التطبيع احتلال للفطرة
التطبيع احتلال للفطرة: الائتمان الأخلاقي كإطار نقدي للتطبيع،
ومركزية المرابطة والمقاومة في فلسفة طه عبد الرحمن
بقلم: د. إسلام عبدا لله أبوخيط — باحث متخصص في العلوم السياسية
________________________________________
مقدمة
أخذ النقاش حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، خلال العقدين الأخيرين، منحًى سياسيًا صرفًا يحكمه منطق القوة والمصلحة، ما أدى إلى تهميش الأسئلة الأخلاقية العميقة المرتبطة بالعدل والذاكرة والتاريخ والهوية. غير أنّ هذا الاقتصار على المنظور السياسي يحجب الأساس القيمي الذي يجعل من قضية فلسطين ليس مجرد نزاع جيوسياسي، بل أمانة أخلاقية متعلقة بمرجعية الإنسان ومعنى انتمائه. ومن هنا تأتي أهمية المساهمة الفلسفية لطه عبد الرحمن، الذي يقدم بديلاً جذريًا لمقاربات التطبيع التقليدية، من خلال إرجاعها إلى "الأصل الائتماني" الذي يؤسس للواجب الأخلاقي قبل أي حسابات مصلحية.
تطرح هذه المقالة السؤال الآتي:
كيف يمثل مفهوم "الائتمان الأخلاقي" عند طه عبد الرحمن إطاراً نقدياً لتفكيك خطاب التطبيع القائم على النفعية السياسية، وتأصيل المرابطة والمقاومة بوصفهما التزاماً ائتمانياً تجاه الذات والمقدّس؟
وللإجابة عن هذا السؤال، تم تقسيم المقالة إلى ثلاثة محاور: التأصيل المفاهيمي للائتمان، نقد التطبيع من خلال هذا الإطار، ثم بناء البديل الأخلاقي القائم على المرابطة والمقاومة.
أولاً: التأصيل المفاهيمي للائتمان والمرابطة في فلسفة طه عبد الرحمن
1 .التأصيل المنهجي والمفهومي: الائتمان كأصل للعمل الفلسفي والأخلاقي
يرتكز المشروع الفلسفي لطه عبد الرحمن على ما يسميه "الفلسفة الائتمانية"، وهو نمط فلسفي مغاير للأنماط العقلانية الغربية، حيث يربط وجود الإنسان وفعله بمقام الأمانة والعهد الإلهي. لا ينفصل في هذا المنظور العقل عن الروح، ولا ينفصل الفعل الأخلاقي عن "التوفيق" الذي يستمده الإنسان من اتصاله بقيم الحق والفضيلة.
هنا، يصبح الائتمان أصل معرفة (إدراك) وأصل فعل (ممارسة) في آن واحد؛ لأنه يعيد الإنسان إلى مسؤوليته الأولى تجاه الخالق وتجاه نفسه وتجاه الآخرين. فالإنسان، بوصفه "المؤتمن"، مطالب بأن يمارس عقله على نحو يجسد الوفاء بهذا العهد، وهو ما يسميه طه عبد الرحمن "العمل الاستدلالي" الذي ينطلق من النص المؤسس ويُسدَّد بالتربية الروحية.
وبخلاف الفلسفات النفعية (Utilitarianism) التي تجعل الفعل الأخلاقي مجرد وسيلة لتحقيق المنفعة، يرى طه أن كل فعل لا يستوفي حق الائتمان يتحول إلى "فعل مُعْتَدٍ". هذا الفعل المعتدي يخرق حدود الأمانة ويؤدي إلى فساد في الأرض، وهو ما يشير إليه بـ "النزوع المصلحي "الذي يغلب المصلحة الآنية على الواجب الأخلاقي. وهذا التأصيل يجعل من العمل السياسي نفسه خاضعاً لشرط الائتمان، لا العكس. بمعنى أن شرعية الفعل السياسي لا تنبع من قدرته على تحقيق المكاسب المادية، بل من مدى وفائه بالعهد الائتماني وحفظه للأمانة المتمثلة في الحقوق والمقدسات والأوطان.
هذا المفهوم الجذري للائتمان هو الذي سيمهد الطريق لتحليل التطبيع بوصفه خرقاً للعهد، وتأصيل المرابطة والمقاومة بوصفهما الفعل المتمم للائتمان.
.2 المرابطة والمقاومة كفعاليات ائتمانية
لا تُفهم المرابطة عند طه باعتبارها فعلًا عسكريًا أو صمودًا سياسيًا فحسب؛ إنها وظيفة أخلاقية تتعلق بمقام "الثغور" التي تجعل الإنسان واقفًا في مواجهة الباطل، لا رغبة في تضحية مجردة، بل التزامًا ائتمانياً بأمانة المكان والزمان والهوية. فالمرابطة هي "عمل قلبي وروحي" بقدر ما هي فعل اجتماعي وسياسي، لأنها تربط الإنسان بالعهد الذي أخذه الله عليه.
أما المقاومة، فهي الامتداد العملي للائتمان. إذ لا يمكن للإنسان المؤتمن أن يقبل الظلم أو يطبع مع العدوان، لأن ذلك يُعد خيانة لأمانته الوجودية، حتى لو رُوّج له سياسيًا بوصفه خيارًا واقعيًا أو ضروريًا.
ثانيًا: نقد التطبيع بوصفه نكوصًا ائتمانياً
.1 التطبيع كنقض للعهد
ينظر طه عبد الرحمن إلى التطبيع باعتباره نقضًا للعهد الائتماني، لا مجرد تسوية سياسية. فالتطبيع—وفق هذا الإطار—يحوّل قضية قائمة على الحق والعدالة إلى صفقة مصلحية، ويعطل وظيفة الأخلاق لصالح المنفعة. وهنا يصبح أخطر ما في التطبيع ليس ما يحدثه من نتائج سياسية، بل ما يُحدِثه من تحريف في الوعي الأخلاقي.
فالتطبيع يعيد تعريف "العدو" ليصبح "جارًا" أو "شريكًا"، من غير إعادة تعريف للقيم التي حكمت القضية أصلًا، فيتحول الظلم إلى اختلاف، والعدوان إلى تنافس، والاحتلال إلى واقع يمكن التعايش معه. وهذا التحويل، أخلاقيًا، يمس الفطرة التي تقتضي رفض الظلم وعدم محاباة المعتدي.
2. النزوع الائتماني مقابل النزوع المصلحي
ويفرق طه بين "النزوع الائتماني" الذي يلتزم بالحق على أساس العهد، و"النزوع المصلحي" الذي يجعل الحق تابعًا للمنفعة. فخطاب التطبيع الغالب اليوم يُشيّد على هذا النزوع الثاني، الذي يوظّف لغة البراغماتية السياسية لإقناع المجتمعات بأن التنازل والتطبيع ضرورة لتحسين الواقع الاقتصادي أو السياسي.
لكن من منظور ائتماني، يصبح التبرير السياسي للتطبيع فعلًا مفسدًا للضمير لأنه يقدم المصلحة على الواجب، ويقلب ميزان القيم بحيث يصبح الصواب خطأ إذا أضر بالمصلحة، والخطأ صوابًا إذا نفع.
.3 عائقية الفطرة في مواجهة التطبيع
إحدى الزوايا الأصيلة التي يبرزها الإطار الائتماني هي ما يمكن تسميته عائقية الفطرة، أي مقاومة الفطرة البشرية لمحاولات شرعنة الظلم. فالفطرة، بحسب طه، ليست معطىً ساكنًا بل قوة مقاومة تنفر من الظلم حتى لو تم تجميله. ولذلك، فإن خطاب التطبيع يواجه دائمًا صعوبة في اختراق الضمير الشعبي، لأن الفطرة تحتفظ بذاكرة الحق، وتعيد الإنسان إلى مقام الأمانة مهما حاولت الأنظمة السياسية طمسها.
ثالثًا: بناء البديل: نحو نموذج المقاومة الائتمانية
.1 المرابطة كوعي بالمكان المصدّق
يعطي طه عبد الرحمن قيمة مركزية للمكان في تشكيل الوعي الأخلاقي. فالقدس، في هذا السياق، ليست مجرد مساحة جغرافية، بل مكان مصدّق يشهد على علاقة الإنسان بالعهد. لذلك تصبح المرابطة أفقًا أخلاقيًا يحافظ على هذه العلاقة، ويحول المكان من موضوع نزاع سياسي إلى مجال للوفاء الائتماني.
يُعدّ مفهوم "المكان المصدَّق" أحد الزوايا الأصيلة في فلسفة طه عبد الرحمن، حيث يُعطي قيمة مركزية للمكان في تشكيل الوعي الأخلاقي والائتماني. فالأماكن المقدسة، وعلى رأسها القدس، ليست مجرد مساحات جغرافية أو أصول عقارية قابلة للتفاوض عليها في صفقات التطبيع. بل هي أمانة عهد، ومكان مصدَّق يشهد على علاقة الإنسان بالعهد الإلهي، وبالتالي فهي مجال للوفاء الائتماني وليس موضوعاً للنزاع السياسي أو التنازل.
لذلك، تصبح المرابطة أفقاً أخلاقياً ووجودياً يتجاوز الفعل المادي. إنها ممارسة مستدامة للوفاء بالعهد، حيث يحوّل فعل المرابطة المكان من موضوع نزاع سياسي يسهل تبرير التنازل عنه (بمنطق النزوع المصلحي)، إلى مجال للوفاء الائتماني الذي يوجب الصون والحفظ (بمنطق النزوع الائتماني). بهذا المعنى، تكون المرابطة هي الضامن الفلسفي والأخلاقي لحفظ الهوية في وجه مشاريع التطبيع التي تسعى إلى تصفية الأمانة وتبرير التخلي عن المكان المصدَّق.
2 .الجوار الائتماني: بديل عن منطق الاندماج أو الإقصاء
يقترح طه مفهوم "الجوار الائتماني" بوصفه صيغة للتعايش قائمة على الاحترام المتبادل للحق، لا على إخضاع الضعيف للقوي. وهذا المفهوم يقدم بديلًا جذريًا عن النماذج المطروحة بعد التطبيع، التي تعتمد إما الاندماج الكامل مع الآخر أو الإقصاء التام له.
1 .التمييز بين الصراع الوجودي والجوار الأخلاقي
يرى طه عبد الرحمن أن الصراع مع الاحتلال هو في جوهره صراع أخلاقي/ائتماني وليس مجرد صراع سياسي أو حدودي. طالما بقي الاحتلال، يبقى الصراع صراعًا وجوديًا لأنه يستهدف الأمانة والعهد (الائتمان) المتجذر في الفطرة و"المكان المصدَّق" (القدس والأقصى).
الجوار المستحيل (التطبيع):
• التطبيع يُلغي الصراع دون حل العدوان: إن جوهر نقد طه عبد الرحمن للتطبيع هو أن الأخير يحاول فرض "الجوار المصلحي" في سياق صراع وجودي. إنه يطلب من المظلوم أن يعيد تعريف المُعتدي ليصبح "شريكًا" أو "جارًا"، من غير أن يُعيد المعتدي تعريف فعله (الاحتلال) بوصفه باطلاً.
• الجوار هنا نكوص: هذا النوع من "الجوار" هو في حقيقته نقض للعهد الائتماني، لأنه يقبل شرعنة الظلم ويجعل الحق تابعًا للمنفعة (النزوع المصلحي)، وهو ما يتناقض مع عائقية الفطرة التي ترفض الظلم. لا يمكن الجوار مع عدو في صراع وجودي ما لم يتوقف العدو عن استهداف وجودك.
.2 "الجوار الائتماني" كأفق مستقبلي قائم على العدل
مفهوم "الجوار الائتماني" الذي يقترحه طه عبد الرحمن لا يُقصد به التعايش مع الاحتلال القائم، بل هو رؤية أخلاقية للعلاقات الممكنة بعد زوال العدوان واسترداد الحقوق. إنه بديل مستقبلي يقوم على أساس الوفاء بالعهد والعدل المطلق.
إن الجوار الائتماني يُعلي من قيمة العدل ويجعل من العلاقة بين الشعوب علاقة تعاهد لا تبرير.
كيف يصبح الجوار ممكنًا؟
يصبح الجوار ممكناً فقط عندما يتم استيفاء شرطين أساسيين يفرضان على الطرف الآخر الالتزام بالعهد الأخلاقي:
1. استرداد الأمانة (انتهاء الصراع الوجودي): يجب أن ينتهي الصراع الوجودي أولاً باسترداد الحقوق كاملة. طالما أن المرابطة هي فعل ائتماني لحفظ الأمانة، فإن الجوار مع من يسعى لتصفية هذه الأمانة هو تناقض.
2. التعاهد على أساس الحق: الجوار الائتماني هو علاقة تعاهد تُلزم جميع الأطراف باحترام الحق وعدم الإخلال بالأمانة. إنه ليس اندماجًا يذيب الحقوق، ولا إقصاءً يعزل الطرفين، بل علاقة توازن قائمة على الاعتراف بالحقوق كشرط للتعايش.
في المحصلة، يرى طه عبد الرحمن أن المرابطة والمقاومة هما شرط الجوار العادل الائتماني، وليس التطبيع.
3. المقاومة الائتمانية: توجيه جديد للفعل التحرري
تُعدّ المقاومة الائتمانية -كما يؤصل لها طه عبد الرحمن -النقطة الأكثر جذرية في فلسفته لنقد التطبيع، حيث تتجاوز حدود العمل السياسي المعتاد لترسخ كـ ضرورة أخلاقية ووجودية. هذه الرؤية تُخرج المقاومة من سياق التكتيك إلى سياق المبدأ، وتؤسس لها شرعية لا تستمدها من توازنات القوى، بل من الفطرة والعهد الأبدي.
المقاومة كضرورة وجودية ووفاء بالعهد (الأمانة)
في إطار "التفلسف الائتماني"، يُنظر إلى الإنسان على أنه "المؤتمن" على القيم والحقوق والمقدسات. هذا الائتمان ليس خيارًا يُمكن التنازل عنه، بل هو جوهر هوية الإنسان وعقله الأخلاقي.
• من رد الفعل إلى الوفاء بالعهد: المقاومة ليست مجرد "رد فعل" (Reaction) ضد فعل الاحتلال والعدوان. بل هي "فعل أصيل" (Action) لـ "الوفاء بالعهد" الذي قطعه الإنسان على نفسه (الأمانة). التخلي عن المقاومة هو تنازل عن الائتمان، وهو ما يُعتبر نكوصًا وجوديًا قبل أن يكون هزيمة سياسية.
• حفظ الذات المتفلسفة: المقاومة هنا هي الوسيلة الوحيدة لحماية "الذات المتفلسفة أخلاقيًا" من الذوبان في منطق القوة والنفعية. فمن يقبل الظلم ويتنازل عن الأمانة تحت ضغط المصلحة، يكون قد أفسد عقلانيته الأخلاقية وأسس لـ "النزوع المصلحي" الذي يقلب موازين الحق والواجب.
تحويل المفهوم: من "تكتيك" و"ممارسة" إلى "أمانة" و"مقام"
يعمل طه عبد الرحمن على إعادة صياغة المفهوم الأخلاقي للمقاومة عبر هذه التحولات العميقة التي تمنحها صفة الدوام والاستدامة:
أ. من "التكتيك" إلى "الأمانة"
• التكتيك: هو خطة عسكرية أو سياسية مؤقتة، تُحسب وفقًا لمنطق "البراغماتية السياسية". التكتيك يُلغى إذا أصبح غير مُجدٍ أو مُكلفٍ اقتصاديًا، وهو ما يروجه خطاب التطبيع.
• الأمانة: المقاومة كـ "أمانة" هي واجب أخلاقي مطلق لا يخضع للحسابات المصلحية العابرة. هي التزام مبدئي بحفظ الحق والمكان المصدّق. لذلك، لا يمكن التخلص منها أو التنازل عنها بتوقيع اتفاقية؛ لأنها مسؤولية وجودية وليست مجرد بند في مفاوضات.
ب. من "الممارسة" إلى "المقام"
• الممارسة: هي فعل عارض أو متقطع، مرتبط بظروف معينة.
• المقام: هو "حالة وجودية" و"ثبات روحي وفكري". عندما تتحول المقاومة إلى "مقام ائتماني"، فإنها تعني الانخراط الدائم والثابت في وعي الوفاء بالعهد. هذا المقام هو الذي يؤسس لـ "المرابطة" كفعل متجدد ومستدام لا يمكن أن يتوقف إلا بانتهاء العدوان.
المقاومة الائتمانية في مواجهة التبرير (النزوع المصلحي)
تُمثل المقاومة الائتمانية خط الدفاع الأخير ضد النزوع المصلحي الذي هو جوهر خطاب التطبيع. فبينما يحاول النزوع المصلحي استخدام لغة "الواقعية" لتبرير التنازل عن الحقوق والأمانات، تصر المقاومة الائتمانية على إعلاء قيمة العدل والمبدأ.
إنها تذكير دائم بأن القوة السياسية لا يمكن أن تُشرعن الظلم. المقاومة الائتمانية هي القوة التي تمد المقاومة بـ "قوة الفطرة" (عائقية الفطرة) التي تنفر من الظلم وتستنكر نقض العهد، مما يضمن بقاء الرفض الشعبي حياً وفاعلاً حتى لو نجحت الأنظمة في تمرير التطبيع على المستوى الرسمي.
تطبيق منهج النقد اللغوي لطه عبد الرحمن على مصطلحات التطبيع
1.الإطار المنهجي: النقد اللغوي الائتماني
يرى طه عبد الرحمن أن اللغة العربية تمتلك رصيداً ائتمانياً وأخلاقياً خاصاً يختلف عن اللغات الغربية التي تخدم "العقلانية المجردة" التي تركز على المصالح والمنفعة.
هدف النقد: الكشف عن كيفية استخدام مصطلحي "السلام" و"الشراكة" في وثائق التطبيع لخدمة "النزوع المصلحي" (تبرير التنازل)، وكيف يتم تجويفهما من مضمونهما الائتماني والأخلاقي الأصيل.
.2 تحليل مصطلح "السلام" (Peace)
أ. المفهوم الائتماني الأصيل:
في السياق الائتماني/الإسلامي، "السلام" ليس مجرد غياب للحرب، بل هو "تمام وكمال" و"أمانة". السلام الحقيقي هو نتاج العدل التام والوفاء بالعهد. لا يمكن أن يتحقق السلام ما لم يتم رد الحقوق، لأن أي سلام يُبنى على الظلم هو في الحقيقة "استسلام" أو "تجميد للنزاع" تحت ضغط القوة، وهو نقض للعهد الائتماني.
ب. النقد اللغوي في وثائق التطبيع:
في وثائق التطبيع، يتم توظيف مصطلح "السلام" ليعني:
• "السلام المصلحي/المشروط:" يتم تعريف السلام بأنه "اعتراف بالواقع القائم" (الذي يشمل الاحتلال) ، مقابل مكاسب اقتصادية أو أمنية. هذا يمثل تحريفًا دلاليًا يخدم النزوع المصلحي.
• تجويف القيمة الأخلاقية: يُفصل "السلام" عن شرطه الوجودي (العدل). يصبح المصطلح دالاً على "سلام القوة" وليس "سلام الحق". هذا التوظيف هو محاولة لـ "مأخوذية): "(Term Borrowing) "عملية اقتباس أو استيراد الأفكار والمناهج من حضارة أخرى، دون القدرة على إخراج هذه الأفكار من سياقها الأصلي (المنتج)، وإدخالها في سياق المنتج نفسه (المستقبل) بعد تعديلها وتكييفها بما يتوافق مع الأصول الائتمانية والأخلاقية للمستقبل."مما يغير المفهوم الديني والأخلاقي ويفرغه من محتواه ليخدم أجندة سياسية.
.3 تحليل مصطلح "الشراكة" (Partnership)
أ. المفهوم الائتماني الأصيل:
في المفهوم الائتماني، "الشراكة" (المشاطرة) تعني تقاسماً عادلاً للمسؤولية والالتزامات على أساس المساواة والوفاء بالعهد. هي بناء ثقة متبادلة على أساس الحقوق المضمونة.
ب. النقد اللغوي في وثائق التطبيع:
في وثائق التطبيع، يتم توظيف مصطلح "الشراكة" ليعني:
• "الشراكة الخاضعة/اللامتكافئة": "الشراكة" هنا لا تتم بين طرفين متكافئين في الحقوق والشرعية، بل هي شراكة يتم فرضها على طرف أُخضِع للواقع (النزوع المصلحي). إنها شراكة تهدف إلى دمج الاقتصاديات والأنظمة في واقع الاحتلال دون معالجة جذر المشكلة.
• طمس مفهوم "العدو": يتم استخدام "الشراكة" كوسيلة لـ "إعادة تعريف العدو" أخلاقيًا ولغوياً ليصبح "شريكاً". هذا التغيير اللغوي يهدف إلى إحداث تحريف في الوعي الأخلاقي الجمعي لإزالة "عائقية الفطرة" التي تمنع المجتمعات من التعاهد مع المعتدي.
4.الخلاصة: اللغة كمحور للصراع الائتماني
يُظهر النقد اللغوي لطه عبد الرحمن أن معركة التطبيع ليست فقط في الميدان السياسي، بل هي في الميدان الدلالي والأخلاقي. إن محاولات ترويج "السلام" و"الشراكة" دون العدل هي محاولة لـ نقض العهد باستخدام أدوات لغوية مُجوَّفة.
لذلك، فإن "المقاومة الائتمانية" تبدأ بـ "المقاومة اللغوية"، أي الإصرار على استعادة المصطلحات لمضامينها الائتمانية الأصيلة (العدل والوفاء بالعهد) ورفض الدلالات المصلحية التي تحاول وثائق التطبيع فرضها.
الخاتمة: الائتمان كحارس للمبدأ الأخلاقي
يقدم مشروع طه عبد الرحمن رؤية فريدة وعميقة لتفكيك خطاب التطبيع، تقوم على إعادة الاعتبار لـ الأخلاق باعتبارها أصل الفعل السياسي وشرط إمكانه، بدلاً من جعل المصلحة وحدها هي المحرك.
الإجابة على التساؤل الرئيسي
لقد أثبت تحليلنا أن مفهوم "الائتمان الأخلاقي" عند طه عبد الرحمن يمثل إطاراً نقدياً جذرياً لتفكيك الأساس النفعي للتطبيع. فالتطبيع، في هذا الإطار، ليس مجرد قرار سياسي عابر أو تسوية اقتصادية، بل هو نكوص ائتماني يخل بالعهد ويشوه الفطرة (عائقية الفطرة). إنه انتصار لـ "النزوع المصلحي" على "النزوع الائتماني".
ويقابل هذا النكوص نموذج بديل يتمثل في المرابطة والمقاومة الائتمانية. هذا النموذج يعيد الإنسان إلى وظيفته الأخلاقية الأولى بوصفه حاملاً للأمانة، ويعلي من قيمة "المكان المصدَّق"، مما يحفظ الذاكرة القيمية للقضية الفلسطينية من التحريف والتسيس المصلحي.
القيمة المضافة للمقاربة
تُظهر هذه المقاربة أن العودة إلى الأخلاق عند طه عبد الرحمن ليست عودة إلى مثاليات حالمة، بل هي تأسيس لسياسة عادلة لا تقوم على المصلحة وحدها، بل على الحق الذي يضبطها ويهذبها. وهذه هي القيمة المضافة التي يقدمها الإطار الائتماني: أنه يوفر معياراً ثابتاً غير قابل للتصفية أو التنازل في زمن تتسارع فيه المساومات السياسية ويتعمق فيه الخلل الأخلاقي في الخطاب العربي المعاصر.
بذلك، تظل المقاومة والوفاء بالعهد هما السبيل الوحيد لإعادة الاعتبار للفعل الإنساني وتحقيق الجوار الائتماني المستقبلي القائم على العدل، لا على التبرير.
قرار صيني حول تصدير السيارات .. ما تأثيره على السوق الأردني
التأمين الصحي عبر الضمان الاجتماعي
اقتصادي: ذكريات حرب غزة صنعت ثقافة مقاطعة يصعب التراجع عنها
أورنج الأردن تُمكّن الشباب في مؤتمر TEDxGJU
مهم لسكان هذه المنطقة بشأن فصل الكهرباء الأحد
التوثيق الملكي يصدر كتاباً حول الجيش الشعبي
حورية فرغلي تستعد للزواج .. من هو العريس
دلالات مقولة : زود الاحترام بقل الواجب
تصاعد الجدل حول تصريحات غير مؤكدة لزياد المناصير .. التفاصيل
تفاصيل المخطط الأميركي الجديد لتقسيم غزة
التعامل مع انجراف الأتربة ومداهمة المياه لمنازل بعجلون
مدعوون لاجراء الامتحان التنافسي .. تفاصيل
ما هو غاز الأمونيا وما مخاطره الصحية
تعيينات جديدة في وزارة التربية والتعليم - اسماء
مي عز الدين تعلن زواجها وتفاجئ الجمهور
قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين .. وصمة عار في جبين الإنسانية
وصفة الدجاج بالعسل والثوم والحامض
مدعوون لإجراء المقابلات الشخصية في الأمانة .. أسماء
حماية المجتمع الأردني بالأرقام ..
معدل التضخم سيبقى عند مستواه ..
ارتفاع أسعار الذهب محلياً في التسعيرة الثانية اليوم
أول حالة طلاق في الأردن بسبب حفل هيفاء وهبي
150 قرشًا للّيمون .. ارتفاع بأسعار الخضار في السوق المركزي الأحد


