على هامشِ المودَّة بين أهلِ العِلْم

mainThumb

29-04-2023 02:27 PM

الحمد لله الذي علم بالقلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين، وبعد:
فبعدما مضت القرون الأوائل مِنْ عُمر هذه الأمة، تبين أن العلماء كان لهم الأثر البالغ في تقييد شوارد ثواني العلوم فضلا عن دقائقها ناهيك عن مهماتها، فَغدَا "القرآن كالشمس في ضحاها والسنة كالقمر إذا تلاها"، وأصبح الفقهاء سادة، والمحدثون قادة، ومن جَنَباتِهم تحدرت سقاية العلوم والرفادة.
وجاءت من بعدهم علماءُ يألفون التأليف، ذوو همة لا يعرفون التسويف، فكان الانشراح بالشرح والشراح، وتأسست قواعد الأصول من كل فن، تحبك الفروع والضلوع، وبان البيان واكتملت للعلوم الأركان، حتى ظن البعض بتوقف الاجتهاد، إلا أنه باب خير وأنى للخير أن ينقطع.
وبتمام ألفية الهجرة الأولى، أعقب العالم مستجدات، فأصبح يسير على البخار، ويقطع الفيافي بالقطار، وصعدت الحضارة الإنسانية في "علوم مَن دراها ما قلاها".
ولكن.. ما لبث العالَمُ مليا حتى دخل جُحرَ الاستعمار، وأمست الأمة في ليل أليلٍ لا تعرف كوعَها من بوعِها، ولولا ثلة من أهل العلم حفظوا الإرث والتراث، واستحكموا خلف الأحكام، فأضحوا زادًا للعامة وللحكام، حتى خرجت جلُّ الأمة من خَطبها الجلل.
واستيقظت الأجيال على الدرس والمدرسة، ومع الأيام أصبحت الجامعة تنافس الجامع، والعلماء يرفعون مشاعل النور في شتى علوم الدين والدنيا، إلا أن لواء الحق يحمله علماء الشريعة.
وبعد تحية إجلال لكل العلوم والاختصاصات وأهلها ممن أبلوا بلاء حسنا في خدمة الدين والأمة والإنسانية، لعلّي أنفرد هنيهة بعلماء الشريعة، فأقول لهم مستعينا بالله رب العالمين:
أنتم ورثة الإرث النبوي "قرآنا وسنة"، والقسمة فيها واضحة فمن أخذ منها زادها وضوحا، فما نقص الإرث يوما من أخذ آخذ، فانهلوا منها فمعينها لا ينضب، ولا يزاحم أحدنا أخاه ولا يُغضِب ولا يغضب، فالناس بحاجة للدواء الشافي، والمعين الصافي.
وإن اختلفتم فلا تختلفوا وأنتم تحملون آصاع العلم بين أيديكم، فيضيع منكم في الطريق، وتنتابه ذرات الطريق. ولا تحملون مع معين العلم ما ليس منه، ولا تكفؤوا عليه غطاء يغطيه، فالعلم تُقلُّه الغبراء وتظله الخضرء والعلماء عليه أمناء.
فيا أهل العلم الشرعي.. من كل مطلب ومشرب ومذهب، أنتم وردتم وِردا نافعًا، وموردا واسعا، فلا تصدروا عنها مصادر شتى تضيق بها الصدور، ولا اختلافات تطيش بها النفوس، واتركوا للمودة بينكم موئلا، وللإخاء بينكم فسحة، وللقاء بينكم موعدا، واعلموا يا علماء الأمة: إن الأمة تنتظركم، وأن كثيرا من دول العالم وشعوبها تعيش الحيص بيص، وأنتم بأيديكم مشاعل النور للخروج من النفق، والبُعد عن النفاق.
وأهل العلم بجميع أطيافهم يصِلُون ويُوصِلون إلى الحقّ، ما دام أنّ الحقّ مبتغاهم، فمن نظر أو ناطر فليكن الحقُّ مقصدًا للطرفين، يتنازعون لمعرفته وتعلمه وتعليمه حين التناظر "فالحق أبلج" فإذا لم أعرف الحقّ فلغشاوة عندي، فيلزمني الصبر الانتظار ليصحّ النظر.
ومسلك العلم كل الناس تسلكه، ولكن يتطلب قبل حمل العلم عن العلماء أن تورد نفسك الذي وردوا، لتصل كما وصلوا، وقديما قلتُ: (إذا أردتَّ أن تصل ما إليه وصلوا فانهلْ مما منه نَهَلوا). وعدم تجهم الصعب والصعاب لأنّ مسلك العلم يسير على الصابر عليه.
وأوصي نفسي وهي ترتشف من بحر العلم: انتظري!!، فلعلك تدركين مركبا يخوض بك عباب البحر، واتركي هوامش الأمور فأمامك مشوار طويل، ولا لترك الهمة فالعلم عزيز لا يوقظ نائما، ولا يسقي عازفا، ولا يمنع طالبا، وهو حبل متين من تمسّك به نجا، وهو رحِم المودة بين أهله، فمن قطع أو قاطع من غير سبب مُنع الوصولَ والسبب.

محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد