خيانة الأمانة

mainThumb

20-10-2022 01:43 PM

ذات مساء من أيام كانون الثاني في بداية العقد الخامس من القرن الماضي ، تلبدت غيوم بين جفون السماء عند انحدار الشمس وراء الأفق الغربي حيث بدأت الغيوم السوداء الكثيفة تتجمع مع حلول الظلام الذي لف الكون مع انخفاض درجة الحرارة انخفاضا كبيرا، وزمجرت الريح العاصفة فتصافقت أغصان الشجر ، واجتثت الرياح الشديدة عددا من الأشجار العتيقة في سفوح الجبال، انهمر مطر المنذَرين وساء وجرت أودية بقدرها تحمل زبدا رابيا واشتد عزمها فجرفت كل ما صادفت في طريقها وتعاظم الطوفان مع اشتداد الريح الصرصر العاتية مع التقاء سيول ثلاثة أودية جارفة صبت في مجرى واحد ففاضت مياه الغضب وتدفقت المياه مندفعة وقد عكر صفوها الاتربة الحمراء التي جرفتها في طريقها وسمعت قرقعة الصخور المجروفة مع هدير المياه المتدفقة وتهايلت جدران جروف السيل ، واشتد هطول المطر وطغى الماء وغمر بيوت القرية الطينية وجرفت كثيرا من بيوت القرية ، واخذ الناس يجأرون الى الله ، لقد تحولت ذات الشمال الى بحيرة تتلاطم فيها الأمواج الهادرة ، وكانت الرياح شديدة تقتلع كل ما صادفته في طريقها، فكنت ترى الناس الذين غامروا متحدين العاصفة كنت تراهم تقذفهم الريح قذفا شديدا فتناثرت جثثهم صرعى في ساحات القرية كأنهم أعجاز نخل خاوية. لقد عصفت بهم الريح بلا هوادة وجرفت السيول العديد من بيوت القرية. وغمرت المياه الباقي، لقد نزل بالقرية نازلة أهلكت الزرع والضرع والانسان!
وفي اليوم التالي توافد الناس من القرى بعد هدوء العاصفة فشاهدوا ماحل في القرية وأهلها من دمار.
وخصصت خطبة الجمعة لحض الناس على مد يد العون الى القرية المنكوبة وانطلقت حملة تبرع في قرية ذات العماد .... هب الناس الى تلبية النداء فجاد كل بما استطاع، وكان اكثر الناس اسهاما في الحملة ام مسامح إذ تبرعت بأغلى ما تملك : قلادة ذهب لبستها يوم زفافها قبل خمسين عاما : كانت القلادة مؤلفة من خمسين قطعة ذهب رشادي وواسطة عقدها جوهرة مرصعة بالماس . كانت القلادة يضرب بها المثل في أوساط عجائز القرية . سلمت المعونات العينية والمادية الى مختار قرية ذات العماد بعد تشكيل لجنة برئاسته لإيصال المساعدات الى سكان قرية ذات الشمال.
وصلت المعونات الى أهالي القرية المنكوبة فارتفعت روح الناس المعنوية هناك عندما أدركوا ان لهم في الأرض أخوة يعطفون عليهم ويرأفون بهم!
ذات يوم في بداية الصيف ، حل يوم زفاف احدى فتيات قرية ذات العماد، فأقيم حفل وداع للعروس دُعِيت اليه صديقاتها ونساء القرية . اجتمعت نساء القرية يغنين أغنيات وداع العروس
وساد السرور والحبور الحفل
و خطرت ام مساعد زوجة مختار القرية رئيس لجنة المساعدات في قرية ذا ت العماد في الحفل وقد طوقت جيدها قلادة الذهب التي تبرعت بها ام مسامح الى أهالي قرية ذات الشمال!
صعقت ام مسامح وغمرتها سَوْرة غضب لقد صعقت لأنها ادركت ان رئيس لجنة المساعدات قد خان الأمانة ، فاتجهت الى أم مساعد وشدت القلادة بعنف وانتزعتها من عنقها : وصرخت : انظرن ، انها ترتدي قلادتي التي تبرعت بها لوجه الله لمساعدة المنكوبين من عباد الله ولم اتبرع بها لتتجمل بها زوجة خائن الأمانة!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد