سعر إسرائيل في بورصة السياسة .. !

mainThumb

19-01-2024 11:32 PM

بينما يعلن وزير الحرب في اسرائيل أن العام 2024 هو عام الحرب والانتصار يقول نتنياهو إن الحرب ستمتد إلى العام 2025.
وربما تصلح هذه المفارقة لإعطاء دليل على الفوضى التي تعيشها الحكومة في زمن الحرب.
ولم يسبق أن شهدت إسرائيل على امتداد حروبها المزمنة هذا القدر من الخلافات التي تنشب في لحظة يفترض فيها أن تبدو موحدة.
يرد أفيغدور ليبرمان رئيس حزب البيت اليهودي بعد تكذيب حزب الليكود لعرض ضمه للحكومة قائلاً: "قبل شهر جاء خمسة من كبار الليكود قالوا: نحن مستعدون لإدخالك في كابينيت الحرب شرط أن تبقى في الحكومة بعد الحرب .. قلت: أنتم أخطأتم، ليس لدي نية للانضمام لحكومة نتنياهو ولائتلاف نتنياهو.
أما شريكاه الجديدان في الحكومة؛ جنرالا حزب المعسكر الرسمي رئيسا الأركان السابقان بني غانتس وغادي أيزنكوت والناجيان من مسؤولية السابع من أكتوبر فهما يعصران نتنياهو كحبة ليمون، فهما أمام الرأي العام أظهرا مسؤولية كبيرة تجاه الدولة، الأول تصرف بشكل مسؤول، والثاني أيزنكوت فقد ابنه في الحرب ويكافئهما الجمهور في استطلاعات الرأي واعدا إياهما برئاسة الحكومة، وهما يواصلان إضعاف نتنياهو.
الخلاف بين رئيسي الأركان السابقين بمجلس الحرب وبين ثنائي الليكود نتنياهو - غالانت يزيد من الصفعات الموجهة لرئيس الوزراء، حيث يحاول الجنرالان ترتيب أولويات الحرب بما يتوافق مع المزاج الشعبي في إسرائيل الذي تتسع فيه رقعة المؤيدين لصفقة تعيد المحتجزين ليظهرا نتنياهو كمن يقف في طريق تلك الصفقة مع أخبار تؤكد إفشال نتنياهو مساراً تفاوضياً لإطلاقهم ليحاول تقديم رشوة صغيرة على شكل أدوية لهم ولكن ليس هذا ما ينتظره الإسرائيليون.
في أعنف هجوم على نتنياهو قال إيزنكوت: "علينا التوقف عن الكذب على أنفسنا وأن نتحلى بالشجاعة ونتوجه إلى صفقة كبيرة تعيد المختطفين إلى وطنهم ... وقت الأسرى ينفد وكل يوم يمر يعرض حياتهم للخطر ولا فائدة من الاستمرار على النمط نفسه الذي يسيرون به مثل العميان"، أما غانتس فقد تقدم لنتنياهو بسبعة مطالب تحشر نتنياهو في الزاوية إذا ما قبلها يبدو أنه استسلم كخرقة بالية، وإذا ما رفضها يظهر أنه يقف في وجه الرأي العام ويقف عائقاً أمام عودة أبنائه ويظهر كرجل متلعثم ليس لديه رؤية سياسية ويقود إسرائيل نحو الفوضى.
بن غفير الذي يجلس على الجدار متابعاً تزايد قدرة ضيوف الحكومة الجدد في التنكيل بنتنياهو وقلقه من استسلام نتنياهو لهم يدخل على خط الضغط ويضع نتنياهو أمام خيارات: إما أن يختار أن يكون معه أو مع غانتس الذي يتنامى نفوذه داخلياً وخارجياً ومع الولايات المتحدة التي يبدو أنها بدأت تتصرف كأن نتنياهو يغادر الحلبة السياسية، بل تعمل على ذلك من خلال اتصالاتها مع أطراف إسرائيلية. فقد التقى بلينكن في زيارته الأخيرة عدداً من القيادات الإسرائيلية بمن فيهم رئيس المعارضة يائير لابيد.
أصبح نتنياهو مثل كيس الملاكمة يلكمه ليس فقط لابيد الذي يتهمه بانعدام القدرة على إدارة الدولة والحرب بل شركاؤه أيضاً، وهذا لم يحدث في الأوضاع العادية في إسرائيل فكيف يحدث في زمن الحرب ؟
واضح أن استطلاعات الرأي التي أظهرت أفول نتنياهو شجعت الجميع على شحذ السكاكين داخلياً وخارجياً وأولهم الرئيس بايدن الذي يصفي حساب تاريخ طويل من إهانة زعيم الليكود العنيد للحزب الديمقراطي.
ما حدث يوم السابع من أكتوبر وما تلاه من عمليات إبادة جماعية استنزفت رصيد اسرائيل بالحرب ومع عدم قدرتها على حسم حربها بكل ما ارتكبته من فظائع أظهرت إسرائيل دولة ليس فقط كما قالت الولايات المتحدة غير قادرة على حماية نفسها بل إن الظروف خلال الأشهر الثلاثة ونصف الماضية أظهرت سقوطاً أخلاقياً، وهشاشة موقفها وهيبتها وجدارتها في إدارة السياسة وقدرتها على مواجهة الآخرين. ففي سلوكها السياسي قدر من الجنون الذي يدفع لمزيد من الحروب.
أول تعبيرات تراجع مكانة إسرائيل الإقليمية هو أن السعودية باتت تضع شرط إقامة الدولة الفلسطينية كثمن للتطبيع، وهذا يعكس تدني مستوى إسرائيل وهبوط قيمتها في بورصة السياسة وينسحب هذا على جميع الإقليم والعالم حتى بما فيه أوروبا التي باتت تبحث عن مسار مختلف في المنطقة.
أما الولايات المتحدة فقد باتت تتحدث عن واقع مختلف للعلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل واليوم التالي للحرب وأفق آخر وسط معاندة من قبل نتنياهو، ولكن الممول الأميركي هذه المرة تلقى من القوة ما لم يتوفر له سابقاً من حيث ضعف إسرائيل الراهن والمستقبلي بآثار هذه الحرب، ومن الجهة الأخرى مغامرات إسرائيل التي تنذر بجر واشنطن لمعارك ومغامرات في الإقليم.
إسرائيل ليست إسرائيل حتى برحيل نتنياهو، فبعد الحرب ليس كما قبلها.
نحن أمام تحولات كبرى أصغرها مغادرة الطبقة السياسية والأمنية فيها، لكن الأهم تضعضع مكانة إسرائيل من دولة مهيمنة إقليمياً لدولة ينكشف ضعفها وتتم محاكمتها بتهمة الإبادة الجماعية .. أما الرأي العام الدولي فتلك قصة أخرى .... ولهذا ما بعده في السياسة.

 

(الأيام الفلسطينية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد