عن خرافة الياسمين

mainThumb

30-10-2022 12:43 PM

عندما اخبرني شاكر نواصره بأنه أتم روايته الاولى ، اعتراني شعور غريب ، حيث أنني لم اعتقد ولو للحظة بأن هذا الرجل سينجز ذلك العمل الذي طالما حدثني عن رغبته في انجازه ، ولا اخفيكم سادتي بانه حدثني عنه للمرة الاولى عندما كان في المرحلة الدراسية الاساسية ، اخبرني بأن شيئاً ما يخطر بباله ، ولم اكن قد خبرت بسبب حداثة سني امكانيات هذا الكاتب وقدراته الخاصة ، اذكر يومها بانه اخبرني برغبته في كتابة رواية واذكر انه كان قد استخدم احد دفاتره المدرسية وشق بعض الاوراق التي سبق وان استخدمها لغايات دراسية .
اثار ذلك يومها سخريتي منه ، كما اثارت الرواية في طبعتها الجاهزة لدي دهشة لا تصدق ، اذ أنني عجبت من كم الذاكرة التي احتفظ بها هذا الرجل ، وكيف أن روايته ( خرافة الياسمين ) كانت امتداداً مسجلاً لكل تلك الفترة العمرية دون فواصل مفقودة او ذكريات قفز عنها ، لقد ادهشني احتفاظه بكل التفاصيل دون خيانة اية قطعة من الذاكرة ، وازدادت الدهشة عندما اصطحبتني الرواية في طرق ضيقة غير معبدة لم تكن رواية مصممة على النظام الحديث ( رواية باربعة دواليب ) لتتمكن من السير عليها ، لولا أن الكاتب تمكن من السعي بروحه في تلك الدروب التي ربما لم تعد موجودة في ايامنا الحالية ، لربما سدت بسبب قلة العابرين ، او نبتت الاشواك فيها فمحت ملامحها لان عابريها غابوا الى الابد ، لقد سمعت اصواتهم ورأيت صورهم واستحضرت رائحتهم ، مروا من هناك، واعتقدت انهم ذهبوا بلا رجعة ، فوجدت نفسي بينهم فجأة وانا اقلب صفحاته ، او لربما لم تكن صفحات لربما كانت خليطاً عميقاً من الذكريات والروائح ، اشعل في الرواية نار الحطب من جديد ، وأعاد بث صور كل الرجال في ذلك الوقت كانه بعثهم من جديد الى الحياة ، شعرت كثيراً بأن المطر الغزير عاد من جديد وان المواسم عادت مليئة بالورد والزهر والسنابل الخضراء .
ارتحت مراراً في قهوة القرية ، شربت الشاي والقهوة مع كل جلسة مساء في الصفحات ، كان العبق فيضاً ، وكانت الاوراق مليئة بكل ما يلذ لي أن استرجعه من ذلك الماضي الذي أفل خلف افق سرابي في دخائل الذاكرة ، ياله من استرجاع قوي وسريع وخاطف ، لكمة في الوجه لكل ما ساقتنا اليها هذه الايام من رتابة وملل وحياة فقدت معناها بافتقاد تلك الملامح ورحيل كل اولئك الأشخاص ، لا شيء روى ما في داخلي من نستالجيا الا ما قرأت في ( خرافة الياسمين ) التي لن اصفها بأكثر مما وصفت ، فلا كلمات تعادل حضور كل تلك الذكريات في صفحات قليلة جميلة ، شدتني من رأسي حتى اخمص قدمي ، لاهثا كيعقوب خلف ياسمين ، التي كانت تركض امامي في الحقول وانا اعدوا ورائها عدوا جائع لامرأة ، وجائع لرائحة التراب ، فكانت اجابة تساؤلاةٍ كثيرة في الاعماق ، واتضحت الصورة وشعرت بأن حنيننا للتراب هو ذات حنيننا للمرأة ، حبنا لهما حب واحد ، حب الاصل الذي اتينا منه ، حب مصدر انبعاث الحياة ، حب المعنى العميق البعيد للحياة ، نستشفي منه بعشقنا للمرأة وعشقنا للارض فنحرث الارض كاننا ننادم امرأة ، ونعشق امرأةً كاننا نعانق بقائنا وبداياتنا الحائرة التي لا نجد اجابتها الا في احضان امرأة او في احضان ارضٍ عشنا فيها الطفولة ولاحقنا خلالها الاحلام .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد