اعتقالات بالجملة لقيادات حزب عمران خان

mainThumb

29-05-2023 10:36 AM

السوسنة - ما زال قيادات حزب الأنصاف الذي يترأسه رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان تحت قصف الإعتقالات من قبل الحكومة الباكستانية، وذلك ليبقة خان، منعزلا عن الحياة السياسية لأعمق درجة ممكنة. 

ولا تزال حملة الاعتقالات والملاحقات القضائية متواصلةً بحق قيادات وأنصار حزب "حركة الإنصاف" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان. وكلّما أمرت محكمة في باكستان بالإفراج عن قيادات معتقلة من الحزب، حتى يتم اعتقالهم مجدداً، ما يرى فيه مراقبون قراراً من الحكومة في إسلام أباد بعزل خان وإبقائه وحيداً في مواجهة كل ما يحصل لحزبه. وكان خان نفسه، أكد يوم الجمعة الماضي (26 مايو/أيار الحالي)، أن حكومة شهباز شريف تسعى إلى عزله كلّياً، بوضعها جميع قيادات الحركة في المعتقل، مشيراً إلى أنه أصبح وحيداً في الميدان، لكنه جاهز لمواجهة كل الضغوط والمشكلات التي يتعرض لها، لأن "الشعب يقف خلفه".

ولا تقتصر أزمة حزب خان على حملة الاعتقالات التي تشنّها السلطات ضد قيادات "حركة الإنصاف"، إذ في موازاتها، أعلن أكثر من 35 قيادياً في حزب خان، بينهم وزراء سابقون ونواب في البرلمان، وقياديون بارزون، الانفصال عن رئيس الوزراء السابق. وكان لافتاً في هذا السياق أيضاً، إفراج السلطات عن كل من قرّر الابتعاد عن خان مقابل إبقاء من اختاروا الوقوف إلى جانبه، وعدم التخلي عنه، في السجن. وعزّز ذلك من مصداقية الاتهامات التي وجّهها خان إلى الحكومة، وإلى المؤسسة العسكرية بممارسة الضغوط على أعضاء الحزب للابتعاد عنه.

وانقسمت القيادات التي أعلنت التخلي عن خان إلى 3 فئات رئيسية: من اختار التخلي عن منصبه في الحزب، ومن أعلن ترك "حركة الإنصاف" بحجة استهداف أنصارها مقرات الجيش في 9 مايو الحالي (بعد اعتقال عمران خان بتهم الفساد)، بينما ثمّة فئة ثالثة فضّلت الإعلان عن اعتزالها العمل السياسي بشكل كلّي. ومن بين هؤلاء، المتحدث باسم "حركة الإنصاف" فؤاد شودري (وزير العدل السابق)، والمساعد الخاص لخان والأمين العام في الحزب أسد عمر (وزير المالية سابقاً)، والنائبة في البرلمان ووزيرة حقوق الإنسان السابقة، شيرين مزاري.

وكان آخر من أعلن الانفصال عن خان، صديقه المقرب علي زيدي، مسؤول تنظيم الحركة على مستوى إقليم السند ووزير الشؤون البحرية السابق، وكذلك خسرو ختيار، القيادي البارز في الحركة ووزير الموارد المائية سابقاً. كما برز ابتعاد سيف الله نيازي، المدير العام في "حركة الإنصاف" وهو أحد أقارب خان ومن المقربين منه، والمغني المعروف إبرار الحق، وهو أحد قياديات الحركة ومن أصدقاء خان. ونيازي والحق، بكيا لدى إعلانهما الانفصال عن خان، ما أثار تكهنات عدة حول أسباب القرار وما إذا كان صدر نتيجة الضغوط.

ويوم الجمعة الماضي، بدا التأثر شديداً على عمران خان، لدى تطرقه إلى مسألة ابتعاد قيادات الحزب عنه ومغادرتهم "حركة الإنصاف"، مؤكداً أن لبعض المغادرين "تاريخاً طويلاً في النضال، لكنهم اليوم أرغموا على المغادرة". وقال خان إنه "لهذه الأسباب، لن نلومهم وأطلب من أنصاري ألا يوجهوا اللوم إليهم، أو أي نقد، لأني أعرف جيداً كيف مورس الضغط والعنف في حقهم كي يقدموا على ما فعلوه".

ولمّح خان إلى أن المؤسسة العسكرية والاستخبارات تقفان وراء ذلك، محذراً من أن النتائج ستكون كارثية. وقال: "حذاري حذاري من هذا العمل، لأن الأحزاب السياسية لن تنتهي بهذه الطريقة، بل ستقوى، لأن الشعب يعرف جيداً ما يحصل في البلاد".

كما طلب خان من الباكستانيين ألا ييأسوا، على اعتبار "أن هذه الأيام لن تدوم طويلاً"، مشدداً على أنه يضع أمله في شباب باكستان. واعتبر خان أن أجهزة الأمن الباكستانية تخطت كل الحدود وانتهكت حرمة المنازل والنساء والأطفال، لافتاً إلى أن هذه التجاوزات دفعت حزبه إلى تسجيل دعوى في المحكمة العليا للنظر في القضية.

وفي مقابل الشريحة الكبيرة من قادة "حركة الإنصاف" الذين آثروا الابتعاد عن الحزب والنأي بأنفسهم من الصراع القائم، ثمة قيادات أخرى اختارت البقاء إلى جانب خان، من بينهم سياسيون مخضرمون، كوزير الخارجية السابق شاه محمود قرشي وهو نائب زعيم "حركة الإنصاف"، ومعتقل حالياً لدى الأمن الباكستاني.

وفي 24 مايو الحالي، أفرج عن قرشي لدقائق معدودة، بأمر من محكمة إسلام أباد، قبل أن يتم اعتقاله سريعاً. واستغل الرجل دقائق الإفراج، ليؤكد أمام وسائل الإعلام المحلية أن مسألة انفصاله عن الحزب أمر غير وارد، مشيراً إلى أنه كان في السابق مع خان وهو لا يزال معه وسيبقى جزءاً لا يتجزأ من "حركة الإنصاف". وربط البعض بين موقف قرشي وقرار إعادته إلى السجن على الرغم من إدانته أعمال الشغب التي وقعت في 9 مايو، فيما كان تمّ الإفراج عن قيادات أخرى في الحزب، كانت شاركت في الاحتجاجات، لكنها أعلنت لاحقاً عزمها مغادرة حزب خان.

بدوره، رفض وزير الداخلية السابق، شهريار أفريدي، وهو أحد المقربين من خان، ومعتقل حالياً، مغادرة الحزب، مؤكداً في حديث مقتضب قبل اعتقاله، أن "هذه الأيام، أيام الامتحان ولا بد وأن نقف في وجه هذا الزحف، ولنثبت أننا أبناء هذه البلاد، لن نتغير مع تغير الأجواء". واللافت في قضية أفريدي أن قوات الأمن اعتقلت أيضاً زوجته ونساء أخريات خلال مداهمتها منزله في 20 مايو الحالي، على الرغم من أن زوجته لم تمارس ولو ليوم واحد، السياسة.

وهذا الأمر تطرق إليه خان يوم الجمعة الماضي، بقوله إن "هناك كل أنواع الضغوط التي تمارس على قياداتنا كي يتخلوا عنّا، مثل اعتقال زوجة شهريار أفريدي"، مضيفاً أنه خلال التحقيق مع القيادية في حزبه والنائبة ملكه بخاري، أجرت الشرطة اتصالاً بأسرتها، وأسمعتها صوت ابنها الذي يبلغ من العمر 3 سنوات، وهو يبكي ويصرخ، ما جعلها توافق على ترك العمل الحزبي، ليفرج عنها مقابل ذلك.

كذلك من بين قادة الحزب المستهدفين، رئيس البرلمان السابق أسد قيصر، والذي شدّد في تصريح في 24 من الشهر الحالي، على أنه لن يتخلى عن "حركة الإنصاف" مهما كانت الأجواء والظروف.

ويواصل رئيس الوزراء السابق عمران خان، منذ الإفراج عنه بعد اعتبار المحكمة العليا اعتقاله غير قانوني الدعوة للحوار، تحديداً بين حزبه والحكومة، وبين حزبه والمؤسسة العسكرية. ولأجل ذلك، أعلن أول من أمس السبت (27 مايو) عن تشكيل لجنة مؤلفة من 7 قياديين في الحزب، لتمثيل "حركة الإنصاف" في أي حوار.

والقياديون السبعة هم: نائب زعيم الحزب ووزير الخارجية السابق شاه محمود قرشي (رئيس اللجنة)، وزير الدفاع السابق برويز ختك، رئيس البرلمان السابق أسد قيصر، حليم عادل شيخ، عون عباس، مراد سعيد، وحماد أظهر. علماً أن معظم أعضاء هذه اللجنة، إما يقبعون في السجون أو مختفون عن الأنظار خشية تعرضهم للاعتقال والملاحقات.

واجد محمود: توجه الحكومة خاطئ والدور قد يأتي على أحزاب أخرى

وترفض حكومة شهباز شريف الحوار مع خان وحزبه. وفي هذا الإطار، علّقت وزيرة الإعلام الباكستانية مريم أورنكزيب، في بيان، على إعلان خان تشكيل لجنة للتفاوض، بأن الحكومة "ترفض وبشدة" الحديث مع خان. وقالت إن "الحديث يكون مع الأحزاب السياسية، أما خان وحزبه، فهو المخرّب الإرهابي، لذا لا حديث معه في أي حال".

وتعليقاً على أزمة حزب خان، اعتبر المحلل السياسي الباكستاني واجد محمود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن دعوة خان للحوار جيدة، لكن لا يبدو أن الحكومة بصدد التفاوض معه، خصوصاً أنها والمؤسسة العسكرية تسعيان لحظر حزبه أو على الأقل سحب الأهلية منه، وبالتالي إبعاده عن السياسة.

ورأى محمود أن توجه الحكومة "خاطئ، لأن عمران خان يتمتع بشعبية كبيرة، كما أن الدور سيأتي على الأحزاب الممثلة في الحكومة"، مذكّراً بتعرض الحزب الحاكم حالياً (حزب الرابطة) للتجربة ذاتها. ومن وجهة نظره، فإن المؤسسة العسكرية في باكستان "لا ترحم أحداً، وتلعب مع الجميع ثم تضحك عليهم، وبالتالي فإن الحل الأول والأخير هو بدء عملية سياسية من خلال مفاوضات بناءة".

واعتبر محمود أن انفصال قيادات عن حزب خان "يحصل تحت الضغط الكبير، لكن الأحزاب لا تنتهي بهذه الطريقة، إذ لو نظرنا إلى الماضي سنرى أن كل الأحزاب السياسية مرّت بهذه المرحلة". وأعلى مثالاً على ذلك، حزب الرابطة الحاكم، الذي أصبح لديه أفرع عديدة، مثل حزب الرابطة - جناح قائد أعظم، وحزب الرابطة لعامة الباكستانيين، وحزب الرابطة - فرع ضياء. كما أن هناك قيادات انشقت عن هذا الحزب بضغط من مؤسسات الدولة، لكن الحزب لا يزال باقيا. وبالتالي، وفق المحلل السياسي، فإن "حزب عمران خان الأجدى بقاؤه، لكن ما يجري حالياً يزيد الفجوة بين الحكومة والشعب من جهة، وبين الشعب والمؤسسة العسكرية من جهة ثانية". واعتبر أخيراً أن "حزب عمران خان لم يعمل بشكل جيد وفق تطلعات الشعب، إلا أن ما يحدث في حقّه يزيد من شعبيته لا محالة".

 

اقرأ أيضا:



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد