قلب فلسطين مع الضّحايا ..

mainThumb

09-09-2023 10:25 PM

الرّباط 

تتشابَه كثيرًا.. ودائمًا مشاهد الدّمار. ويبدو المَوتُ، بفعلِ الطبيعة أو بفعلِ آلةِ دمارٍ محتلّة، وحشًا أسطوريًا ينهضُ دفعةً واحدةً من (اللاأين). لو كنّا أطفالًا كنّا سألنا: كيفَ يستطيعُ موتٌ واحدٌ اختطافَ الآلافِ في لمحةِ عَين. في المصائب نفكّرُ مثل أطفال؛ ربّما لعظمِها.. وضآلتنا (قُدّامها)، وتصبحُ أسئلتُنا أكثر تفكيرًا في الجدوى، ونسأل: هَلْ يستحقُّ؟ (نشيرُ إلى شيءٍ ما كان يُقلِقنا).. أو نسأل: هل تَستَحِقّ؟ (نشيرُ إلى الحياةِ كلّها). وتصبحُ، أيضًا، مشاعرنا مختلطةً.. جدًا.. كأنْ نكتشف (مقادرَ) غريزة البقاء المتبقية فينا، أشياءُ لا تُقاسُ إلّا بالتّجربة.

حينَ يقتربُ الموت، ويصبِحُ خبرًا يخُصّنا، نحسُّ بثقله فوق الصّدور، وفي ملامح النّاس.. وأحاديثهم. كأنّنا نقول: إنّه موجود هنا، وكنّا نعرفُ دومًا أنّه هنا. كتبتُ سابقًا: إنّي أفكّر نصيًا بالموت، والموتُ يفكّرُ بنا أيضًا؛ كأنّ له صفةً من صفاتِ الهواء: الإحاطة، وصفة من صفاتِ حرفِ الشين: التّفشّي. إنّه يُحيط بنا من كلّ الجهات، وطوال الوقت، ونكادُ ننساه لفرطِ عاديّته (كما نظُنّ)، حين حيثُ يكون حاضرًا وغيرَ حاضِر، موجودًا وغير مرئيّ، مؤثرًا بلا أثرٍ مباشر، صوتًا ساكتًا. ولكنْ حين يلمَسُ أثره أحدًا منّا عبر دوائِرِه الضّيقة، والقريبة.. يحِلّ فجأة. وأستعير الحُلول من ابن عربي. يتجسّد فورًا، وترى أثره بقعَ سوادٍ مُشحّر في الصّدور والوجوه. بقع تكفي لتجعل الموت مرئيًا تمامًا، تخيّل أن يتحول الهواء إلى هواءٍ ملوّن، تخيل كيف سيحيط بك اللّون. هذه هي إحاطة الموت. كأنّ المسافة التي نصطنعها بيننا وبينه تنعدم، والحقيقة أنّ الحياة ما هي إلّا "تناسٍ بين مسافتين"، أفكّر بالموتِ كما يفكّر كاتبٌ جيّد بمواطِن الدّهشة في نصّه، والموتُ مدهِش دائمًا رغم تَكراره.
وحينَ يقتربُ الموتُ أيضًا، نفكِّرُ بكلِّ المفردات المرافقة، وبكلِّ الشّعوبِ التي ترزَحُ تحت موتٍ يوميٍّ من آلاتِ الاحتلالِ والاستعمارِ والتقسُّمِ والجُنونِ البشريِّ والتّوحش. ونصبِحُ أكثر وضوحًا ربّما في علاقتنا بالقَتل، كأنْ نقفَ ضدَّ القاتِلِ أبدًا. أبدًا.. وتمامًا.
قلبي مع الضّحايا. قلبُ فلسطين مع الضّحايا. قلوبنا مع المغرب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد