الاستثمار نهج تشحنه رؤية ملكية… وتفرغه جيوب النفوذ

mainThumb

16-11-2025 11:22 AM

من العسير على العقل السليم أن يستوعب هذا التناقض الفاضح في هندسة الدولة: جلالة الملك يرحل ويجوب أصقاع المعمورة، رحّالةٌ نبيل يبحث عن منابع الاستثمار والنمو للاقتصاد الوطني، يجلب الاستثمار كما يجلب الغيثُ النديُّ خضرة الربيع، في حين يجلس بعض المتنفذين في مكاتبهم العاجيّة، كأنهم فلك صغيرة ضلّت طريقها، وأُقحِمت في جسد الدولة بصدفةٍ وراثية، فتعاملت مع الوطن لا كفكرة، بل كقِطعة أرض ورثوها عن جدٍّ مزعوم، إنها مأساة تضحك وتُبكي معاً…فلسفةٌ مضحكة حدّ الاشمئزاز: فكلما عاد جلالة الملك باتفاقيات استثمارية اجنبية، عادت هذه الفئة باتفاقيات تعيينات لأبناء الزوجة، وأقارب المصاهرة، وحاشية الكسل، هؤلاء لا يؤمنون بالاقتصاد، بل يؤمنون بـ الميثولوجيا الوظيفية، حيث القرب العائلي هو عملة الدولة، والمنصب العام هو “حوّالة خاصة” تُصرف على هواهم، وحين تقف أمامهم شخصية اقتصادية ضخمة كرأس جبلٍ لا تمسّه الأيدي ك(زياد المناصير)، وتقول لهم كلمة "رفض"، يتحوّلون فوراً من مسؤولين إلى ضباعٍ لغوية: يعضّون بالملفات، ينهشون القرارات، ويلوكون الإجراءات علكاً حتى تتوقف عجلة الاستثمار، كأنهم يعاقبون القدر لأنه لم يخلق العالم على شاكلتهم، هؤلاء يؤمنون بأن الدولة ليست منظومة…بل مزرعة مُسيّجة بأسلاك الغرور، يمشون فيها كأنهم رُعاةُ النفوذ، تتبعهم قطعان التوقيعات، وتنبطح أمامهم الطلبات كما ينبطح الرمل لخطوات العاصفة.
ويا للعجب … حينما يقف جلالة الملك على منصّات العالم مفاخراً بأن الأردن بيتٌ آمنٌ للمستثمر، بينما يقف بعض هؤلاء خلف كواليس الوزارات، يرفعون لافتة مكتوبة بالحبر السري:
“ادفع الولاء أولاً… نستقبل الاستثمار لاحقاً”، إنهم لا يفهمون الاقتصاد، بل يفهمون “الولائم الإدارية”، فكل مستثمر يجب أن يضع نصيبه على المائدة، لا من الأرباح، بل من الوظائف التي تُهدى لأبناء البعض من المتنفذين ، ولأن السخرية بنت الفلسفة، نقول لهم بكل تهكّم: لقد أخطأتم فهم الدولة؛ الدولة ليست “ثروة عائلية تُورَّث”، ولا “مكتب توظيف موسّع”، ولا “مضرب طيور” تلتقطون منه الغنائم، فالدولة فكرة… والفكرة لا تُؤكل، ولا تُوزَّع، ولا تُسمن بطوناً، لكنهم لم يصلوا بعد إلى هذا المستوى من الفهم؛ عقولهم لا تزال تعمل بمنطق “السَّلَف الموروث”، حيث النفوذ مثل جذع الزيتونة المتهالك: تتوارثه الأجيال دون أن يدري أحد أن الجذع في داخله "أجوف… هش… متعفن"، والمزعج حقاً أنّ بعض الجهات الرسمية تتعامل مع الموضوع وكأن ما يحدث ليس انتهاك للتشريعات الوطنية، بل خلاف في جدول العائلة الأسبوعي: من يُعيَّن؟ من يُرضى؟ من يُفتح له الباب ومن يُغلق عليه الدرج؟ ولكن الحقيقة أعمق من تهكّمنا، وأقسى من سخرية النصوص، وأشدّ مرارة من كل البلاغة التي يمكن أن تُقال: فالوطن أكبر من جيوبهم، وأوسع من أحلامهم الصغيرة، وأصفى من مياه رغباتهم المعكرة، والوطن، مهما واجهه قسوة من هؤلاء الفئة الضالة، سينفض عن كتفيه غبارهم، تماماً كما تنفض الجبالُ الثلجَ حين يأتي الربيع، حينها نتيقن ان الاستثمار نهج تشحنه رؤية ملكية… ولن تفرغه جيوب النفوذ".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد