البنك الدولى يحذر من التضخم والركود

mainThumb

17-09-2022 06:20 PM

فى تحذير جديد للبنك الدولي، استنادًا لأبحاث مؤسساته الإنمائية والتنموية العالمية، سلِّط البنك الضوء على حاجة دول العالم الكبرى والفقير والعالم الثالث، إلى تخطيط "سياسات" لكبح ما أسمته الدراسات "جماح التضخم دون التسبُّب في تفاقم مخاطر الركود".
في واقع الحال، ومع تدهور وامتداد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى كل دول العالم، وتفكك العقول الناظمة لحلف الناتو والولايات المتحدة، ذلك أنهما يديران الأزمة حول العالم، فيما روسيا الاتحادية ورئيسها داخل حلبة الصراع المفتوح على المزيد من الدمار.. ربما نشهد حالة ذوبان لتراث البشرية، رغم توقعات العصر الرقمي.

.. عسكريًا واقتصاديًا وجيوسياسيًا، كشفت دراسة جديدة شاملة للبنك الدولي أن العالم قد يتجه نحو:
*أولًا:
ركود اقتصادي في 2023.
*ثانيًا:
سلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضررًا دائمًا.
*ثالثًا:
قيام البنوك المركزية في أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
*رابعًا:
عمليًا، وهذا الخطير، أن البنوك المركزية قد أقدمت على رفع أسعار الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تُشهَد خلال العقود الخمسة الماضية.

*مؤشرات مخيفة.. دون حلول.. ما يثير ويضع التنبؤات المخفية لحدوث حالات من تردي الاقتصاديات المجتمعية، وتفاقم الركود والتضخم (....)، إن دراسة البنك الدولي "تحذيرية"، الجديد فيها تركيزها على أن البنوك المركزية في أنحاء العالم قد أقدمت على رفع أسعار الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تُشهَد خلال العقود الخمسة الماضية، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر في العام المقبل.
.. والبنك يؤكد: المسار المتوقع حاليًا لزيادة أسعار الفائدة والإجراءات الأخرى على صعيد السياسات قد لا تكفي للنزول بمعدلات التضخم العالمية إلى المستويات التي كانت سائدة قبل تفشي جائحة كورونا. ويتوقع المستثمرون قيام البنوك المركزية في العالم برفع أسعار الفائدة الأساسية إلى نحو 4% خلال عام 2023، وهي زيادة تربو على نقطتين مئويتين عن متوسط أسعار الفائدة في عام 2021.

*ماذا عن تعطُّل سلاسل الإمداد؟

.. ليس في الأفق أي حلول تكبح المتوقع، حالة سحرية، تجتاح العالم، فالاقتصاد السياسي، نظريًا وعمليًا، يرى أنه ما لم ينحسر تعطُّل سلاسل الإمدادات وضغوط أسواق العمل، فإن تلك الزيادات لأسعار الفائدة قد تُفضي إلى ارتفاع معدل التضخم الأساسي على مستوى العالم (ماعدا الطاقة) في 2023 إلى نحو 5%، أي ما يعادل تقريبًا ضعفي المتوسط في السنوات الخمس قبل الجائحة. ووفقًا للنموذج الذي اعتمدت عليه الدراسة، فإنه لخفض التضخم العالمي إلى المستويات المستهدفة، قد تتعيَّن على البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة نقطتين مئويتين إضافيتين.
وإذا صاحبت هذه الإجراءات زيادة الضغوط في الأسواق المالية، فإن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي سيتراجع إلى 0.5% في 2023، وهو انكماش قدره 0.4% من حيث متوسط نصيب الفرد من النمو يوافق التعريف الفني لركود عالمي.

*حيرة ديفيد مالباس الملتبسة.

في السياق ذاته، بدا رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس، وقد دخل في حيرة ملتبسة وهو يقر: "يشهد النمو الاقتصادي العالمي تراجعًا حادًا، ومن المرجح زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي مع انزلاق مزيد من البلدان في غمرة الركود. وما يثير قلقي البالغ هو احتمال أن تستمر هذه الاتجاهات، وما لها من تداعيات طويلة الأمد ذات آثار مُدمِّرة للشعوب في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولتحقيق معدلات تضخم منخفضة، واستقرار العملات، وتسريع وتيرة النمو ينبغي لواضعي السياسات تحويل تركيزهم من تخفيض الاستهلاك إلى تعزيز الإنتاج. ويجب أن تسعى السياسات إلى توليد استثمارات إضافية، وتحسين الإنتاجية وتخصيص رأس المال، وهي عوامل ضرورية لتحقيق النمو والحد من الفقر".
*الخطر القادم..

ترقب الظروف الصعبة غير العادية، التي تعمل من خلالها وتكافح من أجلها (...)، البنوك المركزية حول العالم ترى التضخم اليوم وفي المستقبل يبعث عدة مؤشرات تاريخية لنوبات الكساد العالمية بالفعل إشارات تحذيرية.
فالاقتصاد العالمي يمر الآن:
*أ:
أشد تباطؤ له عقب التعافي من كساد منذ عام 1970. وقد سجَّلت معدلات ثقة المستهلكين على مستوى العالم بالفعل تراجعًا أشد بكثير مما شهدته في الفترة السابقة على نوبات الكساد العالمي السابقة.

*ب:
تشهد أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم- وهي الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تباطؤًا حادًا للنمو.

*ج:
في ظل هذه الظروف، فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي، خلال العام المقبل قد تهوي به في غمرة الركود، والصدمة، أراها متوقعة بنسبة عالية جدًا نظرًا لفشل الأمم المتحدة وحلف الناتو وروسيا والصين، ودول المنطقة والشرق الأوسط، فى إيجاد مناخ فاعل لـ"دبلوماسية دولية، أممية" تعمل على مفاوضات مباشرة تنهى الحرب الروسية الأوكرانية حالًا.
*السيناريوهات المحتملة للسنوات 2022- 2024.

ما تعتمد عليه دراسة البنك الدولي، رؤية على الدروس المستفيدة من نوبات الكساد العالمي السابقة لتحليل تطور النشاط الاقتصادي في الآونة الأخيرة، وتعرض السيناريوهات المحتملة للسنوات 2022- 2024. فتباطؤ مثل ذلك الذي يشهده العالم حاليًا يتطلب في العادة انتهاج سياسات لمناهضة التقلبات الدورية من أجل مساندة النشاط الاقتصادي، لكن خطر التضخم ومحدودية الحيز المتاح للإنفاق في إطار المالية العامة يحفزان واضعي السياسات في كثيرٍ من البلدان على سحب الدعم الذي تتيحه السياسات على الرغم من التباطؤ الحاد للاقتصاد العالمي.

وتُبيِّن تجربة السبعينيات، واستجابات السياسات في مواجهة الكساد العالمي في 1975، وفترة الركود التضخمي التي أعقبته، والكساد العالمي في 1982، خطر السماح باستمرار بارتفاع معدلات التضخم لوقت طويل في ظل ضعف النمو. فقد تزامن الكساد العالمي في 1982 مع ثاني أدنى معدل للنمو في الاقتصادات النامية خلال العقود الخمسة الماضية، لا يسبقه في هذا الترتيب سوى المعدل في 2020. وأفرز هذا الكساد أكثر من 40 أزمة مديونية، وأعقبه عِقدٌ من تراجع النمو في كثيرٍ من الاقتصادات النامية.

*تشديد السياسات النقدية والمالية العامة.

يدعو القائم بأعمال نائب رئيس البنك الدولي لشئون النمو المنصف والتمويل والمؤسسات "ايهان كوسي" إلى تغيير في عمل الاقتصاد حول العالم من خلال القول: "من المرجح أن يكون تشديد السياسات النقدية والمالية العامة في الآونة الأخيرة مفيدًا في الحد من التضخم. ولكن لأنها على درجة عالية من التزامن في مختلف البلدان، فإنها قد تفاقِم بعضها بعضًا في تقييد الأوضاع المالية وزيادة تباطؤ النمو العالمي. ويجب أن يكون واضعو السياسات في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية على أهبة الاستعداد لإدارة التداعيات المحتملة للتشديد المتزامن للسياسات على مستوى العالم".

كما ينبغي للبنوك المركزية أن تواصل جهودها لاحتواء التضخم، وهو ما يمكن القيام به دون التسبُّب في ركود اقتصادي عالمي، ولكن ذلك سيتطلب إجراءات مُنسَّقة من طائفة متنوعة من جانب واضعي السياسات:

*مقترح أول:
إن البنوك المركزية يجب أن تعلن بوضوح عن قرارات السياسات مع الحفاظ على استقلاليتها. فقد يساعد هذا على تثبيت توقعات التضخم والحد من درجة التشديد المطلوب للسياسات النقدية.
*مقترح ثان:
في الاقتصادات المتقدمة، يجب أن تضع البنوك المركزية في اعتبارها التداعيات غير المباشرة العابرة للحدود لتشديد السياسات النقدية.
*مقترح ثالث:
في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يجب أن تعمل هذه البنوك على تقوية القواعد التنظيمية الاحترازية الكلية، وتكوين احتياطات من النقد الأجنبي.
*مقترح رابع:
على السلطات النقدية أن تدرس بعناية سحب الدعم الذي تتيحه السياسات مع الحفاظ على الاتساق مع أهداف السياسة النقدية. ومن المتوقع أن تصل نسبة البلدان التي تقوم بتشديد سياساتها المالية العام المقبل إلى أعلى مستوى لها منذ أوائل التسعينيات. وقد يؤدي هذا إلى تضخيم آثار السياسة النقدية على النمو.

*مقترح خامس:
على واضعي السياسات وضع خطط موثوق بها للمالية العامة في الأمد المتوسط، وتقديم مساعدات مُوجَّهة إلى الأسر الأشد احتياجًا والأولى بالرعاية.
سيتعين على واضعي السياسات الاقتصادية الآخرين الانضمام إلى جهود مكافحة التضخم، لاسيما من خلال اتخاذ خطوات لتعزيز سلاسل الإمدادات العالمية.
وتشمل هذه الجهود، بحسب خلاصة دراسات البنك الدولي، وما يتبعها من حصر الإجراءات ما يلي:
1- تخفيف القيود على سوق العمل:
يجب أن تساعد تدابير السياسات على زيادة المشاركة في القوى العاملة وتقليص ضغوط الأسعار. ويمكن أن تسهم سياسات سوق العمل في تسهيل إعادة توزيع العمال المسرحين.
2- تعزيز الإمدادات العالمية من السلع الأولية:
يمكن أن يقطع- يؤدي- التنسيق العالمي شوطًا كبيرًا في زيادة الإمدادات من المواد الغذائية ومنتجات الطاقة. وفيما يتعلق بسلع الطاقة، يجب على واضعي السياسات تسريع التحول إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون واتخاذ تدابير للحد من استهلاك الطاقة.
3- تقوية شبكات التجارة العالمية:
يجب على واضعي السياسات العمل لتخفيف الاختناقات في سلاسل الإمدادات العالمية. وينبغي لهم مساندة نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد، يتجنب خطر السياسات الحمائية والتفتت الذي قد يؤدي إلى مزيد من التعطيل لشبكات التجارة.
.. لقد رصد البنك الدولي مؤشرات الركود والجموح المتوقع اقتصاديًا، يتعارض ذلك مع سياسات تمويل الحروب والأزمات ونتائجها المدمرة على البشرية.. لكن مَن يقرع الجرس؟، سياسيًا لمنع استشراء بيئة الحروب وتمدد الأزمات وتباين العلاقات.. أعتقد أن العالم بحاجة إلى سردية ثقافية فنية حضارية تمنع الانهيار.. وبالمناسبة نحن وصلنا إلى الحافة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد