ما لم تفهمه إسرائيل .. !

mainThumb

23-12-2023 11:21 PM

ربما تكرر هذا العنوان قبل ذلك وبالتأكيد تعلق بسلوكها تجاه الفلسطينيين، والسبب ببساطة لأن إسرائيل تعيد تكرار كل أخطاء التاريخ ولا تتعلم من دروسه، ترى واقع ووقائع التاريخ لكنها تفهمها بشكل يخلو تماماً من الذكاء.
التاريخ أفضل مدرسة لعلم السياسة، وتجاربه الإنسانية الكثيفة هي أفضل دروس لتلاميذها ليس لتقليدها بل للقياس عليها، وأزمة السياسة أنه لا يمكن تكرار تجاربها تلك.
وهنا استقطبت السياسة في الدول المتقدمة أفضل العقول التي كان بإمكانها أن تشتق من عمومية التاريخ خصوصية التجربة وفرادتها الخاصة، لكن ليس في دولة يدير العقل سياسته على أساس حروبه الانتقامية ذات الطابع القبلي وهو ما فسره الكاتب اليهودي «إيلان هاليفي» الذي انسلخ مبكراً عن القبيلة ليجد نفسه عضواً في صفوف حركة فتح ليكتب عنها محاولا تفسير الإرث.
«دولة تعيش على السيف» هكذا قال أبراهام بورغ أحد أبرز منظريها رئيس حزب العمل ذات مرة ورئيس الكنيست ورئيس الوكالة اليهودية متسائلاً: كيف لدولة أن تستمر بهذا ؟ كم حرباً خاضتها إسرائيل ؟ حروبها الأخيرة في العقد ونصف العقد الأخيرين في غزة تكفي للقياس على السياسات، والتي كانت تتمحور عند اختراع سياسات كان أساسها ومركز فكرها يرفض حركة التاريخ ويقف عند نقطة واحدة وهي كيفية ضمان استمرار احتلال الشعب الفلسطيني بالقوة ولا شيء غير القوة وإذا لم تنجح ؟ فمزيد من القوة ....هل هذا عقل سوي ممكن أن ينتج سياسة سوية ؟
ميزة القوة أنها منتج الكائن الحي للدول والتي هي عبارة عن تجمع العقل الفردي والفعل الفردي للبشر أو الكائنات البيولوجية التي تبدأ فتية ثم يفعل الزمن فعله قبل أن تصاب بالهرم ثم تموت وتختفي ... كانت تلك سيرة الإمبراطوريات الكبرى التي صعدت وفي سكرة الصعود لم تعتقد يوماً أن القوة تتحرك باستمرار، توزعت القوة على امتداد الجغرافيا وانتقلت بين الدول، فقد كان للتاريخ حكمته في توزيعها، لكن إسرائيل التي لم تدرك أن القوة تنفلت من أيديها وسيكلف عدم الإدراك هذا ثمناً ودماً وسقوطاً ذريعاً للبشرية وللضمير الإنساني.
إسرائيل تعاند التاريخ ولم تسلم بأنها القوة التي تضعف وتتلاشى ولم تعد كما كانت يوماً، فالبيولوجيا التاريخية تفعل فعلها وما بين زمن مضى كانت تلوح فيه بالقوة وتستعملها بكل ما امتلكت من وهج ونار حقق لها نجاحات وبين قوة لم تستطع أن تشكل حماية لمواطنيها في غرف نومهم، بين قوة كانت تنتصر في أزمان قياسية إلى قوة تحاول جاهدة أن تقاتل قوى «غير دولانية كما سمتها» بالكاد تنتزع نجاحات بات يصعب عليها خطفها كما اعتادت، وتلك بحاجة لقراءة لم تستوقف دولة مصابة بعمى القوة وتلك وحدها كفيلة بإصابة السياسة بلوثة حد الشلل.
تتراجع إسرائيل بكل النواحي وعليها أن تقرأ ذلك، وأن التأخير في الفهم وفي القراءة مكلف لها أولاَ. فلا عادت الدولة المخيفة ولا الدولة التي تنتصر ولا الدولة التكنولوجية الأولى بعد فضيحة السابع من أكتوبر، ولا الدولة المهيمنة إقليمياً ولا الدولة التي يمكن أن تحظى بأي قيمة في زمن القتل والإبادة الجماعية والقيم الأخلاقية التي تنتشر أخبارها وصورها بسرعة زمن السوشيال ميديا فلن يكون لها مكان.
عاشت إسرائيل على جريمة كبرى ارتكبها النازي بحق اليهود واحتكرت تسمية «ضحية التاريخ الوحيدة» ولم تسمح لأي أمة أن تنافسها على اللقب، لكن ما تقوم به في غزة يزود الذاكرة الإنسانية بصور جديدة، لأن الزمن تغير وأجيال جديدة تنمو وتعيش كوارث العصر الحديث.
مقتلة هائلة في غزة ... أعتى أنواع الأسلحة وأحدث ما أنتجت المصانع الأميركية، ومن خطوط الإنتاج للميدان فهل تعتقد إسرائيل أن كل تلك المأساة في غزة ستقلب المعادلة ؟ فقد سجلت نكستها يوم السابع من أكتوبر ولن تستطيع كل الأسلحة والموت تغيير النتيجة.
هذا ما لا تفهمه ... العمل العسكري هو فعل سياسي بوسائل أخرى فما الذي تفعله إسرائيل؟ هي تهرب من السياسة ...لكنها ستجد نفسها تدفع ثمناً سياسياً كبيراً بعد أن تنتهي من دم غزة. وهذا ما لن تفهمه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد