لدماءِ طفلٍ في شوارع غزة

mainThumb

22-11-2023 11:49 PM


اليوم، ومع اقتراب بدء الهدنة التي تعدّ نصرًا للفلسطينيين وحدهم، أفكّر في كل الأطفال الذين فقدوا أرواحهم أو أباءهم أو أطرافهم أو كلّ ما سبق.. قدمٌ كانت تلعبُ الكرة في الحيّ، اليوم انفصلت عن جسدها. يدٌ كانت تصنع ظفيرة طويلةً قبل أن تذهب إلى المدرسة، اختفت هي والمدرسة. والعالم الغربي المُنافق يحتفل بكلّ وقاحة باليوم العالمي للطفل، نُكتةٌ أخرى من نُكت الأمم المتحدة التي خصصت تاريخ  20 نوفمبر من كلّ عام لتخليد اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة اتفاقيّة حقوق الطفل، والتي أَنقُلُ من موقعها الالكتروني هذه العبارة التي تقول: "يتيح اليوم العالمي للطفل لكلٍ منا نقطةَ وَثَبٍ مُلهمة للدفاع عن حقوق الطفل وتعزيزها والاحتفال بها، وترجمتها إلى نقاشات وأفعالَ لبناء عالمٍ أفضل للأطفال."
بعد أحداث السابع من أكتوبر، انكشف الوجه الحقيقيّ للعالم الغربي، وظهرت لنا جليّا ازدواجية معاييره، "سقط القناع عن القناع"؛ لنرى بوضوحٍ نحن الذين خبّأنا الشمس بالغربال، أن العالم لا يأبه لنا، يصفنا بالحيوانات البشرية ويتصرّف وفقًا لذلك، ويقتل أطفالنا ولا يتأسّف على ذلك، بل يدّعي أنه دفاعٌ عن النفس.
لماذا قد تُرعبُ الاحتلالَ، قدمُ طفلٍ يلعبُ الكرة؟ لأنهُ حين يكبُرُ سيقف في صفّ المُقاومة، ويُدافعُ عن آخر شبرٍ في أرضه. لماذا قد يخاف الاحتلالُ من يد طفلةٍ تمشّط شعرها كلّ صباح؟ لأنها قد تكبر وتُمسكُ بنفس اليد "ميكروفونًا" وترتدي البدلة الصحفية الواقية وتقفُ أمام كميرا لتوصلَ صوت من لا صوتَ لهم.
...؛ لهذا اغتال الاحتلال أكثر من ستّة آلافِ طفلٍ، ستّةُ آلافِ حلمٍ تبخّرَت. من كان يحلمُ بأن يكون مُصوّرًا ومَن كانت تحلمُ أن تصيرَ مُعلّمة، ومَن كانت تودّ أنْ تكون أمّا لتُنجبَ رجالًا ونساءً يَنصرونَ القضيّة، و مَن لم يتسنى له حتى الخروج للحياة فأخرجوا له شهادة وفاةٍ قبل شهادة الميلاد.
لستُ أُمّا بعد، لكني أحملُ حبّا خاصًا للأطفال في قلبي، و يظهرُ ذلك في وظيفتي التي أعمل. و قد صارَ صعبًا جدًا الذهاب للعمل كلّ يومٍ و لقاء تلاميذي بعد أن كنتُ للتو أتصفحُ وسائل التواصل وأشاهد كل صورِ الأطفال الغارقةِ في دِمائها، يعزّ عليّ أن أراهم يُشاغبون ويلعبون ويتعلمون في الحين الذي سُلبت هذه الحقوق من أطفالٍ في مِثلِ سنّهم. تعوّد أطفاليٍ أن يُحضروا لي كلّ يومٍ رسوماتهم التي أنجزوها في البيت، ولأن للأطفالَ دِقة انتباهٍ حِيالَ ما يحصل حولَهم فقد تحولت رسوماتهم في الأسابيع الأخيرة من رسمٍ لمنزل و شجرةٍ و طفل يلعب قربها إلى ألوان العلم الفلسطيني. هل يفهمون حقّا ما يجري؟ لا أرجِّح ذلك. لكنهم يُراقبون جيدًا، ربما تفاعَل آباؤهم مع الأحداث وبِفِطرتهم البريئة فقد استنتجوا مَن يتحتّم عليهم أنْ ينصروا.
ألقيتُ سمعي ذاك اليوم على طاولة يجلسُ فيها نور وجاد، قال نور أنه متأكد أن فلسطين ستربح المُبارزة رغم قلّة أسلحتها لأن أباه أخبره أن هذا ما ذُكر في القرآن. أجابهُ جاد أنّ "الفريق الآخر" هو الذي يسجل نقاطًا أكثر لأنهم ببساطةٍ يقتلون أكثر، فكانَ عليّ أن أتدخل. أمسكتُ رسمةً كان قد رسمها أحدهم لبيت بمِدخنة تعلو سقفه وبجانبه شجرةٌ خضراء ويقف قربها بنت وولدٌ ضاحكان، و الشمس الصفراء مرسومةٌ عند جانب الورقة ثم سألتهم "لمن هذا البيت؟" قالوا: "للولد والبنت اللذين يقفان قُربه". قلتُ: "مُمتاز، الآن لنرسم شخصية أخرى على هذا المشهد"، ورسمتُ ظلّا لشخصية جديدة وسألتُهم: "كيف ستكون ردة فعل البنت والولد لو أنّ هذا الظل جاء ليسرقَ بيتهم و يأكل ثمار شجرتهم"؟
" ليسَ من حقهم ذلك" أجاب جاد و نور بسرعة. "هذا بالضبط ما يحدث يا أولاد، تذكروا هذا جيدًا ولا تتركوا أي دِعاية أو مَسرحياتٍ تافهة أو مذيعٍ أزرق العينين يُخبركم بالعكس".
اقرأوا كُتب التاريخ يا أولاد و احذروا أن تتوه بوصلتكم ثم  اقرأوا الشعر وتذكروا أنْ "تُقيموا الصلاة لدماء أطفالِ غزة، فكلّ طفلٍ.. قِبلة".
ولتذهب "إلى الجحيم" اتفاقية حقوق الطفل وكل معايير الغرب المزدوجة التي تُنصِفُ إنسانًا و تنبذ آخر وِفقًا لعُنصريتها التي لا تتجرأ حتّى على الاعتراف بها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد