تعليق على كتاب بكائيات غزة للدكتورة ميسون حنا

mainThumb
رائد محمد الحواري

24-01-2025 10:04 PM

عمان - السوسنة

في الأدب، عندما يتماهي الأديب مع واقعه وشعبه، يكون ذلك مؤشرًا على صحة الأدب، خاصة في وقت الحروب، حيث يجب أن يكون الأدب مرآة لمعاناة الأمة التي ينتمي إليها الكاتب. في الحالة الفلسطينية، نجد العديد من الكتاب الذين كتبوا عن واقعهم الفلسطيني، وبذلك أصبحت الأحداث والحروب جزءًا من الأدب الذي دونها الكتاب، ما كان لنعرفها لولا النصوص الأدبية.

من الضروري في الأدب أن يكون هناك توازن بين قيمة المضمون وجمالية التقديم الأدبي. فالأدب لا يقتصر على نقل الواقع بل تقديمه بشكل أدبي بحيث تصل الفكرة للقارئ دون أن تؤذي نفسيته. وهذا يتطلب من الكاتب قدرات استثنائية لتمرير موضوعات قاسية بأسلوب ناعم. في كتاب "بكائيات غزة"، استطاعت ميسون حنا الجمع بين القيمة المضمونية وجمالية التقديم، حيث قسَّمت الكتاب إلى مقاطع قصيرة تراوحت بين ثلاثة أسطر إلى صفحتين، مما خفف من قسوة الموضوعات التي تناولتها.

لم تقتصر براعة ميسون على شكل الكتاب، بل امتدت إلى أسلوب السرد الذي تنوع بين السارد المتكلم والسارد الخارجي. هذا التنوع أعطى المتلقي فرصة للتنقل بين أكثر من صوت، مما جعل النصوص أكثر تأثيرًا. كما أن لغة الأنثى في الكتاب كانت واضحة، حيث تم تجسيدها من خلال شخصية الأم التي تواجه واقع الحرب.

في مقطع "عطش"، تتجسد معاناة الأم التي فقدت منزلها وأبناءها تحت الأنقاض، وتظل مصرة على إتمام مهمتها بتقديم الماء لجثث أبنائها رغم قسوة المشهد. وفي "أحلام العيد"، تظهر الكاتبة أيضًا عبر لغة الأم التي تتحدث عن سعادتها في إعداد الطعام لعائلتها، ولكنها تتحسر على ما فقدته من رغيف خبز ساخن بسبب ظروف الحرب.

أما في مقطع "براءة"، فتحدثت ميسون عن معاناة الأطفال في غزة، حيث تقتصر النصوص على التكثيف والاختزال، مشيرة إلى براءة الطفل الذي فقد والديه وتساءل عن متى ستنبت قدماه، في صورة تجسد جريمة الاحتلال.

وفي "وداع"، تقدم ميسون صورة مؤلمة عن الجوع وصعوبة تأمين الطعام، حيث يظهر الوداع بين الأم وابنها الذي يذهب لإحضار طعام لأسرته، ومن يدري، قد لا يعود. يختلط السارد الخارجي بالأم في هذا المقطع مما يزيد من تأثير الصورة الأدبية.

الكتاب الصادر في عام 2024 في عمان، يعكس ببراعة معاناة أهل غزة، ويقدمها بأسلوب أدبي متميز يسلط الضوء على آلام الشعب الفلسطيني .   

بقلم الأديب الفلسطيني رائد محمد الحواري

 إقرأ المزيد : 






 

 






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد