنظيم أيديولوجي يحمل إرثًا إقليميًا مثيرًا للجدل، وبين حزب سياسي أردني يلتزم بالإطار القانوني والدستوري. وقد بادر الحزب إلى نفي أي صلة له بأي نشاط يمس أمن الدولة، بل وأعلن عن تجميد عضوية عدد من أعضائه، في خطوة تعكس إدراكه لحساسية الظرف، وسعيه للبقاء ضمن الحلبة السياسية الرسمية.

اليوم، يقف الإسلاميون في الأردن أمام مفترق طرق تاريخي، يفرض عليهم مراجعة شاملة لخطابهم وآليات عملهم. لم يعد ممكنًا الاستمرار في ذات الاستراتيجيات القديمة التي كانت تستند إلى رصيد شعبي تقليدي أو دعم إقليمي. المرحلة الجديدة تتطلب خطابًا سياسيًا يعترف بدور الدولة، ويبتعد عن الخطابات المزدوجة أو الارتباط بأجندات خارجية.

في المقابل، فإن الدولة الأردنية معنية، أكثر من أي وقت مضى، بإدارة هذا الملف بحكمة، دون أن تنزلق نحو الإقصاء الكامل الذي قد يدفع بعض التيارات إلى التطرّف أو العمل في الظل. إذ تشير تجارب دول مجاورة إلى أن استيعاب التيارات المعتدلة ضمن المنظومة السياسية الرسمية يظل خيارًا أكثر أمانًا واستقرارًا من تجاهلها أو محاربتها بالمطلق.

المشهد الإقليمي بدوره يلعب دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل العلاقة. فبين دول تقود حملة استئصال شاملة ضد جماعة الإخوان، وأخرى تعتمد سياسة الاحتواء المشروط، تجد عمان نفسها مطالبة بتبني موقف متوازن يحمي أمنها الداخلي ويصون استقرارها السياسي. أما دوليًا، فإن التحولات في موقف بعض القوى الكبرى من الإسلام السياسي، في ظل أولوية مكافحة الإرهاب، تسهم في إعادة رسم الخطوط الحمراء المسموح بها في التعامل مع هذه التيارات.

وفي ظل هذا المشهد المركّب، لا يمكن التنبؤ بمستقبل الإسلاميين في الأردن بشكل قاطع. لكن المؤكد أن المرحلة القادمة لن تشبه ما سبق. فبين خيار الانخراط في العمل السياسي تحت مظلة الدولة، وبين خيار التنظيم الموازي أو الانكفاء، سيظل الإسلاميون في الأردن مطالبين بإعادة تعريف دورهم وموقعهم ضمن المعادلة الوطنية.

خاتمة القول، إن الأردن، بما يملكه من تقاليد سياسية عريقة ومؤسسات راسخة، قادر على إدارة هذا الملف المعقد بسياسات تحقّق التوازن بين الأمن والانفتاح، وبين الحزم والتدرّج. ويبقى الرهان على قدرة الطرفين – الدولة والإسلاميين – على تجاوز حسابات الماضي، والانخراط في مشروع وطني مشترك يقوم على القواعد الدستورية، ويحفظ الأمن، ويصون التعددية السياسية في آنٍ معًا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد