الاقتصاد الإسلامي في الأردن: صوت غائب وقرار مغيّب

mainThumb

15-11-2025 12:29 AM

غياب علماء الاقتصاد الإسلامي عن مواقع القرار في الأردن يشكل إشكالية حقيقية تطرح تساؤلات عديدة حول شمولية الرؤية الاقتصادية في البلاد, فالمشهد الاقتصادي الأردني يبدو وكأنه حكر على نخبة متجانسة من الخبراء الذين تخرجوا من مدارس الاقتصاد الغربي، بينما يغيب عن دوائر صنع القرار أي تمثيل مؤثر للخبراء في الاقتصاد الإسلامي.


تهيمن النخبة الاقتصادية التقليدية على مفاصل الاقتصاد الرئيسية من البنك المركزي إلى وزارة المالية ومؤسسات الاستثمار الكبرى، مما يشكل ما يشبه النادي المغلق الذي يتحدث لغة واحدة.


ولا يقتصر هذا الغياب على المناصب القيادية فحسب، بل يمتد إلى غياب أي تمثيل حقيقي لهؤلاء الخبراء في لجان صياغة التشريعات المالية والضريبية، أو في مجالس إدارة المؤسسات المالية، أو في مراكز الدراسات الاستراتيجية التابعة للدولة.


حتى عندما يُدعى هؤلاء الخبراء للمشاركة، فإن دورهم غالباً ما يُحصر في الإطار الرمزي والديني، فيقتصر على الإفتاء في المعاملات المالية الشخصية أو المراجعة الشرعية للبنوك الإسلامية، دون أن يكون لهم تأثير حقيقي في صنع السياسات الاقتصادية.

تعود جذور هذه المشكلة إلى أسباب متشابكة، يأتي في مقدمتها عدم كفاية البيئة التشريعية، حيث تبقى القوانين الاقتصادية غير موائمة لمتطلبات الاقتصاد الإسلامي، ويظل الإطار التشريعي حبيس النموذج الربوي التقليدي.

كما يسهم الاحتكار الأكاديمي والتدريبي في تفاقم المشكلة، فهيمنة المناهج الاقتصادية الغربية على الجامعات الأردنية الرسمية، وندرة البرامج التخصصية العليا النوعية في الاقتصاد الإسلامي، وإقصاء خريجي الجامعات الإسلامية من دوائر التوظيف المرموقة، جميعها عوامل تعزز هذا الغياب.

يضاف إلى ذلك وجود تحيز مؤسسي وثقافي ضد الاقتصاد الإسلامي، حيث لا يزال ينظر إليه على أنه غير عملي أو "غير مجرّب" ، مع الخوف من المساس بثوابت النظام المالي القائم، وارتباطه في الأذهان الجمعية لصناع القرار بالتيارات السياسية الإسلامية (الخصومة السياسية ) .

لهذا الغياب آثار سلبية متعددة، فهو يؤدي إلى قصور في الرؤية الاقتصادية الشاملة، حيث يتم تجاهل الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية في السياسات الاقتصادية، مما يسهم في تفاقم مشاكل الفقر والبطالة وعدم المساواة.

كما يؤدي إلى ضعف الابتكار المالي، وفقدان فرصة الاستفادة من الأدوات المالية الإسلامية المتعددة، وإهمال قطاعات تمويلية مهمة كالتمويل الأصغر الإسلامي

. والأخطر من ذلك، أنه يوجِد فجوة بين السياسات الاقتصادية المطبقة والهوية المجتمعية، حيث يشعر كثير من المواطنين بالتناقض بين قيم المجتمع وثوابته من جهة، وبين السياسات الاقتصادية المطبقة من جهة أخرى.

إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب إرادة سياسية حقيقية، تبدأ بالإصلاح التشريعي والمؤسسي من خلال إنشاء مجلس أعلى للاقتصاد الإسلامي يضم خبراء متخصصين، وإدماج الاقتصاد الإسلامي في استراتيجيات التنمية الوطنية.

كما يتطلب الأمر تطويراً أكاديمياً ومهنياً يشمل إنشاء كليات متخصصة في الاقتصاد الإسلامي النوعي العملي بالجامعات الرسمية، وتنفيذ برامج تدريبية لموظفي القطاع العام على الأدوات المالية الإسلامية.

ولا بد من تمكين حقيقي لهؤلاء الخبراء في مراكز القرار، من خلال تخصيص كوتا لهم في المجالس الاقتصادية العليا، ومشاركتهم في مفاوضات القروض والاتفاقيات الاقتصادية الدولية. وأخيراً، فإن بناء تحالفات مجتمعية بين الأكاديميين المتخصصين ورجال الأعمال والمؤسسات الدينية يمكن أن يسهم في إبراز نجاحات التطبيقات العملية للاقتصاد الإسلامي.


الاستمرار في تهميش علماء الاقتصاد الإسلامي يعني حرمان الأردن من رأس مال فكري وبشري مهم، ويعكس أزمة تكامل معرفي بين التخصصات, الخروج من هذه الأزمة يتطلب الإيمان بأنّ تنوع الخبرات يثري السياسات العمومية ويجعلها أكثر شمولاً واستجابة لتطلعات مختلف شرائح المجتمع


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد