كرام حتى في الخيام

mainThumb

09-12-2021 03:31 PM

حدثني صديق يعمل في احدى القنوات التليفزيونيه ،قال ان القناة طلبت منه ان يسلطوا الضوء على معاناة النازحيين السوريين في الاردن ،لعل وعسى هذا التقرير والمقابلات تساعدهم في ان تلتفت إليهم ايادي الخير والمنظمات الإنسانيه والحكومات ،يقول ذهبنا للمخيم وسألنا عن الحالات الأسوأ حتى نجري معهم لقاء ، فدلونا على خيمة سيدة تجاوزت الخمسين من العمر ،ماتوا اولادها وزوجها نتيجة القصف ،وهي تعيش بخيمه لوحدها ،يقول ذهبت انا والمصور لإجراء لقاء معها ،وكانت الساعه الثانية عشر والنصف ظهرا ،لكن أصرت السيده العجوز على ان تقدم لنا الغداء وواجب الضيافه قبل كل شيئ.
 
وأضاف انه حاول بشتى الطرق ان يعتذر عن الغداء ويتحجج بالوقت وانه مرتبط بزمن محدد مع المصور ،إلا ان جميع محاولاته باءت بالفشل ،بل ان العجوز قالت ،لا تظنون أن الظروف الصعبة ،وقسوة الدنيا علينا ،تجعلنا نتخلى عن اصالتنا وعاداتنا ،وننسلخ من تقاليدنا ،يقول لقد شعرت بالإحراج ولم يكن امامي خيار إلا القبول .
واضاف انه طلب من العجوز ان يساعدوها في تجهيز الغداء هو وزميله المصور ،فرفضت العجوز بشده ،بعد اقل من نصف ساعه ،جاءت بالغداء ،وكان خبز هي قد خبزته بيدها وصحنين فول وصحن حمص ،فقالت تفضلوا على غداكم ،يقول وبدأنا نأكل وهي ذهبت الى زاوية الخيمه حيث مكان الطبخ ،وبعد عشر دقائق جاءت العجوز بإبريق من الشاي والكاسات ،وبعد ان تناولنا الغداء وشربنا الشاي ،قمنا بإجراء اللقاء معها وشرحت لنا قصتها ومعاناتها ،بإسلوب المؤمن والواثف بالله الذي لا يعرف الإنكسار ،كان مندهشا جدا من شجاعة واصالة وكرم وإيمان تلك      السيده ،وأراني مقطعا كاملا للقصه كان قد وثقه عن كرم واصالة تلك السيده ،وقال انه شعر بالفخر والقهر بنفس الوقت  .
الى هنا انتهت القصه 
واما تعليقي عليها ،إن الكريم هو الذي يقدم لك اغلى ما يملك ،وكل على حسب امكانياته وما يملك ، وهذه السيده قدمت اغلى ما تملك لضيوفها ، المازوت الذي طبخت وخبزت وعملت الشاي به لا تحصل عليه إلا بشق الأنفس ،كما ان الطحين والزيت والفول والحمص ،لا يحصل عليها النازحون بسهوله وهي شحيحه وربما يحتاج الأمر الإنتطار لوقت طويل للحصول على القليل منها ،إذن وبهذه الظروف القاسيه ،هذا اغلى ما تملك هذه السيده ، وما فعلته  هو أعلى مراتب الكرم ،ان هذه السيده هي مجرد مثال لشعوب تملك نفس الأصالة والعنفوان والكرامه والكرم ،شعوب معادنها كالذهب ، لا تغير اصالتها قسوة زمان ولا مساومة جبان ،لقد واجهت أنا شخصيا مواقف كهذه في مخيمات النازحين في الموصل،ورأيت دموعا تنهمر ليس بسبب الفقر ومكان النزوح انما السبب انهم لا يستحقون ما حدث لهم وهم الكرام كانوا في منازلهم والملاك والشيوخ والوجهاء،تنهمر الدموع أسفا على نفس عفيفة اهينت وعزة كسرت وهمم خذلت ،وسمعت عن الكثير وشاهدت مقاطع مماثله لنازحين في اليمن وسوريا وتركيا والعراق والصومال وليبيا وغيرهم من الدول العربيه التي حدثت بها اضطرابات .
إن مثل هذه الشعوب الأصيله والكريمه كان المفترض ان تعز وتعيش حياة كريمه في اوطانها ، لا ان تضام وتقتل وتهجر وتشرد ،إن الشعوب الكرام حتى في الخيام ،تستحق التقدير والإحترام ، ما أصاب هذه الشعوب ،هي جائحة نتيجة خلطه من عدة فيروسات ،لقد ساهمت هذه الشعوب في صناعة الدكتاتوريات حيث تنازلت عن حقوقها منذ البدايه وعن كرامتها فصفقت وطبلت حتى صنعت طغاة اصابت جلهم بمرض العظمه بسبب قبولها الذل والإهانه، وكانت حاضنه احيانا للفتن والعنصريه والارهاب نتيجة الخوف او قلة الوعي والإستغفال ،كذلك تكالبت عليها قوى خارجيه نتيجة اطماع ومصالح  .
 
لكن هناك امل ان تنتهي هذه الحاله المأساويه ، وتنهض الشعوب من جديد ،وحين تنهض متكئة على الوعي والوطنيه والوحده ورص الصفوف واخذ العبره مما حصل ،سوف تحرر اوطانها من عصابات الداخل والخارج وتبنيها ،بالطبع بناء بلد المؤسسات والعدل لن يكون سهل ويحتاج وقت طويل خصوصا عندما يبدأ من تحت الصفر ،لكن لابد من الخطوه فهي بداية الطريق ،وقد نهضت شعوب من الركام  وبنت بلدان تقود العالم الآن، وهي اقل من البلدان العربيه ثروات بكثير ،لقد نهضت ألمانيا من ركام النازيه ،تكاتف الشعب وتوحد ،ووضع نصب عينيه ان يبني وطنا يباهي به العالم ويحبه ويحميه ، وفعلا حدث ذلك 
نسأل الله ان تنهض شعوب الأمة المضطهده فتحرر اوطانها اولا، من الجبناء والعملاء والطغاة ،وتقف مع اشقائها في فلسطين، حتى التحرير وعودة الدوله الفلسطينيه الحرة المستقله ،حينها فقط تقر العين  .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد