كسر الجليد بين الإسلاميين والحكومة الأردنية:بناء جديد للعلاقة أم حلم ليلة صيف ؟

mainThumb

03-08-2008 12:00 AM

- عمر العساف - رسمت الحوارات الأخيرة التي فتحها مدير المخابرات الأردنية الجنرال محمد الذهبي مع الحركة الإسلامية ومع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسئلة كثيرة وموجة تفاؤل في أوساط عديدة، مثلما أغاظت أوساطا أخرى.
الأسئلة تركزت حول مدى جدية كلا الطرفين (دوائر صنع القرار في الدولة والإسلاميين) في كسر حاجز الجليد الذي أنتجته اصطدامات ونزاعات بين الطرفين خلال السنتين الأخيرتين، وصلت إلى حد تهديد رئيس الحكومة السابقة معروف البخيت بحل جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي. وكذلك إزالة الفجوة التي طالت بين الحكومة وحركة حماس منذ تسع سنوات.
وعلى رغم قلة المعلومات الراشحة عن لقاءات الذهبي مع ممثلي الحركتين، إلا أن الانطباعات عنها، من جانب الإسلاميين، تبعث على التفاؤل المرهون بالرغبة في رؤية نتائج ملموسة على الأرض في طبيعة العلاقة.
اللقاءات مع الإسلاميين لم تنقطع في السابق، فقد جرت في عهد الحكومتين السابقتين لقاءات عدّة، إلا أنها كانت تعقد على خلفية أزمة تقع بين الطرفين، وكانت غالبا ما تهدف إلى تنفيس أزمة، وتنتهي بإعلان نوايا حسنة من قبل كل طرف، سرعان ما تنسف مع أول أزمة جديدة.
لكن ما يميز اللقاءات الأخيرة، أن من أجراها هو مدير المؤسسة الأمنية الأولى في المملكة، وهو في الوقت ذاته شقيق رئيس الحكومة نادر الذهبي.
ورغم التأكيدات بأن لا علاقة للروابط العائلية في إدارة المنصبين، إلا أن الرجلين ليسا بعيدين عن بعضهما البعض، خصوصا بعد أن حسم الملك أخيرا الصراعات التي دارت بين أطراف في مراكز صنع القرار في الدولة بتأكيده مبدأ الولاية الدستورية للحكومة.
وما يمنح أهمية أخرى لهذه اللقاءات هو عدم بروز نزاعات جديدة بين الإسلاميين والحكومة في الفترة الأخيرة، منذ الأزمة التي خلفتها الانتخابات النيابية التي جرت قبل ثمانية شهور. مع ما يرى فيه المراقبون بأنه خطوة مبنية على قراءة جدية للواقع المحلي والإقليمي من قبل الدولة ومراجعة لمجمل سياسات الدولة وعلاقاتها مع المكونات الداخلية ومع الإقليم.
ويؤيد هذا التحليل السلوكيات الأخيرة التي برزت على أرض الواقع، التي بدأها الملك شخصيا من خلال تكثيف جولاته على المدن والمخيمات والقبائل الأردنية، التي هدفت إلى إعادة توثيق العلاقة مع المواطنين.
والشيء ذاته طبقه رئيس الحكومة بتكثيف جولاته هو الآخر مع وزرائه وسعيهم لتلمس احتياجات المواطنين ومحاولة التواصل معهم وحل ما يمكن من المشاكل العالقة، خصوصا على مستوى الخدمات الأساسية، وتأكيدهم عزم الحكومة على تخفيف معاناتهم اليومية المرتبطة بالضائقة الاقتصادية ما أمكن.
ويرى نقيب الصحافيين السابق طارق المومني أن تأكيدات الملك في غير مناسبة على ضرورة الانفتاح على مختلف شرائح المجتمع السياسية والاجتماعية وإجراء حوارات موسعة معها وإشاعة الحريات العامة، وتشديده على حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، أشاعت أجواء جديدة من التفاؤل.
وهو مقتنع بأن هناك مراجعة حقيقية جرت وتجري في دوائر صنع القرار رسخت قناعة لديها بضرورة هذا الانفتاح، وكذلك تجاوز الخلافات داخل دوائر الدولة وبين الحكومة والمعارضة، وتحديدا الإسلاميين الذين يؤكد أهمية دورهم التاريخي في إسناد الدولة ودعمها.
وهو لاحظ أن دعوة الملك أخيرا إلى تجاوز لعبة إطلاق الشائعات ومنطق التشكيك في وطنية هذا الطرف أو ذاك والقفز عن الأصوات التي تخوّن هذه الجهة أو تلك، لقي صدى عميقا لدى مختلف الأطراف.
ويعتقد المومني أن التغيرات الأخيرة: الوضع الاقتصادي المتأزم داخليا، والتحولات الإقليمية المتمثلة في الصفحة الجديدة في العلاقة بين كل من سوريا وحركة حماس وحزب الله مع إسرائيل والعلاقة بين إيران
والولايات المتحدة وخذلان الأخيرة لصوت الاعتدال العربي بانحيازها السافر لإسرائيل وانكفاء هذا التيار على نفسه، جعلت لزاما على الحكومة إعادة تقييم الأوضاع وطبيعة علاقاتها مع مختلف القوى في الإقليم بما يحفظ المصالح العليا للدولة الأردنية.
وهو يلفت في هذا السياق إلى أن أحد عناصر حيوية الدولة تكمن في ابتعادها عن الحدية والتزمت، وقدرتها على إجراء مراجعة لعلاقتها مع الآخرين بسهولة وسلاسة.
من وجهة نظر الإسلاميين، فإن القضايا الخلافية مع الحكومة "ما زالت عالقة"، وهي كما يلخصها رئيس مجلس الشورى في حزب جبهة العمل الإسلامي رئيس كتلة الحركة الإسلامية في البرلمان الشيخ حمزة منصور: "الإصلاح والحريات العامة والموقف من القضية الفلسطينية وتجذير الديموقراطية ومحاربة الفساد".
غير أنه أنه يرى في اللقاءين الأخيرين وغيرهما من التحركات "مؤشرات" على رغبة جديدة في الانفتاح على الإسلاميين وغيرهم من الأطياف الأخرى في المجتمع".
وهو يعتقد أن المصلحة الوطنية في الظروف الحالية تتطلب من الحكومة "إشاعة حوار حقيقي وإعادة صياغة العلاقة على أساس الرغبة الحقيقية في إشراك الجميع في تحمل المسؤولية للتصدي للمخاطر التي تواجه المملكة والأمتين العربية والإسلامية".
ويقول الكاتب السياسي في صحيفة "الغد" ومدير مكتب فضائية "الجزيرة" القطرية في عمان ياسر أبو هلالة لـ"النهار" أن الطرفين باتا مقتنعين بأن هناك مصلحة مشتركة لكليهما في الوصول إلى هدنة في الحد الأدنى بالنظر إلى الظروف الحالية، إن لم يكن ممكنا الوصول إلى عودة دافئة إلى علاقة الشراكة بينهما التي انقطعت (برأيه) منذ عام 1993 عندما سنت الحكومة قانون الانتخاب القائم على الصوت الواحد، وهو ما جعل الحركة الإسلامية تشعر بأنها مستهدفة.
أبو هلالة، المتابع عن قرب لملف الحركة الإسلامية، يعتقد بأن هناك فرصة قوية لعودة العلاقات، بعيدا عن الأوهام، على قاعدة الانفتاح ومناقشة الملفات العالقة بينهما التي عرضها الشيخ منصور.
لكنه، رغم المؤشرات الإيجابية التي أطلقتها الحكومة، مثل اللقاءات الأخيرة والسماح للحركة بإقامة مهرجان خطابي في المدرج الروماني أمس (السبت) ووقف التنقلات في جمعية المركز الإسلامي التابعة للحركة والوعد بحل مشكلتها، وحضور الشيخ حمزة منصور مأدبة العشاء التي أقامها النائب (العلماني) ممدوح العبادي للملك، يعتبر ما أنجز "الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل".
ويلفت إلى أن التحول الحقيقي تمثل في اللقاء مع ممثلي حماس (محمد نزال ومحمد نصر). وينقل عن قيادات حماس في دمشق التي زارها أخيرا، انطباعهم بأن هذا اللقاء كان الأفضل الذي جرى مع المؤسسة الأمنية منذ أزمة طرد قياداتها من عمان عام 1999
ويشير أبو هلالة إلى أن هناك مخاوف مشتركة لدى الطرفين حيال ما يجري غرب نهر الأردن، ويقصد حال الفوضى التي تسود إسرائيليا وفلسطينيا، المرشحة لمزيد من التدهور.
ويخصص بأن الأردن يخشى من أن هناك نوايا سيئة لدى إسرائيل حيال الأردن وأن تجد من ينفذها فلسطينيا.
وإعادة الانفتاح على حماس يضع في يد الأردن، وفقا لأبو هلالة، دورا جديدا يمكنه من البقاء مؤثرا في الوضع السياسي الفلسطيني، بعيدا عن المراهنة على ورقة حركة فتح فقط، التي أثبتت التجربة أنها ليست رابحة دائما.
وإضافة إلى ضبابية الوضع شرق المملكة في ظل النوايا الأميركية في الانسحاب من العراق بشكل غير منظم، وما يفتحه ذلك من احتمال سيطرة طهران على الوضع السياسي في بغداد أو سيطرة قوى سنية
متشددة، يلفت كذلك إلى خطورة ما قد يحدث بين إسرائيل وسوريا في حال أفضت الاتصالات الجارية بينهما إلى اتفاقات.
وهو يعتقد أن اتفاقا بين دمشق وتل أبيب، رغم عدم سهولته، إلا أنه سيفضي إلى صفقة ضخمة تحمل تنازلات كبيرة من قبل الطرفين، وفي الوقت ذاته يأخذ السوريون ما لم يأخذه أحد، وهو ما سيكون على حساب الأردن الذي سيفقد ميزته النسبية كونه الدولة الوحيدة في المشرق العربي التي تتمتع بعلاقة جيدة واتصالات مفتوحة مع إسرائيل.
وفي الوقت ذاته يعتقد أبو هلالة أن الإسلاميين "تعبوا من الصراع غير المجدي" مع الحكومة ويريدون هدنة حقيقية تمكنهم من إعادة ترتيب بيتهم الداخلي وإنهاء الصراعات الداخلية (بين الحمائم والصقور) التي استنفدت قواهم.
هذه العوامل جميعا، هل ستفضي إلى إعادة صوغ علاقة إيجابية بين الحكومة والإسلاميين، أم أنها مجرد مناورة تنتهي مع الصيف الحالي../ النهار/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد