ألِفنا ولم نأتلف

mainThumb

18-12-2023 08:49 AM



يُعرِّف المعجم كلمة «مألوف» بـ"الشيءُ الذي ألفه الناس وتعودوه". والشيء المُتعوّد عليه أو المأنوس كالصوت المألوف. أو المُتعارف عليه كصيغةٍ مألوفة مثلاً، و التي تُصبحُ مع مرور الوقت عادة.
توجد كلمة أخرى من نفس الحروف لكن معناها مُختلف" وهي «الأُلفة» التي تعني الالتئام والاجتماع. فنقول: ائتلف الناس فيما بينهم أي اجتمعوا و اتّفقوا. و مصدر فعل «أًلِف» في معناه هذا هو«ائتلاف» و التي تعني في القاموس السياسي: هيئة تضم أعضاء من جهات مختلفة أو متخاصمة يعملون معًا لتحقيق أهداف مشتركة. وفي القرآن الكريم تأتي في الآية 103 من صورة آل عمران : "إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا".
يصادف اليوم، الثامن عشر من ديسمبر، اليومَ العالميَّ للغة العربية. و هو أيضًا اليوم الثالث والسبعون من إبادة جماعية يتعرض لها "الناس" في غزة، وسط تجاهل تام لما يحدث في الضفة الغربية أيضًا، ويبدو أنّنا ألِفْنا المشهد.
73 يومًا ولم تأتلِفْ الحكومات العربية لتتخذ موقفًا واحدًا يُحسب لها، ويغير المشهد المذل الذي نعيشه، 73 يومًا من "الحرب" و لم تتجرأ دولة عربية على إسقاط أيّ اتفاقياتٍ مع الكيان الذي يُحركه نظام توراتي راديكالي في حوزته قنابل نووية وعطشٌ لا حدود له للدماء، ولا يعيرُ شأنًا لأيّ اتفاقاتٍ أو معاهدات. 73 يومًا من التنديد و من "إدانة العدوان" ومنع "المظاهرات" التي تريد أن تقول الشيء نفسه ومنع ارتداء الكوفية في أماكن العمل كما في الحرم المكي، ومنع رفع العلم في الملاعب.

73 يومًا ولا داعي لـ"نتظاهر" (والتظاهر هُنا مختلف) أنّنا لم نألف المشهد، وأنّنا لا زلنا نتفاجئ من قصف مستشفى أو مدرسة تضم النازحين أو أننا لا نزال نَعُدّ الشهداء أو أنهم لم يتحولوا لمجرد أرقام، وفي أسوأ حال وصل لها الوضع، صاروا تقديرات. 73 يومًا والدماء شلال والدموع أنهار وبدلة الصحفي الواقية مثلها مثل اجتماعات القمة لا تنفع مُرتديها في شيء، يرتقي المصور تلو الصحفيّ، يصعدون "جريًا" نحو السماء، هناك سيكملون مهمتهم وينقلون ربّما الصورة الحصرية والخبر العاجل، هناك سيخبرون "الله كل شيء" عن الخراب و الدمار والوحشية، و عن كيف وقفنا مُتفرجين، وكيف أنّنا ألفنا المشهد، وأنّنا لم نأتلف، وأننا عصينا ما جاء في كتابه: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد