نداء الملكة رانيا في مقالها بالواشنطن بوست

mainThumb

21-12-2023 07:03 PM

"عادة تنبض بيت لحم بالحياة في عيد الميلاد؛لكن ليس هذا العام. في الأراضي المقدسة، أُلغِيَت الاحتفالات؛ فلا مواكب ولا أسواق ولا إضاءة لأشجار عيد الميلاد في الساحات العامة"..هذا ما بدأت به الملكة رانيا العبدالله، ملكة المملكة الأردنية الهاشمية، قرينة الملك عبدالله الثاني، في اطلالتها الفكرية الثقافية، بعدها الإنساني النبيل، التي نشرت اليوم الخميس في صفحة آراء، في صحيفة" واشنطن بوست الأميركية" واسعة الانتشار والتأثير.
*عماد السيد المسيح على الضفة الشرقية من نهر الأردن.
.. وقالت الملكة رانيا في مقالها:
".. وفي بلدي الأردن، حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام، اختار مجتمعنا المسيحي أن يفعل الشيء ذاته"، في إشارة من جلالتها إلى نهر الأردن، وأرض المغطس المقدسة، عماد السيد المسيح على الضفة الشرقية من نهر الأردن.

*قد تحسبها نائمة، لولا كفنها الأبيض.

.. المقال جاء تحت عنوان:" في أرض ميلاد المسيح ألغيت احتفالات العيد المجيد"، ويحمل العنوان قراءة سياسية - إنسانية، معبرا عن لغة الملكة رانيا، وتأثيرها اهتمامها ومتابعتها وإدانتها العدوان الوحشي على أهالي وسكان قطاع غزة من قبل جيش الحرب الإسرائيلي الصهيوني؛ ذلك أن المقال لفت بشكل صريح ولغة راقية إلى أنه:" في الضفة الغربية المحتلة، إحدى كنائس بيت لحم عدلت مشهد المغارة، فوضعت تمثال الطفل يسوع بين أنقاض مبنى تعرض للقصف. وذلك انعكاسًا للقصة التي نراها على الشاشات في كل مكان: الصور المروعة للدمار في غزة، وبالأخص الأطفال الملطخين بالدماء والمحطمين هناك".
.. وتابعت الملكة رانيا، بمثل ما تعانيه من من ألم وغضب:" أشاهد مقطعًا لأب من غزة يلامس وجه ابنته، ويطلب من شخص أن يتأمل جمالها. قد تحسبها نائمة، لولا كفنها الأبيض".
.. والملكة في المقال، وأمام ملايين قراء الصحيفة الأميركية، واللغة الانجليزية، تكتب بحرارة وضغط نفسي وغضب واضح وتتنقل بين أحداث ومجازر غزة، لتدين سلوكيات الحرب العدوانية المتوحشة وتقول في تنقلها:" أتنقل من مقطع لآخر، وأرى مشهدًا لصبي يُكافح وسط الأمطار في طرقات غمرتها المياه، وهو يحمل جثة طفل أصغر منه، رافضًا أن يتركه خلفه. أم تحتضن جثة ابنتها وتقول لها: "حطي قلبك على قلبي يمه". تبكي عندما يحاول آخرون أخذها، فهي غير مستعدة لتركها بعد".
*ماذا نرى في وجوه أطفال غزة؟
السؤال صعب، محير في نظرة كل الهيئات والمؤسسات الدولية والأممية، لحقوق الإنسان، خاصة الأطفال والنساء، هنا تنبهنا الملكة رانيا، عبر" الواشنطن بوست" إلى أنه:"
علينا أن نرى في وجوه هؤلاء الأطفال وجوه أطفالنا. كل مقطع من تلك المقاطع هو بمثابة نداء يائس للعالم للاعتراف بانسانيتهم وآلامهم".
.. وايضا:"لم يفقد أهل غزة الأمل في إنسانية الآخرين - رغم فشل الكثيرين في رؤية إنسانيتهم.
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والغالبية العظمى من الضحايا في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة هم من المدنيين، سواء قُتلوا أو اختطفوا أو اعتقلوا ظلمًا، كل واحد منهم يترك فراغًا لا يمكن ملؤه،ولا يوجد اختلاف بين الألم الذي تشعر به الأمهات الفلسطينيات والإسرائيليات نتيجة خسارة طفل".
*وقف إطلاق النار

..وتراقب الملكة رانيا، في المقال، الوضع السياسي، واستجابة المجتمع الدولي للمطالبة بضرورة إيقاف الحرب نهائيا، وأشارت على الحال المعاش بغزة:.." ومع كل يوم يمضي دون وقف إطلاق النار، تتعاظم الخسائر بشكل مأساوي.
في غضون ما يزيد قليلًا عن شهرين، قلبت إسرائيل غزة إلى جحيم. حوالي 20 ألف قتيل. ما لا يقل عن ثمانية آلاف منهم أطفال - وهو عدد يفوق حصيلة قتلى بيرل هاربر، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وإعصار كاترينا مجتمعة"، وعززت مقالها بالتأكيد:" لقد نزح نحو مليوني شخص من أصل 2.2 مليون في غزة – أغلبية سكانها أصبحوا لاجئين. أكثر من خمسين ألف جريح، في حين ثمانية مستشفيات فقط من أصل 36 مستشفى تقدم الخدمة".
*الجوع
.. وتنتبه الملكة رانيا، إلى قضية منع المساعدات وخصوصا الأغذية والأدوية، وقالت:"فوق كل ذلك، هنالك الجوع. ما يقرب من نصف سكان غزة يتضورون جوعًا، خلال أكثر من شهرين، سُمِح بدخول مساعدات تكفي حاجتهم لأقل من أسبوع. كيف يمكن اعتبار تجويع شعب شكلًا مشروعًا من أشكال الدفاع عن النفس؟." وتحذر من أحوال المدنيين وبالذات الأطفال،:"تصف منظمات دولية غزة الآن بأنها مقبرة للأطفال، وكم هو مؤلم أن يُطلق على أرض مقدسة وصفًا كذلك".
*الكابوس الإنساني
.. تجزم المقالة، أن الحال في غزة بعد ما يقارب 80يوما،:"أصبح الوضع كابوسًا إنسانيًا جليًا. ومع كل يومٍ يمضي، يتراجع مقياس ما هو مقبول إلى مستويات متدنية جديدة، مسجلة سابقة مرعبة لهذه الحرب وغيرها"؛ذلك أن جلالة الملكة تصر في مقالها على الحوار مع المجتمع الدولي، لفهم المأساة التي تحولت إلى كابوس،وقالت:"بغض النظر عن الطرف الذي تدعمه، لا يزال بإمكانك المطالبة بوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، والوصول غير المقيد للمساعدات".
*إدانة لعصرنا هذا حينما تُرفض مطالبات العودة إلى العقلانية.
.. تناقش مقالة الملكة، حال ما وصل اليه العالم من حوارات ونقاش حول الحرب على غزة، بعيد عن احترام حياة الإنسان عقلانية الفكر والثقافات البشرية، ونبهت إلى أن:" البعض سيستخف بهذا النداء باعتباره مدفوع بالعاطفة، مُصرين على أن وقف إطلاق نار فوري ليس استراتيجيًا ولا مستدامًا. إنها إدانة لعصرنا هذا حينما تُرفض مطالبات العودة إلى العقلانية بحجة أنها مجرد دعوات عاطفية. كما نسمع الكثيرين يتحدثون عن سلام ما بعد الحرب وكأن ذلك يعفيهم من مسؤولية التحرك الآن.
وقف إطلاق النار مجرد البداية. ويتعين علينا أن نباشر بالعملية الصعبة المتمثلة في إعادة الإنسانية - الاعتراف بإنسانية الآخرين والعمل على أساس الترابط العالمي".
*أنا أمٌ..!

.." أنا أمٌ، وينفطر قلبي على الآباء والأمهات في غزة الذين يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء أطفالهم على قيد الحياة - ومن ثم يفقدونهم. نشترك جميعًا كأمهات وآباء في ذات الدافع لحماية أطفالنا من كل سوء".بمثل هذه المقاربة الإنسانية المجتمعية، والوعي الثقافي الإنساني قالت الملكة رانية:.." بغض النظر عمن نكون أو من أين أتينا، فإن رعاية وحماية من نحب هي إحدى الغرائز التي يجب علينا تقديرها- ليس لذاتنا فقط، ولكن للغريب أيضًا، وحتى الخصم، فاحترامها بشكل انتقائي، ينتقص من إنسانيتنا"، وتضع رؤيتها لمشاهدتها في حيز، تقول فيه:
"هناك مقطع آخر لن أنساه أبدًا، لأم تودع أطفالها. قضوا بقصف جوي أثناء نومهم بعد أن ذهبوا إلى الفراش ببطون خاوية".
.. وها هي، تتجمد مشاعرها لتطلق النداء من واقع:" حزن أمهم لا يُحتمل؛ شعورها بالذنب لموتهم جياع كسرني، خاطبت أحد أبنائها: "معلش يبني يا حبيبي أنت عند الرحمن في الفردوس الأعلى"، وتشرح قائلة: "سميته أيوب والله سميته أيوب علشان قصة سيدنا أيوب الصبر، الصبر، الصبر"، ثم قالت باكية: "وأنا يمه صابرة".
*قصة النبي أيوب عليه السلام؛ قصة أمل.

كما كتبت الملكة في مقال الواشنطن بوست، تضعنا أمام ثقافتنا الحضارية والدينية، والإنسانية وأكدت قراءتها الغنية بالثقافة والفكر:" التوراة، والإنجيل والقرآن، يفقد النبي أيوب عليه السلام ممتلكاته وأولاده وصحته، ومع ذلك يظل ثابتًا على إيمانه. لقد تكرّم صبره عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، والذين - في مراحل مختلفة من التاريخ - تشاركوا الأرض المقدسة بسلام. قصته هي قصة ألم، ولكنها أيضًا قصة أمل".
*.. وفي لحظة النداء
.. في المقال، وضعت الملكة رانيا، لحظة تدعو فيها العالم والمجتمع الدولي، إلى الاقتراب من" النداء" الإنساني لايقاف الحرب وحماية المدنيين، وكتبت بحرية وذكاء:" هذه الحرب يجب أن تنتهي. واليوم، يتلخص الأمر في سؤال واحد يتعين على كل واحد منا الإجابة عليه: إذا كان بوسعك أن تمنع موت مئات أو آلاف الأطفال الآخرين، فهل ستفعل ذلك؟
لذلك، فإن المطالبة بوقف إطلاق النار هو أقل ما يمكنك القيام به. ويجب علينا جميعًا أن نفعل ذلك معًا".
.. علينا أن نكون مع القوة المعنوية والرؤية الأردنية العربية الإنسانية التي ترفع أصواتها من أجل وقف الحرب على غزة وحماية المدنيين ومنع التهجير وإدخال المساعدات لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
Close

*النص الكامل لمقال الملكة رانيا العبدالله في صحيفة الواشنطن بوست:

*وثيقة/ رأي: في أرض ميلاد المسيح ألغيت احتفالات العيد المجيد.
بقلم الملكة رانيا العبدالله، المملكة الأردنية الهاشمية.
عادة تنبض بيت لحم بالحياة في عيد الميلاد. لكن ليس هذا العام. في الأراضي المقدسة، أُلغِيَت الاحتفالات؛ فلا مواكب ولا أسواق ولا إضاءة لأشجار عيد الميلاد في الساحات العامة. وفي بلدي الأردن، حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام، اختار مجتمعنا المسيحي أن يفعل الشيء ذاته.

في الضفة الغربية المحتلة، إحدى كنائس بيت لحم عدلت مشهد المغارة، فوضعت تمثال الطفل يسوع بين أنقاض مبنى تعرض للقصف. وذلك انعكاسًا للقصة التي نراها على الشاشات في كل مكان: الصور المروعة للدمار في غزة، وبالأخص الأطفال الملطخين بالدماء والمحطمين هناك.
أشاهد مقطعًا لأب من غزة يلامس وجه ابنته، ويطلب من شخص أن يتأمل جمالها. قد تحسبها نائمة، لولا كفنها الأبيض.

أتنقل من مقطع لآخر، وأرى مشهدًا لصبي يُكافح وسط الأمطار في طرقات غمرتها المياه، وهو يحمل جثة طفل أصغر منه، رافضًا أن يتركه خلفه. أم تحتضن جثة ابنتها وتقول لها: "حطي قلبك على قلبي يمه". تبكي عندما يحاول آخرون أخذها، فهي غير مستعدة لتركها بعد.
علينا أن نرى في وجوه هؤلاء الأطفال وجوه أطفالنا. كل مقطع من تلك المقاطع هو بمثابة نداء يائس للعالم للاعتراف بإنسانيتهم وآلامهم.
لم يفقد أهل غزة الأمل في إنسانية الآخرين - رغم فشل الكثيرين في رؤية إنسانيتهم.
منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والغالبية العظمى من الضحايا في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة هم من المدنيين. سواء قُتلوا أو اختطفوا أو اعتقلوا ظلمًا، كل واحد منهم يترك فراغًا لا يمكن ملؤه. ولا يوجد اختلاف بين الألم الذي تشعر به الأمهات الفلسطينيات والإسرائيليات نتيجة خسارة طفل.

ومع كل يوم يمضي دون وقف إطلاق النار، تتعاظم الخسائر بشكل مأساوي.
في غضون ما يزيد قليلًا عن شهرين، قلبت إسرائيل غزة إلى جحيم. حوالي 20 ألف قتيل. ما لا يقل عن ثمانية آلاف منهم أطفال - وهو عدد يفوق حصيلة قتلى بيرل هاربر، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وإعصار كاترينا مجتمعة.
لقد نزح نحو مليوني شخص من أصل 2.2 مليون في غزة – أغلبية سكانها أصبحوا لاجئين. أكثر من خمسين ألف جريح، في حين ثمانية مستشفيات فقط من أصل 36 مستشفى تقدم الخدمة.
وفوق كل ذلك، هنالك الجوع. ما يقرب من نصف سكان غزة يتضورون جوعًا، فخلال أكثر من شهرين، سُمِح بدخول مساعدات تكفي حاجتهم لأقل من أسبوع. كيف يمكن اعتبار تجويع شعب شكلًا مشروعًا من أشكال الدفاع عن النفس؟

تصف منظمات دولية غزة الآن بأنها مقبرة للأطفال، وكم هو مؤلم أن يُطلق على أرض مقدسة وصفًا كذلك.

أصبح الوضع كابوسًا إنسانيًا جليًا. ومع كل يومٍ يمضي، يتراجع مقياس ما هو مقبول إلى مستويات متدنية جديدة، مسجلة سابقة مرعبة لهذه الحرب وغيرها.
بغض النظر عن الطرف الذي تدعمه، لا يزال بإمكانك المطالبة بوقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن والمعتقلين، والوصول غير المقيد للمساعدات.
البعض سيستخف بهذا النداء باعتباره مدفوع بالعاطفة، مُصرين على أن وقف إطلاق نار فوري ليس استراتيجيًا ولا مستدامًا. إنها إدانة لعصرنا هذا حينما تُرفض مطالبات العودة إلى العقلانية بحجة أنها مجرد دعوات عاطفية. كما نسمع الكثيرين يتحدثون عن سلام ما بعد الحرب وكأن ذلك يعفيهم من مسؤولية التحرك الآن.
وقف إطلاق النار مجرد البداية. ويتعين علينا أن نباشر بالعملية الصعبة المتمثلة في إعادة الإنسانية - الاعتراف بإنسانية الآخرين والعمل على أساس الترابط العالمي.

أنا أمٌ، وينفطر قلبي على الآباء والأمهات في غزة الذين يبذلون كل ما في وسعهم لإبقاء أطفالهم على قيد الحياة - ومن ثم يفقدونهم. نشترك جميعًا كأمهات وآباء في ذات الدافع لحماية أطفالنا من كل سوء. بغض النظر عمن نكون أو من أين أتينا، فإن رعاية وحماية من نحب هي إحدى الغرائز التي يجب علينا تقديرها- ليس لذاتنا فقط، ولكن للغريب أيضًا، وحتى الخصم، فاحترامها بشكل انتقائي، ينتقص من إنسانيتنا.
هناك مقطع آخر لن أنساه أبدًا، لأم تودع أطفالها. قضوا بقصف جوي أثناء نومهم بعد أن ذهبوا إلى الفراش ببطون خاوية.
حزن أمهم لا يُحتمل؛ شعورها بالذنب لموتهم جياع كسرني. خاطبت أحد أبنائها: "معلش يبني يا حبيبي أنت عند الرحمن في الفردوس الأعلى"، وتشرح قائلة: "سميته أيوب والله سميته أيوب علشان قصة سيدنا أيوب الصبر، الصبر، الصبر"، ثم قالت باكية: "وأنا يمه صابرة".

في التوراة، والإنجيل والقرآن، يفقد النبي أيوب عليه السلام ممتلكاته وأولاده وصحته، ومع ذلك يظل ثابتًا على إيمانه. لقد تكرّم صبره عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، والذين - في مراحل مختلفة من التاريخ - تشاركوا الأرض المقدسة بسلام. قصته هي قصة ألم، ولكنها أيضًا قصة أمل.
هذه الحرب يجب أن تنتهي. واليوم، يتلخص الأمر في سؤال واحد يتعين على كل واحد منا الإجابة عليه: إذا كان بوسعك أن تمنع موت مئات أو آلاف الأطفال الآخرين، فهل ستفعل ذلك؟
لذلك، فإن المطالبة بوقف إطلاق النار هو أقل ما يمكنك القيام به. ويجب علينا جميعًا أن نفعل ذلك معًا.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد