العالم في غرفة انعاش

mainThumb

25-12-2023 04:43 PM

يرى البعض أن احداث السابع من أكتوبر كانت خطأ استراتيجيا من قبل المقاومة الفلسطينية، ويرى اخرون بأنها على حد وصفهم " مغامرة غير محسوبة " أي ان المقاومة لم تحسب حسابا لردة فعل عصابة الاحتلال الصهيوني، ويرى كثيرون انها جزء طبيعي من نضال المقاومة والشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وان الاحتلال لا يحتاج الى حادثة كالسابع من أكتوبر ليمارس اجرامه ويشبع رغبته الوحشية في إراقة الدماء البريئة، بينما ترى القلة بأن ما حدث خطأ كبير يجب "محاسبة "المقاومة علية بعد انتهاء ما يسمونها "بالأزمة "
وأود ان أقدم وجهة نظري ليوم أرى ان أهميته تجاوزته بكثير، فالسابع من أكتوبر يوم مجيد بتاريخ هذه الأمة ويوم سيسجله التاريخ كأحد أهم الأحداث في قرننا الحالي ان لم يكن أهمها على الأطلاق ، وانا واثق كل الثقة بانه يوم سيكون له ما بعده والأيام ستكشف لنا ذلك، ربما أكون من أكثر الناس تأثرا بما نشاهده كل يوم من جرائم ترتكب بحق شعب يباد على مرأى ومسمع العالم كله، وفي نفس الوقت أستطيع ان افهم كثيرا من وجهات النظر التي ذكرت وتلك التي لم أذكر باستثناء بعض التصريحات التي لا تمثل الا (القلة) من قصيري النظر و المنبطحين ، ان معظم وجهات النظر بنيت على العاطفة وعلى تأثرنا بمشاهدة أشلاء الأطفال و الاستقواء التي تقوم به عصابة الاحتلال وشركائها القتلة الذين تجردوا من كل معاني الإنسانية لخدمة ما يرون أنه مصلحة لهم .
لم تقتصر أحداث السابع من أكتوبر على تعرية "المجتمع الدولي " ومؤسساته ولم تقتصر على فضح "الدول الكبرى " وإظهار انها كبرى فقط في الاجرام والكذب ولا تعتبر "كبرى " في غير ذلك ولم تقتصر على اسقاط المصطلحات التي خدع بها العالم لعقود وخاصة تلك المتعلقة بالديموقراطية والإنسانية والقانون الدولي وحقوق كل من له وليس له حقوق .......... الخ من تلك المصطلحات التي تشدق بها الغرب لسنوات وكادت ان تسحر الناس، تلك المصطلحات الرنانة التي جعلت من الغرب قبلة لمعظم المخدوعين الحالمين بحياة تسودها الحرية والعدل والمساواة.
ولم تقتصر أحداثه على تقزيم المواقف العربية واضمحلالها، ولم تكشف فقط الأزمة الأخلاقية التي يعيشها معظم شعوب العالم. ان احداث السابع من أكتوبر وضعت حجر الأساس (لأنهاء هيمنة قوى الشر الكبرى في العالم) وانزالها عن عرش السيادة وستكون هي المحرك الأساسي لإنهاء هيمنتها على المؤسسات و المنظمات "الدولية" ك "مجلس الأمن " وغيره أحداث السابع من أكتوبر هي التي ستقتلع حق النقض ان لم تقتلع "مجلس الأمن نفسة " وتهيئ لمؤسسات دولية حقيقة فاعلة تبنى على أسس المساواة و العدالة الحقيقية وليس تلك الزائفة التي بناها المهيمنون على القرار الدولي منذ ما يقرب من ثمانون عاما ، الخمسة الكبار كما يسمونهم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية الى يومنا هذا .
ان الة الاجرام الغربية التي فضحت وتعرت أمام القاصي والداني ، فضح انحياز "العالم المتحضر" وتعدد مكاييله وكشفت نظرته لمصلحته على انها الهدف الأسمى ، ذلك لم يقتصر على ماضيه الأسود بحق شعوب بثقافاتهم وآمالهم وتاريخهم ولم يقتصر على ممارسته التضليل والخداع والاجرام مستخدما كل الوسائل غير المشروعة على مدى سنوات ظلمه واجرامه. هذه الالة المجرمة استطاعت ان تتستر لعهود طويلة مارست خلالها كل أساليب الخداع ، ولكن ليس بعد السابع من أكتوبر 2023 لذا علينا ان نتذكر هذا التاريخ جيدا.
فما حدث يوم السابع من أكتوبر قضى على فكرة القطب الواحد وعلى هيمنة قوى الشر، وان الاحداث التي تفطر القلب والتي نشاهدها في بث مباشر كل يوم ليست الا ثمنا لتحرر العالم بأسره من الاستبداد والظلم والغطرسة. وما أغلاه من ثمن عندما يدفع من دماء الأطفال والابرياء ومن آمال الناس وأحلامهم، وما نشهده على مدار الأيام التي أمطرت بها غزة بكل أنواع الاجرام لا تقتصر على نقمتهم من صمود شعب بوجه اجرامهم وظلمهم ولكنه ثمن الحرية التي آثر الشعب الفلسطيني أن يكون هو بطلها ومفتاح بابها الذي اوصد منذ أمد بعيد .

استيقظ العالم اليوم الى أن تحكم هذه القوى بمصائر الشعوب لا بد وان ينتهي، انتبه بعد غفلة الى ان العدوان الذي يشاهدونه على ارض فلسطين هو الفيصل في تقرير مصيرهم ومصير أجيالهم القادمة، هذه الصحوة التي احدثتها ، كانت بمثابة الصدمة الكهربائية في غرفة انعاش، نعم اليوم غزة هي غرفة انعاش لجسد شعوب العالم فأما أن تفيق بعدها واما ان تصدر لها شهادة الوفاة ، لذا لن تقبل الشعوب بإصدار شهادة وفاتها خاصة وان حكم موتها يأتي على يد من عين نفسه طبيبا بغير وجه حق وحكم عليها بالموت قبل اوانها .

وما يحدث يمكن إسقاطه على ما جاء به " ول ديروانت " في قصة الحضارة، فيبدو ان انهيار الدين و القيم و الاخلاق هو ما سيصحب الحضارة الغربية الى القبر ، ستنتهي هذه الحضارة قريبا بعدما فقدت اخلاقها ومثلها وتجردت من كل ما يمت للإنسانية بصلة ، وهذا هو نصر السابع من أكتوبر الحقيقي ، ان ما عجز عنه الجميع في تعرية وهزيمة ما يسمى بالعالم المتحضر وكشف زيفه وبطلان معتقداته قد كشفته احداث السابع من أكتوبر وما تلاها واذا قال ول ديورانت (ان الأمم تولد رواقية وتموت أبيقورية) لم يكن من خيال الفيلسوف وانما هي حقيقة رافقت كل حضارات الأرض على مر التاريخ واليوم لا نرى العالم المتحضر ابيقوريا فقط وانما نراه تجاوز الابيقورية بمراحل وتحول الى غول يفتك بكل معاني الإنسانية وبكل ما تعنيه كلمة حضارة من معنى.

لقد آن لهذه الحضارة ان تنتهي ولكن المفارقة ان تنتهي على يد المقاومة الفلسطينية، حيث كانت قوى الشر قد حسبت حسابا لكل الدول والفئات والجماعات والأقليات في العالم ولكنها لم تحسب حساب الثلة المؤمنة في غزة واعتقدت ان الحصار والأذى الذي صنعته بها كان كاف ليخمدها الى الابد ولم تتصور يوما أنهم كالقلة التي ثبتت يوم بدر فكان لها أن تغير منحى التاريخ كله.

ادركت قوى الشر ان هذا التغيير سيحدث وأن ما حدث في السابع من أكتوبر هو الشرارة التي ستفجر بها كل ما صنعته من قهر وظلم وقنابل أيضا وعلمت أنها كشفت لا بل وتعرت أمام كل العالم ولم يعد أمامها الان الا ان تأد نيران التغيير القادم في مهدها ، ولكنها لن تستطيع فكما قال أبو عبيدة لعصابة الاحتلال عن النفق العظيم وصلتم متأخرين ...المهمة أنجزت فقد قال لسان حال الشعب الفلسطيني ذلك أيضا لكل قوى الشر في "العالم المتحضر" لقد استيقظتم متأخرين ، صحيح أن من دفع الثمن هم أطفال ونساء وأحرار غزة ولكنهم لم يدفعوه سدى فكل من على وجه الأرض اليوم يعلم ان هذه الدماء الزكية الطاهرة انما اريقت لتحيي شعوبا بعد موتها .
ان شهداء غزة يحيون اليوم في مكان لا ظلم ولا قهر ولا استبداد فيه وهم أحياء وان كنا لا نشعر بحياتهم ولكننا نستطيع أن نشعر بحياتنا التي منحوها لنا من جديد فقد أعطونا مفتاح حريتنا الذي صنعوه بدمائهم واجسادهم الغضة الطاهرة .
غزة انتصرت و المقاومة انتصرت من اليوم الاول من اليوم المجيد في تاريخ العالم (السابع من أكتوبر ) ونحن ننتظر اليوم سقوط هيمنة قوى الشر الى الابد ، وتذكروا بأن ما بعد غزة هو التحرير و التحرر وليس السيناريوهات التي تتحدث عنها العصابة و داعموها من قوى الشر .
وان غدا لناظره قريب






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد