ترامب وفنزويلا: القرصنة أحدث مراحل الإمبريالية
أن يكون امرؤ مناهضاً، بلا تحفظ أو فضائل شكّ أو هوامش تسامح، لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الاستبدادي والشعبوي والعسكرتاري والفسادي؛ خيار لا يتوجب أن يُفضي إلى أيّ مقدار من التسامح إزاء القرصنة المعلنة، البربرية في معظم مظاهرها، التي بات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتمدها ضدّ البلد شعباً واقتصاداً وثروات عموماً، وفي عرض البحرين الكاريبي والباسفيكي خصوصاً. حتى الساعة، هنالك 87 ضحية جرّاء إغارات عسكرية أمريكية على ناقلات نفط تتبع ملكيات خاصة، ضمن توصيف لا يصعبُ البتة إدراجُه تحت بنود جرائم القتل العَمد خارج القانون والقضاء؛ حتى بمصطلحات وتشريعات المحاكم الأمريكية ذاتها.
كذلك فإنّ سياسة ترامب الراهنة ليست سوى الوجهة الأعلى صفاقة، والأشرس قرصنة، في حروب الإدارات الأمريكية ضدّ الشعب الفنزويلي؛ وليس مباشرة، أو أوّلاً، ضدّ نظام مادورو الحالي، أو هوغو شافيز قبله. تخريب الاقتصاد، وتعطيل الحياة اليومية للأفراد قبل أجهزة الدولة (بما في ذلك الحرمان من لقاحات وباء «كوفيد» الأخير!)، غزوات المرتزقة والميليشيات العميلة، سرقة الأصول الفنزويلية في الخارج، العقوبات التي تكبّل الإنتاج والتصدير وتشمل النفط، تقييد استيراد المواد الغذائية والطبية… وهذه، وسواها، لا هي أفلحت في إسقاط نظام شافيز على امتداد 15 سنة، عجزت خلالها الانقلابات والإضرابات عن الإطاحة به، ولم يتكفل بإنهاء حكمه سوى مرض السرطان. ولا هي، أيضاً، أنهت استبداد مادورو، وريث شافيز ووزير خارجيته ونائبه سابقاً والنقابي الشعبوي الذي زعم مواصلة «الثورة البوليفارية»…
وكانت واقعة الاستيلاء على ناقلة النفط الفنزويلية في عرض البحر، يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بمثابة تذكرة جديدة حول مقادير النفاق المعلنة والفاضحة التي يمكن أن تذهب إليها الإدارات الأمريكية: ردع الحوثي في اليمن، مباشرة أو بواسطة دولة الاحتلال الإسرائيلي، عقاباً على إعاقة الملاحة في مضيق باب المندب؛ وممارسة أنساق أسوأ من القرصنة واللصوصية في مياه الكاريبي. ليس أقلّ دلالة، في المقابل، اللغة الخجولة التي اعتمدتها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وديمقراطيات غربية مثل فرنسا وبريطانيا وكندا، حيال هذا الانتهاك الصفيق؛ ليس للقانون الدولي الذي ينظّم الملاحة في المياه الدولية فقط، بل هو يسخّف المبدأ الرأسمالي العتيق العريق: دعه يعمل/ دعه يمرّ!
فإذا ظلّت، في قليل أو كثير، عناصر صحيحة في تلك المقولة الماركسية ـ اللينينية الشهيرة، حول الإمبريالية بوصفها أعلى مراحل الرأسمالية، في الاقتصاد السياسي كما في الاستعمار وأنماط التسلط والهيمنة؛ فإنّ القرصنة، على الطريقة الأمريكية الترامبية الراهنة وتنويعاتها السابقة لدى أمثال بيل كلنتون وجورج بوش الابن، قد تنقلب بالفعل إلى واحدة من أحدث مراحل الإمبريالية المعاصرة. ذلك لأنها، أيضاً، ليست وليدة العقود الأخيرة من هذه الإدارة الأمريكية أو تلك، فحسب؛ بل تعود أصولها إلى القرن الثامن عشر، حين اعتبرت القوى الاستعمارية الأوروبية أنها «شرطي العالم» الذي وقَعت على عاتقه أعباء «الرجل الأبيض»، في غزو الأمم واستعباد الشعوب وتلقينها القِيَم والأخلاق والنُظُم، بعد وخلال نهب ثرواتها.
الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن طاف، ذات يوم غير بعيد، في البرازيل والأروغواي وكولومبيا وغواتيمالا والمكسيك، فحملت جولتُه من الرموز والبلاغة والمسرح، أكثر بكثير مما جاء به من وعود بتقديم مساعدات ملموسة أو برامج استثمار تنموية أو مبادرات عونٍ في ميادين الإسكان، أو الرعاية الصحية، أو التعليم، أو تنظيم الهجرة والحدّ من نزيف الأدمغة. وكان مُضحكاً مُبكياً في الواقع أنّه تفاخر بعزم إدارته على زيادة المساعدات إلى أمريكا اللاتينية، مُتناسياً أنّ مشروع الميزانية الذي كان قد أرسله إلى الكونغرس… يُخفّض تلك المساعدات، بدل زيادتها أو حتى الإبقاء عليها في مستواها آنذاك!
غايات تلك الجولة، كما بدا واضحاً قبل أن يتضح سريعاً وعلى نحو مكشوف فاقع، كانت تُختصر في هدفين اثنين: احتواء التأثيرات الهائلة والقاعدية واليومية التي كان يمارسها الرئيس الفنزويلي شافيز، في ضمير الشارع الشعبي العريض هنا وهناك على امتداد القارّة؛ ثمّ الإيحاء، بعد الاحتواء، أنّ يسار أمريكا اللاتينية ليس واحداً رجيماً على قدم المساواة من وجهة النظر الأمريكية: ثمة يسار نظيف طيّب رشيد (من النوع السائد في الأوروغواي والبرازيل مثلاً)؛ ويسار قذر شرّير مغامر (من نوع كوبا كاسترو، وفنزويلا شافيز، وبوليفيا إيفو موراليس). ولهذا انقلب بوش إلى منافس لكبار ممثّلي لاهوت التحرير، لكي لا نقول إنه تبارى مع كارل ماركس نفسه، في التركيز على العدل والمساواة والبُعد الاقتصادي للحياة الاجتماعية!
في غواتيمالا خاطب الجماهير هكذا: «نحن حلفاء في قضية العدالة الاجتماعية»؛ وفي الأوروغواي قال، دون أن يرفّ له جفن: «محنة الفقراء تثير قلق الولايات المتحدة»؛ وفي البرازيل اقترح التحالف الأفضل ضدّ الفقر: «نحن كلّنا عائلة الله»!، قبل أن يضيف: «إذا أصيب واحد بأذى، فإننا أيضاً نُصاب به»!
سلَفُه الديمقراطي كلنتون لم يكن أرأف حالاً بأمريكا اللاتينية إجمالاً، وبفنزويلا تحديداً، فكان أن أدّى وصلة مسرحية مماثلة ـ تراجيدية هذه المرّة ـ أمام الشارع الغواتيمالي؛ حزناً على 200 ألف ضحيّة سقطوا خلال الحرب الأهلية التي كان للمخابرات المركزية الأمريكية الدور الأكبر في إشعالها، وهندستها وتغذيتها بالحديد والنار. لكنّ العامل الموضوعي الذي أجبر كلينتون على هذا «الحزن» كان التقرير الذي صدر عن «هيئة إيضاح التاريخ»، التي قالت التالي عن تورّط الولايات المتحدة في الحرب الأهلية: «تكشف تحقيقات الهيئة أنه حتى أواسط الثمانينيات مارست حكومة الولايات المتحدة والشركات الأمريكية الخاصة ضغطاً صريحاً لإبقاء غواتيمالا في إسار بُنية من الفوضى الاقتصادية ـ الاجتماعية غير العادلة. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة، عبر مختلف هياكلها الإدارية، والمخابرات المركزية تحديداً، قدّمت دعماً مباشراً وغير مباشر لعمليات القمع اللاشرعية التي مارستها أجهزة السلطة الغواتيمالية».
جدير بالتذكير هنا أنّ الحرب الأهلية الغواتيمالية كانت المحرّك الأبرز وراء ولادة ما سيُعرف في أمريكا اللاتينية باسم لاهوت التحرير، أي انضواء الكنيسة في صفّ الدفاع عن الشعب ضدّ الطغمة العسكرية، وانخراطها موضوعياً في تحالف غير مباشر مع الميليشيات الماركسية. وكان القسّ الأمريكي توماس ملفيل أوّل من أماطَ اللثام عن الدور الأمريكي القذر في تلك الحرب، عبر رسالة شهيرة وجهّها إلى السناتور وليام فولبرايت؛ أوضح خلالها، ومن موقعه في رئاسة البعثة التبشيرية التابعة للكنيسة الكاثوليكية، أنّ قضية الميليشيات كانت أكثر عدلاً وحقّاً، بل وأكثر مسيحية، من سياسات الطُغمة العسكرية وشركة الفواكه والمخابرات المركزية والجيش الأمريكي!
تبقى ذرائع ترامب في ممارسة القرصنة للحيلولة دون تهريب المخدرات إلى داخل الولايات المتحدة، التي تفضحُها علانية قرارات الرئيس الأمريكي ذاته في العفو عن كبار أقطاب تجارة المخدرات؛ على غرار عفوه عن رئيس هندوراس السابق خوان أورلاندو هرنانديز، اليميني المتهم بإدخال 500 طن من الكوكايين إلى أمريكا. وكي لا يبقى ترامب وحده في الميدان، بل يشاركه كلنتون أيضاً، كانت طائرة رئيس أركان سلاح الجوّ الكولومبي قد هبطت في مطار ميامي، سنة 1998؛ فشاءت الصدفة وحدها أن تُكتشف على متنها شحنة… نصف طن من الكوكايين!
وإذا كانت بالفعل قد أضحت أحدث مراحل الإمبريالية، فإنّ «فضيلة» القرصنة على طريقة ترامب أنها لا تخفي مضامينها، بلسانه هو نفسه: «يتوجب عليك أن تهيمن، وإلا فإنك تضيّع وقتك»؛ هكذا ببساطة، وبوضوح قرصان لا يكترث حتى بارتداء قناع!
كاتب سوري
المرأة العربية بين الوعي الثقافي والهوية الجمالية
إجراءات قانونية بحق ملكة جمال مصر
العبداللات ومنير في حفل ختام كأس العرب
تركيا توقف عددا من الفنانين والمشاهير
عن الجيل زد … وهندسة الإدمان البصري
عن الجيل زد … وهندسة الإدمان البصري
تأملات في العيش داخل حلقة التكرار
الأوضاع الإنسانية في غزة – شاهد عيان
ترامب وفنزويلا: القرصنة أحدث مراحل الإمبريالية
وفاة مشهور التواصل السعودي أبو مرداع بحادث مروع
ارتفاع جنوني في أسعار الذهب محلياً اليوم
وزارة الأوقاف تُسمي ناطقها الإعلامي الجديد
اعلان توظيف صادر عن المحكمة الدستورية
الحكومة تعلن عن وظيفة قيادية شاغرة
اليرموك تُدرج متحفي التراث والتاريخ الطبيعي على منصة تريب آدفيزور
كتلة هوائية شديدة البرودة تضرب المملكة بدءاً من الاثنين
ماسك ينشر قائمة الدول الأكثر توقيفا لمعلقين على الإنترنت
مدعوون للتعيين وفاقدون لوظائفهم في الحكومة .. أسماء
إحالة مدير عام التَّدريب المهني الغرايبة للتقاعد
الضمان: تعديلات تشريعية مرتقبة للمنتسبين الجدد وتعديل سن التقاعد مطلع 2026
عندما تصبح الشهادة المزورة بوابة للجامعة
مهم بشأن الرسوم المدرسية للطلبة غير الأردنيين
صرف 5 ملايين دينار معونة شتوية لأكثر من 248 ألف أسرة
المملكة على موعد مع منخفض جوي جديد .. أمطار وزخات ثلجية وصقيع واسع ليلاً

