حيدر حيدر .. الذي حمل وليمته إلى السماء

mainThumb

05-05-2023 09:36 PM

على جدار مكتبتي لوحة صغيرة كُتب عليها: "متواضعٌ كالرّمل، صاخبٌ كالبحر، عالٍ كالسّماء، حرٌّ كالرّيح".. وهو قال :هذا هو حيدر حيدر باختصار. وقد أوصيتُ أن تكون هذه اللوحة شاهدة على قبري.

صدمني نعي أستاذنا الروائي الكاتب الكويتي طالب الرفاعي، نعى بحزن شفيف صاحب أهم رواية إشكالية، ليس في سوريا، بل في كل البلاد العربية، التي أكلت من أفكار الراحل "حيدر حيدر"‏⁧‫، ومدت في خيارات وأشارت تنبيهات رواية غريبة، مؤلمة، جريئة:"و.. ليمة لأعشاب البحر‬⁩".
.. ولعل وصف صديقي الرفاعي، عندما قال: "‏قلما نجا أحدنا من فخ هذه الرواية الآسرة".. فما زالت الرواية بكل فصولها تسبح في كون مكتبتي، كلما تذكرت أحوال سوريا وما يحدث من تداعيات الأزمة السورية منذ أكثر من عقد من الألم والموت وغياب الإنسان.
*الوداع بدون أسماك أو صنارة.
هذا حال المبدع في بلاد، اختارت الأزمات والموت المجاني، فما كان من حيدر حيدر "1936 - 2022"، إلا الصمت ومداعبة أسماك، يصيدها ويراقب خياشيمها وهي تطلب الرحمة، يعيدها إلى حيث أعشاب البحر الملونة.

.. بدون أسماك أو صنارة، أو حتى مخطوطة أخيرة، ترك "حيدر"، ‏اليوم، مقعده، يودعنا بصمت (...)، هكذا ذكرنا طالب الرفاعي، لأن الكاتب السوري الروائي المبدع ⁧‫.. حيدر حيدر‬⁩، كان- بكل أسف وألم ومعاناة: "كرس الجزء الأخير من حياته في العزلة والصمت وصيد السمك".

* بين الوليمة.. ورائحة الموت.
كاتب وروائي سوري. وحظرت روايته وليمة لأعشاب البحر في عدة دول عربية، وحتى أدى إلى ردود فعل غاضبة متأخرة من علماء الدين من الأزهر.
.. والقصة، بالعودة إلى ما حدث يوم
7و8 أيّار / مايو 2000، عندما نشرت وكالات الأنباء، الفضائيات، والمنظمات الدولية عن أحداث أكدت:
جرح ثلاثة ضباط من قوات الأمن المصري وإصابة خمسين طالبا على الأقل من جامعة الأزهر خلال مظاهرات ضد رواية وليمة الأعشاب البحر، وحدث ذلك لأول مرة في القرن العشرين، بينما كان حدث أثناء ردود الفعل المتشابهة الرواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا.
.. عندما كان حيدر حيدر، في سبات اللحظات الأخيرة، ربما يكون، قد تذكر كيف تم تفريق مظاهرات قام بها عدة آلاف من طلبة جامعة الأزهر بعد منتصف ليل القاهرة 7 أيار "وما هو ببعيد عن وقتنا، إذا قلنا إن الرواية نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، قبل 22 عاما من اليوم"، وهكذا يترك لنا الأرشيف الإعلامي والثقافي المصري، أنه في وظهيرة اليوم الإثنين "الثامن من أيار 2000"، تمت مظاهرات صاخبة ضد رواية حيدر، في مدينة نصر شرقي القاهرة، استجابة لتحريض الإسلاميين ضد، صدور وتوزيع رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري حيدر حيدر، وبالطبع كان الإخوان المسلمون، آخر من قرأ الرواية، ونفذ مؤامرة التحريض ضد انفتاح الثقافة المصرية على الإبداع العربي والدولي، ضمن منهجية دور الإخوان في تجهيل الأجيال، بالذات الشباب.

.. وقتها، شعر حيدر حيدر، بكل إشارات الخوف، ومع ذلك كان مؤمنا أن مصر تستطيع تجاوز الذي حدث، فهو كاتب مبدع، ضمير أمة، ولا يهمة مواقف الخراف الإسلاميين، وتخلف نظرتهم الإبداعية، منها الأزهر عن بعض الأحداث، ومن يتابع ما حدث يقرأ هذا الوصف المؤلم :"وقد نادى الطلاب الذين تظاهروا ليلا، وهم يرتدون ملابس النوم والملابس الرياضية في مظاهرتهم بإقالة وزير الثقافة المصري فاروق حسني لتبنيه إصدار هذه الرواية والدفاع عنها".

.. وأيضا: وبدأ المتظاهرون عندما طلب رجال الأمن منهم التفرق برشق السيارات وحافلات النقل العام بالحجارة، مما نتج عنه جرح ثلاثة من ضباط الأمن المركزي، الذين حاولوا تفريق المتظاهرين بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.


.. وفوق ذلك، كانت الأحداث، تعود إلى حيثيات صعبة، منها ما قيل من أن التظاهرات تمت: "ويأتي هذا التطور في قضية رواية "وليمة لأعشاب البحر" بعد أن اتهمت صحيفة "الشعب" الإسلامية نصف الأسبوعية، كاتبها بـ"الإساءة لله والرسول والدين الإسلامي" وقامت بالتحريض على وزارة الثقافة والمسئولين عن طباعتها في مصر وإقامة الحد عليهم بالإضافة إلى إقالة وزير الثقافة.
* شهادة للتاريخ

عندما رحل حيدر حيدر، كانت الأحداث في بلاده، سوريا تتجاوز أي عمل روائي أو قصصي أو شعري، فالموت المجاني ودمار البلاد والعباد، وتضارب مصالح العالم، جعل عيون حيدر تنام بهدوء من تناول جرعة من المسكنات.
.. ينجح التاريخ الثقافي المصري المعاصر في تبيان شهادة للتاريخ، إذ، قال الروائيان محمد البساطي وعزت قمحاوي اللذان شاهدا المظاهرة في بدايتها أثناء عودتهما إلى منزليهما في مدينة نصر ، انهما سألا أحد الطلاب عن سبب المظاهرة فأجاب: "لأن وزير الثقافة نشر رواية يشتم فيها الله". وسألاه "هل قرأتها" فرد قائلا: "لا ولكن أساتذتنا قالوا لنا عنها، وقرأنا ما كتبه عنها أحمد عمر هاشم، رئيس الجامعة".



.. وفي ذلك الجزء من الحقائق: "يذكر أن وزير الثقافة المصري قد صرح قبل يومين بأنه لم يسحب الرواية من الأسواق ولكن طبعتها نفذت وأكد أنه لن يقوم بسحب أي كتاب صدر عن هيئات وزارتة، بحسب تصريحات نقلها أنذال وكالة الأنباء الفرنسية.


* ترحال اعتزال.
بعد 87 سنة من حياة صاخبة ومؤثّرة نصفها ترحال ونصفها اعتزال. ترك حيدر، غير كتبه الكثيرة المتنوعة بين قصص وروايات ومقالات وشهادات، وصية أخيرة:

"على جدار مكتبتي لوحة صغيرة كُتب عليها:

"متواضعٌ كالرّمل

صاخبٌ كالبحر

عالٍ كالسّماء

حرٌّ كالرّيح"

هذا هو حيدر حيدر باختصار. وقد أوصيتُ أن تكون هذه اللوحة شاهدة على قبري.

= مؤلفات.. مؤلفات
*حكايا النورس المهاجر "قصص" الطبعة الأولى: 1968 وزارة الثقافة السورية-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار الحقائق- بيروت. الطبعة الثالثة: 1999 دار ورد-دمشق. أخرجت كفيلم عام 1972 ونال عدّة جوائز منها جائزة مهرجان لوكارنو، مهرجان كارلو فيفاري، مهرجان دمشق للسينما الجديدة.
*الفهد الطبعة الأولى: 1968 وزارة الثقافة السورية-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الثالثة: 1978 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الرابعة: 1991 دار الحصاد-دمشق.
*الومض الطبعة الأولى: 1970 اتحاد الكتاب العرب-دمشق. الطبعة الثانية: 1977 دار الحقائق-بيروت. الطبعة الثالثة: 1999 دار ورد- دمشق.
*الزمن الموحش (رواية) الطبعة الأولى: 1973 دار العودة-بيروت. الطبعة الثانية: 1979 المؤسّسة العربية للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثالثة: 1991 دار أمواج-بيروت.
* الفيضان (قصص) الطبعة الأولى: 1975 اتحاد الكتاب الفلسطينيين-بغداد. الطبعة الثانية: 1982 المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثالثة: 1986 دار الحوار-اللاذقية-سوريا.
* كبوتشي (سيرة حياة ونضال كبوتشي) الطبعة الأولى: 1978 دار ابن رشد-بيروت.
* الوعول (قصص) الطبعة الأولى: 1978 دار ابن رشد-بيروت. الطبعة الثانية: 1989 دار الحصاد-دمشق.
* التموّجات (قصتان) الطبعة الأولى: 1982 المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر-بيروت. الطبعة الثانية: 1986 دار الحوار- اللاذقية- سوريا.
* وليمة لأعشاب البحر: نشيد الموت (رواية) الطبعة الأولى: 1984 قبرص-الناشر: حيدر حيدر. الطبعة الثانية: 1988 دار أمواج- بيروت. الطبعة الثالثة والرابعة: 1992 دار أمواج- بيروت. الطبعة الخامسة والسادسة: 1997 دار ورد-دمشق.
* مرايا النار، فصل الختام (رواية) الطبعة الأولى: 1992 دار أمواج-بيروت. الطبعة الثانية: 1995 دار بترا-دمشق. الطبعة الثالثة: 1998 دار ورد-دمشق.
* أوراق المنفى شهادات عن أحوال زماننا (وثائق). الطبعة الأولى: 1993 دار أمواج-بيروت. يضمّ العديد من المقالات التي نشرها في مجلات أدبيّة مختلفة (1987-1974).
* غسق الآلهة (قصص) الطبعة الأولى: 1995 دار أمواج-بيروت. الطبعة الثانية: 1995 دار بترا-دمشق. الطبعة الثالثة: 1996 دار ورد-دمشق.
* شموس الغجر (رواية) الطبعة الأولى: 1997 دار ورد- دمشق. الطبعة الثانية: 1998 دار ورد- دمشق.
.. نجا حيدر حيدر، ترك أرشيف، واختار أن يكون قريبا من السماء، لعل النجاة تجعل وليمته الإبداعية أكثر جمالا، فهو من دعا إلى الحوار والسلام و.. ها هو يغيب دون وشوم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد