في حديثنا عن القيم، يمكن لنا التمييز بين نوعين منها فأما الأولى فهي قيم متغيرة(وسائل لتحقيق الغايات والحاجات)، وأما الثانية فهي مطلقة تطلب لذاتها ولغايتها ومنها( الحق والخير والجمال) قيم (الاكسيولوجيا) التي من الصعب الفصل بينها على حد قول الفيلسوف اليوناني افلاطون بان الجمال هو مظهر من مظاهر الحق وغايته الخير ولهذا نجد بأن التداخل بين هذه القيم كبيرُجداً.
وعلى ضوء ذلك نشأت ثلاثة علوم منها علم المنطق الذي يبحث عن الحقيقة والوصول إليها، والعلم الثاني علم الاخلاق وخاصيته البحث عن الخير ومصادره، يليه علم الجمال للتمييز بين ما هو جميل وقبيح. وبما أنها الثلاثة علوم تحتاج لمعيار أي ما ينبغي ان يكون عليه الحق ومعياره التفكير وطرقه وأما الاخلاق، فمعياره السلوك الخير، ويليه الجمال، فمعياره الخصائص الجمالية المتوفره في الشيء لكي يكون جميلاً ومقبولاً عند الفرد بما أنه مقياس القيم حسب نظرية الفيلسوف الجدلي "بروتاغوارس".
وبعيداً عن الإطار الفلسفي الذي له مختصيه، وقريبا من الإطار الاجتماعي والنفسي والتربوي يشعر أغلب الناس بالقلق إزاءَ المخاطر التي تهدّد بتهدّم القيم وتاثرها سلباً نتيجة المتغيرات المتسارعة والتطبيقات التكنولوجية التي باتت مخيفة إذا لم توجه بطريقة تخدم القيم الانسانية وتقودها نحو الرفعة والتقدم. ولهذا كله لا بد للمنظومة القيمية أن تكون فاعلة وحاضرة دائماً وفي كل الظروف حتى في ظل الجوائح ومنها جائحة كورونا والتي غيرت الكثير من العادات والأنظمة الحياتية التي اعتدنا عليها وبات الأمر الواقع والمعاش رغم كل تناقضاته أمراً مقبولاً لدى الغالبية ولا بدائل سحرية له ومع كل هذا لا بد من التغلب على تداعيات الجائحة السلبية وأن تبقى قيم الحق ظاهرة و يسعى الفرد للوصول إلى الحقيقة، والبحث عن مصادرها والابتعاد عن الأكاذيب والشائعات التي تضلل التفكير وتشتته، ونعني بالبحث عن الحقيقة هنا أي في كل أنماط تفكيرنا وسلوكياتنا مهما كانت مكانتنا ودورنا في المجتمع وفي أي قطاع نعمل فلا بد من تحري الصدق والحق والابتعاد عن كل مظاهر الكذب والزيف وفي هذا المضمار لا بد من الإشارة للدور التربوي للأسر والمدارس في تنشئة الأفراد على اهمية الوصول غلى الحقيقة وبطرق عملية صحيحة، وأن تكثف الجهود وتتضافر من أجل الوصول الى مظاهر الحقيقة في ظل الجائحة الحالية وإظهار الحق والصواب في سلوكياتنا المجتمعية المتمثلة بالسلوكيات الحسنة والمقبولة ونبذ السلوكيات السيئة والغريبة على حياتنا وثقافتنا وخاصة مع وجود الأجهزة الذكية وتطبيقاتها المتنوعة وجميعها بين أيدينا.
ومن الواجبات والمسؤوليات الملقاة علينا كأفراد أن نبحث عن مصادر الخير أينما كانت وكيفما ظهرت وان الافصاح عن الوضع الصحي إذا كنا نعاني من المرض وأن نلتزم بطرق الوقاية الصحية المطلوبة ، وان يكون الالتزام بالقوانين والاجراءات الحكومية أمراً واضحاً في سلوكياتنا على قدر المعقول. وان نكون الأيادي البيضاء التي تسعى لنشر الخير والحب والعطاء ومنها على سبيل المثال الإحساس بالآخر، ودعم الأسر الفقيرة والقيام ببعض الأعمال التطوعية التي من شانها تجسيد روح المسؤولية المجتمعية وبين كل هذا وذاك لا بد لنا ان نواجه كورونا بالتفاؤل والأمل والإرادة والرغبة في الاستمرار فهي الاسلحة التي يجب أن نتسلح بها، فالحفاظ على أجسادنا نظيفة وبمظهر جمالي وبيوتنا مرتبة، وبيئة نظيفة جميعها تشعرنا بالوصول للجمال الحقيقي لأن القيم الجمالية تساعد على تأكيد الذات وتهذيب السلوك وتنمية القدرات وشحذ الذكاء وتجسيد أنماط السلوك المرغوب فيه، وبناء الشخصية المنتجة، وهذه كلها عناصر للصحة النفسية. تعزز حب الانتاج والمعرفة والابداع وأخيراً مهما كانت الظروف التي نمر بها صعبة لا بد لنا من البحث عن جمالية الأشياء للتغلب على الظروف المؤقتة والتي فرضتها جائحة كورونا.