الإقتصاد الأردني بين الركود والتضخم

mainThumb

27-06-2021 03:25 PM

الاقتصاد يقوم على التوازن بين قوى الطلب والعرض، فإذا زاد الطلب عن العرض أدى ذلك إلى الزيادة في الأسعار وحدث التضخم، وإذا زاد العرض عن الطلب أدى ذلك إلى الإنخفاض في الأسعار وحدث الركود، بالتالي التوازن بين الطلب والعرض يعني القدرة على التحليق على أعلى المستويات، ولكن ما يحدث في الأردن حالة استثنائية وجناحين غير قادرين على التحليق يتمثلان في الركود والتضخم، بمعنى أن العرض أكثر من الطلب وأسعار السلع والخدمات ما زالت مرتفعة، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تشكلت هذه الحالة "حالة الركود التضخمي" في الاقتصاد الأردني؟ وهل نحن قادرون على التحليق؟ 

 
 
أول عامل ساهم في وجود هذه الحالة هو زيادة عدد السكان الكبير في الأردن الناتج عن الحروب في الدول المجاورة سواء في الكويت أو العراق أو سوريا  وخاصة بعد تسعينيات القرن الماضي أدى إلى الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة وعلى البنية التحتية من مدارس ومستشفيات وعلى السلع والخدمات، مما أدى إلى إرتفاع الأسعار وخاصة أسعار الأراضي والعقارات، زيادة عدد السكان الغير طبيعي الذي يتجاوز 5% سنويا لم يقابله للأسف زيادة في الإنتاج والنمو سوى 2% تقريبا سنويا، هذه الفجوة السالبة التي كانت لصالح عدد السكان ضغطت على الموارد والأراضي والأسعار وساهمت في وجود التضخم المرتفع. 
 
إرتفاع معدلات الفائدة من العوامل الرئيسية التي ساهمت في زيادة التضخم وزيادة الركود في نفس الوقت، كما نعلم السياسة النقدية في الأردن كانت تتبع سياسة نقدية متشددة من خلال رفع أسعار الفوائد، وارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى ارتفاع تكاليف التمويل والإنتاج، والذي بدورة أدى إلى زيادة أسعار السلع والخدمات، بالتالي أسعار السلع كانت وما زالت مرتفعة وقدرة المواطنين على الاستهلاك منخفضة ومتناقصة، وهذا أيضا انعكس بشكل سلبي على نسب النمو والبطالة داخل الأردن. 
 
سوء توزيع الثروة من العوامل التي ساهمت بشكل كبير في تعميق الطبقية وزيادة الركود في الأردن، وهذه مسؤولية السياسة المالية، ومع قانون الضرائب الأخير والذي أدى الى تآكل الطبقة الوسطى وزيادة الطبقة الفقيرة والتي باتت تشكل النسبة العظمى في المجتمع الأردني، هذا القانون الضريبي أدى إلى انخفاض قدرة المواطنين على الاستهلاك وانخفاض الطلب الكلي، ندرك أن قانون الضريبة التصاعدي يؤدي إلى إعادة توزيع الثروة، ولكن ما حدث في الأردن أنه تم تخفيض سقف الضريبة من 24 ألف إلى 18 ألف وهذا الإجراء قلل من قدرة المواطنين على الاستهلاك من جهة، ومن جهة أخرى ألغى قدرتهم على الاستثمار ولو بنسب قليلة. 
 
هناك عامل نفسي لعب دور في الركود التضخمي في الأردن، وهو عدم ثقة المواطن والمستثمر في الحكومات المتعاقبة، كل حكومة تأتي تضع قوانين استثمارية جديدة وتلغي ما جاء قبلها من إجراءات وقوانين، عدم استقرار القوانين، وغياب رؤية واستراتيجية واضحة تسير عليها الحكومات، وتراجع الحوكمة وزيادة الإجراءات البيروقراطية أدى مع مرور الزمن إلى زيادة الفجوة بين المواطنين والمستثمرين من جهة وبين الحكومات من جهة أخرى، وهذا جعل المواطن الذي لديه بعض المال بأن يتوجه إلى الإدخار والخوف من الإنفاق والاستهلاك، عدم وجود راحة نفسية لم ينحصر على المواطن إنما أنعكس كذلك على المستثمر بتقليل الإنتاج وهروبه في حالات أخرى إلى دول تتمتع في بيئة استثمارية مستقرة أكثر. 
 
يبقى السؤال يطرح نفسه بحسرة وألم مع هذا الواقع، هل نحن قادرون على التحليق في المستقبل؟ الجواب نعم قادرون، ولكن الحل يبدأ من الحكومات، الحكومة عليها مسؤوليات بأن تقترب إلى المواطنين والمستثمرين، وتعزز الثقة والتشاركية والحوار مع القطاع الخاص، كما على الحكومة أن تضع استراتيجية ورؤية واضحة ونسب مستهدفة للوصول الى نسب الإنتاج والنمو المنشودة وتقليل البطالة ومعدلات التضخم، ورسم خارطة طريق تسير عليها الحكومة الحالية والحكومات في المستقبل تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وزيادة الحوكمة المتمثلة بالمصداقية والشفافية والمسؤولية والمساءلة، مع إعادة النظر في السياسة النقدية والمالية والتي تناولناها بشكل مفصل في المقالات السابقة، وأخيرا التركيز على تنمية ودعم القطاعات بشكل متساوي وخاصة الزراعة النباتية والحيوانية للوصول على الأقل إلى مرحلة الأمن الغذائي. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد