شهية الأكل حتى الموت

mainThumb

28-09-2022 02:43 PM

تطالعنا الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى بتصنيف بعض الأطباق الجزائرية في المراتب الأولى من قوائم الطبخ العربي والعالمي. تفتح الشهية على الاقبال المتزايد على الخيمات المنتصبة في كل الاحياء في المدن الكبيرة والصغيرة، التي تخصصت في كل ما هو تقليدي. من «كسكسي» و»شخشوخة» و»زفيطي». منذ بداية السنة الحالية والتصنيفات تتوالى، فكان تصنيف «شوربة فريك» ضمن أشهر الأطباق، حسب موقع «المصدر» فإن «شورية فريك» صنفت «ضمن أفضل 12 حساء عالميا، ونقلا عن «المصدر» دائما «صنفت مؤلفة كتاب «الحساء… تاريخ عالمي» جانيت كلاركسون الطبق الجزائري المشهور «شوربة فريك» ضمن قائمة أفضل 12 حساء عالميا.
وأكدت كلارسون أن الحساء أحد أقدم الأطعمة في تاريخ البشرية وأكثرها انتشار. وينتشر طبق «شوربة فريك» في كل من الجزائر وتونس وليبيا، حيث تضاف «الفريكة» أو القمح الأخضر إلى الشوربة لتضيف ثقلا وغذاء مُرضيا لهذا الحساء الشمال إفريقيا، حسب قولها».
قد يتساءل الكثير حول جدوى هذا التصنيف وما فائدة أن تحتل «الشوربة فريك» المرتبة السادسة؟ شوربة على جميع الموائد طيلة شهر رمضان، وفي مختلف المناسبات، فهي تصاحب أي طبق رئيسي من أطباق الأفراح والاتراح. ترد على هؤلاء لمياء قاسمي بمنشور على صفحتها على فيسبوك «لم أفهم غضب البعض حول تصنيف (الشربة) ضمن قائمة أحسن أنواع الحساء عالميا، بحجة هذا» ما فلحنا فيه»، وحتى» نفلح مستقبلا في حاجة» أجد أن الأطباق التقليدية في عدة دول هي جزء من تراث وهوية وتحضر في مناسبات اجتماعية، بل وحتى يمكن استغلالها في الترويج لها سياحيا. فإذا قلنا «البيتزا» أو «الباستا» لا داعي لذكر البلد فهو معروف لدى الجميع، والأمر نفسه ينطبق عند الحديث عن (السوشي أو البايلا أو البرياني مثلا). دون أن ننسى ما فعلته (الأكلة التقليدية) في الصين بالبشرية جمعاء». كما صنف «طبق الرشتة» واحتل المرتبة السابعة. وأخيرا وليس آخرا طبق الشخشوخة، الذي احتل المرتبة 14. كما نقلت عدة صفحات فيسبوكية مثل «جزائريون في مونتريال» وصفحة «التراث الجزائري العريق» وصفحة «دي زاد لايدي» وأخريات أخبار كل ما صنف من حلويات ومعجنات جزائرية: «بعد تصنيف «مقروط اللوز» في المرتبة الرابعة عالميا وأولى إفريقيا وعربيا في تصنيف الحلويات الجافة وتصنيف «الرشتة» في المرتبة السابعة عالميا وأولى عربيا وافريقيا في فئة «نودلز»، حسب إحصائيات» تذوق أطلس» احتلت «الشخشوخة» اليوم المرتبة 14 عالميا وأولى افريقيا وعربيا في ترتيب اليخنات (يخنة يعني الجواز) وبناء على التصنيفات السابقة نرى قيمة وغنى المطبخ الجزائري، رغم النقص الكبير للترويج له».
أكيد «المقروط»، الذي احتل المرتبة الرابعة ضمن أفضل 50 نوعا من الحلويات في العالم، هو «مقروط اللوز». وليس «مقروط التمر» أو «مقروط العسل أو العسيلة». واللوز من المكسرات التي لم تعد في متناول الجزائريين إلا لذلك سيصبح «مقروط اللوز» من المواد التي تصدر مثل أي مواد أخرى ذات جودة عالية للخارج. ويصبح فعلا «مقروط اللوز» ياكلو البراني»، كما يقال عندنا. والكلام ينطبق على كل الاأطباق الفاخرة التي تعرض للفرجة وللتباهي بين الشعوب والثقافات «نبوسها ما ناكلها» (نقبلها ولا نأكلها). في غلاء الأسعار وندرة المواد التي لا تلوح فقط في الافق، بل نلمسها على أرض المحلات التجارية كبيرة كانت أم صغيرة.

شهية الموت: الكبيرات يغادرن تباعا

بالأمس توفيت السدة «زينب الميلي التبسي» أيقونة الاعلام والتراث. الخبر تناولته مختلف المنصات الرسمية وغير الرسمية لمكانة زينب الجميلي، فنقرأ على صفحة «جريدة آخر خبر» وفاة السيدة زينب الجميلي، نجلة الشهيد العربي التبسي وزوجة الدبلوماسي والوزير المتوفى محمد الميلي.
من الأقلام الصحافية النسوية النادرة، التي مارست الصحافة في مرحلة الحزب الواحد وتميزت بمواقفها السياسية والثقافية الجريئة، خاصة تلك التي أفصحت عنها أثناء تنقلها مع زوجها الوزير والديبلوماسي محمد الميلي في مختلف البلدان والعواصم، لا سيما العربية منها والإسلامية، والتي كانت مواقف مدافعة عن الجزائر وتاريخها وإرثها الحضاري والسياسي».
كما نقرأ ما كتبه الروائي الكبير واسيني الأعرج عنها العام الماضي بعد مرضها «تحية حب وإكبار للإعلامية الكبيرة والشجاعة زينب الميلي، التي كان وجودها في السبعينيات والثمانينيات يخيف كبار المؤسسة السياسية الحاكمة. تعتبر واحدة من أهم الصحافيات العربيات وأكثرهن جرأة. شخصية قوية ولا تخاف لومة لائم.كتابها «عرائس الجزائر» يشكل اليوم جزءا حيا من الذاكرة الجمعية الوطنية. استطاعت من خلال العرائس وألبستها أن تجسد تاريخ البلاد بكل تفاصيله وألوانه وتعدد عناصر هويته». توفيت بعد مرض عضال. نعم إنه الموت، الذي لا يشاور أحد. «زينب الميلي الكبيرة، هل توفيت؟ « من الصعب قبول ذلك. لقد كانت علامة ثقافية وسياسية وإعلامية كبيرة. لروحها أزكى السلام». بهذا المنشور نعاها الروائي «واسيني الاعرج». جريئة وجميلة بملامح طرية كالزبدة وبنظرات عينيها الثاقبة المزينة بكحل دائم. بين القوة والكرم، كانت تفتح قلبها وبيتها للجميع. من بين هؤلاء الشاعر عادل صياد، الذي كتب في منشور عن كيفية التقائه بها: «في 2005 التقيت أول مرة بالسيدة زينب الميلي (رحمها الله) في بهو اتحاد الكتاب الجزائريين، فهمس لها أحدهم بأنني عادل صياد، انحدر من مسقط رأسها تبسة. تقدمت مني بأناقة ووقار واضحين، على محياها كما على روحها، وسألتني بعفويتها وأمومتها الصارخة «واش تعمل هنا يا طفل؟ (ماذا تفعل هنا أيها الفتى؟). اختصرت لها سيرة حياتي في أقل من دقيقتين، واختصرت كرمها بدعوتي إلى بيتها في اليوم الموالي لتناول وجبة غداء مع السي محمد الميلي، زوجها رحمه الله. وقد استغرق هذا اللقاء العابر سبعة أشهر كاملة. لقد منحتني هذه السيدة جزءا ملحقا ببيتها الكبير في أحد أرقى أحياء العاصمة (سيدي يحيى/حيدرة)».
ويضيف صياد في نهاية منشوره «كان يوما حزينا عندما غادرت، لأن العائلة، ولظروف خاصة اضطرت لتغيير مقر السكن. ثم تعييني مديرا لإذاعة سوق أهراس، ومنه تم تشييعي إلى وجهتي الجديدة، مثلما تم تشييعها اليوم إلى مثواها الجديد. الرحمة عليك سيدتي زينب الغالية. فأمثالك من الخالدات لا يمتن أبدا». وبيتها لم يفتح سوى لابن بلدها، ولمن هم من مسقط رأسها، بل للكثيرين من غير الجزائريين، فها هي عيدة فرحات (دكتورة تونسية متخصصة في الدراسات العربية والحضارات الإسلامية والشرقية) تنعاها بمنشور على صفحتها الرسمية على فيسبوك «ربنا يرحم زينب الميلي، زوجة الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق محمد الميلي. هذه السيدة من أطيب النساء اللواتي عرفتهن في فرنسا. كم تشرفت بزيارتها في منزلها في باريس والتعرف عليها. كانت تحب كثير «لا نوغيت ألجيريان»، وكانت كلما ذهبت عندها تودنيني لها. إنا لله وإنا إليه راجعون. وربي يرحمك برحمته الواسعة».
قد يكون زمن انتهاء «الشجاعات» من النساء المقاومات دون هوادة. وها هي المغربية عائشة الشنا تترجل، وترحل عن هذه الدنيا. الكل في المغرب نعاها، سواء اتفق معها أو اختلف. كتبت صفحة «مبادرة شباب فاعل خير- تازة»: «توفيت الناشطة الحقوقية عائشة الشنا صباح الأحد 25 سبتمبر/أيلول 2022 في مستشفى الشيخ خليفة في الدار البيضاء، بعدما أدخلت إليه مؤخرا إثر مضاعفات صحية على مستوى جهازها التنفسي. وتعتبر الراحلة المزدادة في 14 أغسطس/آب 1941، في الدار البيضاء من الرعيل الأول من النساء الناشطات في المجال الاجتماعي والحقوق، حيث جعلت من قضية الأمهات العازبات قضية وجود بالنسبة إليها، حيث تمكنت من إخراج معاناة هذه الفئة من المجتمع المغربي من العتبات المظلمة الى النور، وأسست الراحلة عائشة الشنا عام 1985 جمعية التضامن النسوي، خاصة بالنساء العازبات وضحايا الاغتصاب في الدار البيضاء. وتوجت بجائزة أويس عام 2009، والتي بلغت قيمتها مليون دولار. إنا لله وإنا إليه راجعون. تغمدها الله بواسع رحمته والهم ذويها الصبر والسلوان». امرأة كسرت التابوهات الاجتماعية وأخرجتها إلى الواجهة لتصعق من لا يريدون النظر في المرآة، مثلما جاء في منشور أحمد عصيد برحيل السيدة عائشة الشنا، يكون المغرب قد ودع وجها بارزا من وجوه العمل الجمعوي الخيري والإنساني، الذي انكب على مجال يعد من التابوهات الاجتماعية الكبرى، ويتعلق الأمر بالأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب. على مدار أكثر من 40 سنة، عملت عائشة الشنا على تغيير عقلية النعامة التي تفضل الزج برأسها في الرمال على مواجهة الحقيقة وايجاد الحلول لمشاكل اجتماعية عويصة، رغم العداء الشديد، الذي عوملت به من طرف التيار المحافظ، إلا أنها انتصرت بصمودها وعملها الدؤوب، ولقيت تقديرا عظيما من كل القوى الديمقراطية وطنيا ودوليا، ونالت جوائز كبرى كانت تخصص عائداتها لإيواء المزيد من النساء ضحايا الاغتصاب وسوء المعاملة».
وعلى صفحة رشيدة بوشتا نقرأ ما قالته «الشنا» عن سبب دخولها عالم العمل الخيري، وكشف الغبن على النساء الهشات ووضع الأصبع في «العيون الوقحة» و»القلوب المتحجرة» المجردة من الإنسانية: «ذات مساء من مساءات الشتاء الممطرة عام 1981، كنت عائدة إلى العمل من عطلة الإنجاب. دخلت مكتب المساعِدة الاجتماعية، فوجدت أما تحمل طفلها وترضعه من حليبها، وقد بدا على هيئتها أنها من البادية. كانت تخبر المساعدة أن عائلتها طردتها لأن طفلها جاء ثمرة علاقة من دون زواج، وقالوا لها بالحرف الواحد «هاد ولد الحرام بيعيه ولا رميه حنا ماشي سوقنا»! عدت ليلتها إلى بيتي وحضنت ابني الذي كان في عمر الرضيع، وأقسمت أن اكرس حياتي وعملي لخدمة هذه القضية كي لا تضطر الأمهات التخلي عن أطفاله، رغما عنهن». هكذا تبدأ الحكايات الكبيرة للنساء العظيمات. وليس حكايات العبث لنساء كأنهن دمى لزينة الحيطان والمجالس، فهل هناك من يكمل المشوار ويسبل نفسه في خدمة الناس من لا يمكنهم دفع شيء ولا يتعاملون بطريقة بـ«شد مد».


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد