غزة… مرآتنا
في ليلة دامية جديدة تضاف إلى سجل عصابة الاحتلال الحافل بالجرائم والانتهاكات، استشهد خمسة من الصحفيين في غارة جوية استهدفت خيمة للصحفيين بجوار مستشفى الشفاء في غزة. هذا المستشفى، الذي طالته عشرات الغارات، استُشهد هو الآخر مرات ومرات.
من بين الشهداء كان الصحفي أنس الشريف، أحد أبرز الأصوات الإعلامية التي وثّقت جرائم الاحتلال، وآخر كلماته كانت: "سيسكت صوتي، لكن الصورة ستبقى". لم يكن هذا الاستهداف عشوائيًا، ولا خطأ في الإحداثيات، بل جريمة متعمّدة تهدف إلى قتل الكلمة، وحجب الحقيقة، وتصفية من يفضحون الوحشية المتكررة بحق الشعب الفلسطيني.
ولم تكتف عصابة الاحتلال بالجريمة، بل أعلنت صراحة أنها استهدفت أنس، متهمة إياه بقيادة خلية تطلق الصواريخ. وإن كان كذلك — وهو لم يكن — فذلك يزيده شرفًا، لكن الحقيقة أن التهمة ذريعة واهية، والنية كانت تصفية إعلامٍي فضحهم لا أكثر.
ومع ذلك، فاستشهاد هؤلاء ليس سوى صورة مصغرة من مشهد أوسع وأبشع، حيث يُباد شعبٌ كامل، يُحاصر، يُجوّع، يُقصَف، ويُحرَم من الحياة، في ظل صمت دولي مخزٍ، وتواطؤ معلن أو مقنّع.
استهداف الصحفيين هو إعدام للحقيقة. الصحفي ليس مقاتلًا، بل شاهد على الجريمة، لكن الاحتلال لا يريد شهودًا، بل يريد أن يذبح ويهدم في الظلام، بلا عدسة توثّق ولا قلم يفضح.
أكثر من مئتين وثمانية وثلاثين صحفيًا فلسطينيًا استشهدوا منذ بداية العدوان، كثير منهم أثناء أداء واجبهم، وهم يرتدون سترات الصحافة بوضوح. استُهدفوا عمدًا، مع سبق الإصرار والترصّد، بل وبالتهديد العلني أحيانًا، كما هو الحال مع الشهيد بإذن الله أنس الشريف.
لا يمكن النظر إلى هذه الجريمة بمعزل عن سياقها. إنها جزء من سياسة إبادة منظمة، وعدوان شامل لا يبقي ولا يذر، يُمارس على شعب بأكمله، في ظل انهيار ما يُسمى "النظام الدولي"، وتواطؤ القوى الكبرى، وتحول الدم الفلسطيني إلى مادة هامشية في نشرات الأخبار.
ما يحدث في غزة اليوم هو نسخة مكررة من جرائم الإبادة الجماعية. ملايين يعيشون تحت حصار خانق منذ سنوات. المستشفيات مدمرة، المدارس منهارة، الغذاء والماء مقطوعان، وأصوات الأطفال الجائعين تتردد من تحت الأنقاض التي هدمتها طائرات الاحتلال فوق رؤوسهم.
هذه ليست نتائج جانبية للعدوان الهمجي، بل أدواته. فالاحتلال لا يستهدف فقط حركة "حماس" كما يزعم، بل يستهدف الهوية، الأرض، والإنسان الفلسطيني ذاته. يُعاقب السكان جماعيًا، ويستخدم الحصار والتجويع سلاحًا لتكسير إرادتهم، وإجبارهم على الخضوع أو الفناء.
وفي هذا المشهد البشع، لا يقتصر العار على القتلة، بل يمتد إلى كل من يرى ويسكت، إلى كل من يملك أن يفعل شيئًا ولا يفعل. الفلسطينيون وحدهم يتحملون الألم الحقيقي، أما الآخرون، فمسؤوليتهم أخلاقية وإنسانية، ولن يعفيهم الصمت من الحساب.
من هو المتآمر؟ ليس فقط من يضغط الزناد، بل من يبرر، ويمول، ويدعم، ويعقد الصفقات على حساب الدم. المتآمر هو من يصنع المعادلات السياسية التي تشرعن الاحتلال، ومن يغض الطرف عن الجرائم بحجة "حق الدفاع عن النفس"، ومن يشتري الصمت بالتطبيع، ويبيع ضمير الأمة في أسواق المصالح.
وفي مواجهة كل هذا، يجب أن تتجلى مسؤوليتنا نحن شعوب العالم الإسلامي والعربي. لا يكفي الغضب ولا التعاطف العابر، فهناك واجب ديني وأخلاقي لا يقبل التراخي، ولا يسقط بالتقادم. ديننا يأمرنا بنصرة المظلوم، ورفض الظلم، والوقوف في وجه الباطل. وضميرنا الإنساني لا يمكن أن يرضى بقتل الأطفال، وقصف المستشفيات، وإعدام الصحفيين على الهواء مباشرة.
على الشعوب أن تستفيق. ما يحدث في فلسطين ليس بعيدًا عنها ولا معزولًا عن مصيرها. فالقضية ليست فقط قضية أرض محتلة، بل قضية كرامة أمة. وكرامتنا تذبح كل يوم على أبواب غزة.
التضامن لا يجب أن يبقى شعارات، بل يتحول إلى فعل: في الإعلام، في السياسة، في الاقتصاد، وفي الشارع. لقد آن الأوان لانتفاضة ضمير، لا تقتصر على مواجهة الاحتلال بالبندقية، بل تفضح المتآمرين، وتدين الصامتين، وتعيد بناء الموقف العربي والإسلامي على أسس العزة والحق والعدل.
التاريخ لا يخدع، ولا ينسى. المقاومون هم من يخلّدهم التاريخ، بينما يُرمى الخونة والمتآمرون في مزابله. من فلسطين إلى الجزائر، من العراق إلى الشام، من الأندلس إلى مصر، سطرت الشعوب حكايات عز ومقاومة لا تُنسى، وكانت الكلمة والسيف والعقيدة أدواتها.
انظر إلى عمر المختار، الذي قاوم الاحتلال الإيطالي لعشرين عامًا، رغم سنه. لم يفاوض، لم يركع، حتى وهو يُقاد إلى المشنقة قال: "نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت". فخلّده التاريخ، واندحر الاستعمار، وبقي غرازياني رمزًا للعار.
تأمل الناصر صلاح الدين الأيوبي، كيف حرر القدس من الغزاة الصليبيين، ليس بالسيف فقط، بل بالإيمان والتخطيط والعدل.
في الجزائر، وقف عبد القادر الجزائري في وجه الاحتلال الفرنسي موحّدًا القبائل ورافضًا الخنوع، فكان من أوائل رموز المقاومة الحديثة.
ومن سوريا إلى فلسطين، حمل عز الدين القسام راية المقاومة منذ شبابه، فقاوم الاحتلال الفرنسي في بلده الأم، ثم انتقل إلى فلسطين ليؤسس أولى خلايا الكفاح المسلح ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني في بداياته. استشهد واقفًا كما عاش، لتبقى روحه رمزًا متقدًا في ذاكرة الأمة، وتحمل بنادق المقاومين اليوم اسمه بكل فخر.
ومن فلسطين، نأخذ أمثلة لا تتسع لها السطور: الشيخ أحمد ياسين، غسان كنفاني، دلال المغربي، شادية أبو غزالة... مقاومون آمنوا بالقضية، وواجهوا آلة القتل والمكر، بصدور عارية، وعقول مؤمنة، وأقلام وبنادق وفية.كل اسم منهم شعلة في تاريخ الأمة، وكل قطرة دم منهم لعنة على الصامتين والمتآمرين.
لم يملكوا جيوشًا جرارة، ولا سلاحًا متطورًا، لكنهم امتلكوا ما هو أعظم: عقيدة، وكرامة، وضمير. أما من خانوا، فمصيرهم أن يُكشَفوا، ويُلعَنوا، ويُنسَوا، لأنهم خانوا أوطانهم وشعوبهم وإنسانيتهم.
فليكن فينا اليوم شيء من عمر المختار، من صلاح الدين، من القسام، من دلال وشادية، من كل شريف لم يساوم على الحق.
لتكن غزة مرآتنا، فإما أن نكون مع أصحاب الحق، أو من شركاء الصمت. إما أن نكتب أسماءنا في صفحات الشرف، أو نمشي مع القتلة إلى العار والنسيان.
الاحتلال إلى زوال بكل تأكيد ، والباطل لا يدوم. لكن السؤال الذي سيسأل غدًا: أين كنتم؟ ماذا فعلتم؟ هل رضيتم؟ هل سكتم؟ أم كنتم من أبناء الحق، ومن حماة الأرض، ومن حملة الكلمة الصادقة؟
اختر إجابتك من الآن، فالتاريخ يسجل، والله هو الشهيد.
الملك يهنئ بعيد استقلال المملكة المغربية
فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن مناطق في جرش الثلاثاء
الأردن يحقق ميدالية فضية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي
مكافحة الأوبئة يناقش مسودة خطته الاستراتيجية 2026–2030
اقترب الاعلان الرسمي عن شخصية القرن النسائية
سحب قرعة دور 32 من دوري الناشئين لأندية الدرجات
الملك والعاهل البحريني يبحثان هاتفيا العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى
القاضي يفتتح أعمال المؤتمر العام للجمعية البرلمانية الدولية للأرثوذكسية
وزارة الطاقة: ارتفاع أسعار المشتقات النفطية عالميا
الطرود البريدية من 200 دينار فأقل تشكل ثلثي حجم المستوردات
المومني يعلن قرب اختيار الدفعة الأولى لخدمة العلم
من الدواء إلى الملابس .. الأردن يقترب من الاكتفاء السلعي
وصفة الدجاج بالعسل والثوم والحامض
مي عز الدين تعلن زواجها وتفاجئ الجمهور
مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية في الأمانة .. أسماء
قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين .. وصمة عار في جبين الإنسانية
مدعوون للامتحان التنافسي في الحكومة .. أسماء
وظائف شاغرة في وزارة الاتصال الحكومي
حماية المجتمع الأردني بالأرقام ..
معدل التضخم سيبقى عند مستواه ..
7 علامات على القدمين .. مؤشر لمشاكل صحية خطيرة
ندوة في كلية الحصن حول التعليم وسوق العمل المتجدد
ارتفاع جنوني بأسعار الذهب محلياً مساء الأربعاء
كلية الأعمال بجامعة مؤتة تحصد خمس جوائز بحثية وطنية



