الأول من أيار مايو

mainThumb

01-05-2025 12:44 PM

الأول من أيار/مايو ليس يومًا عاديًا في التاريخ الإنساني الطويل، بل هو اليوم الذي أجمع عليه العالم، بمختلف أجناسه ولغاته وثقافاته، ليكون عيدًا أمميًا لتكريم العمال، عماد الإنتاج الاقتصادي في العالم.

جاء هذا اليوم على إثر الحادث الشهير في الولايات المتحدة، الذي راح ضحيته عدد كبير من العمال، بعدما طالبوا مستغليهم بأبسط حقوقهم. ومن مفارقات التاريخ أن الولايات المتحدة، الدولة الإمبريالية الأولى، كانت أول من جعل للعمال يومًا عالميًا أصبح عيدًا أمميًا، رغم أنف الإمبريالية التي تقودها.

لكن للأسف، تم تفريغ هذا اليوم من مضمونه، وأصبح مجرد مناسبة لشرب الأنخاب والاحتفالات الشكلية، في حين أن جوهره الحقيقي كان لتفادي تكرار المأساة التي دفعت العمال والمهمشين في كل أنحاء العالم إلى النضال والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم التي نالوها بالدم والعرق والدموع.

نعم، الأول من أيار/مايو ليس يومًا عاديًا كباقي الأيام، بل هو يومٌ اتفقت عليه شعوب الأرض كافة، ليكون عيدًا للعمال.

لقد شهد القرن العشرون العديد من الثورات العالمية، التي كان محركها الأساسي هو حقوق العمال، وأبرزها ثورة 17 أكتوبر في روسيا القيصرية، التي تحالفت مع 15 جمهورية وشكلت دولةً عظمى عُرفت بـ الاتحاد السوفيتي، أول دولة للعمال في التاريخ. وكذلك الصين الشعبية، التي أصبحت إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم إلى جانب الولايات المتحدة، بل الأولى عالميًا من حيث عدد السكان.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الإمبريالية إلى تقليص عدد سكان العالم، حوّلت الصين هذا العدد إلى قوة إنتاج وبناء، لا عبء اقتصادي. ولا تزال تُعد من الدول العظمى في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة، من حيث الاقتصاد والقوة العسكرية، والصراع القائم اليوم بين العملاقين شاهد على ذلك.

للأسف، شهدت الأعوام الماضية تراجعًا عالميًا وتغوّلًا على حقوق العمال، وازدادت الوحشية الإمبريالية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت الضحية الأولى لذلك هم العمال. وبفعل الإملاءات المفروضة على دول العالم النامي، أصبحت الطبقة العاملة تعاني أكثر من أي وقت مضى، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها التوحش الإمبريالي.

لكن هناك أيضًا أخطاء وخطايا داخلية، منها وصول قيادات انتهازية إلى مواقع تمثيل العمال في النقابات والاتحادات، لا علاقة لها بالطبقة العاملة. قيادات لا تسعى إلا وراء مكاسب شخصية، تحالفت طبقيًا مع المتنفذين، وانصاعت لتعليمات الخارج المعروف بأجنداته، دون أن تعبأ بمصالح العمال الحقيقية.

من هنا، فإن الأول من أيار/مايو يدعونا جميعًا للتفكير: ما أحوجنا اليوم إلى قيادات عمالية حقيقية، منتخبة ديمقراطيًا، تمثل العمال لا أن تمثل عليهم، يكون همها الأول الدفاع عن حقوق العمال، لا مصالح القوى المسيطرة.

إننا مقبلون – للأسف – على ثورات جياع وحرمان، سببها غياب القانون والعدالة، في عالم أصبح فيه القاضي هو الجلاد، والضحية هي المتهم. عالم يسير بعكس اتجاه حركة التاريخ.

ويا للمفارقة: في عيد العمال يرتاح الجميع ويحتفلون، إلا العمال أنفسهم، الذين يعملون أكثر في هذا اليوم، من أجل الحصول على مكتسبات هي في الأصل حقوقهم.

ولا أنسى تلك الرسمة الكاريكاتيرية في جريدة "العربي الناصري" القاهرية، والتي تقول:

"في عيد العمال، الكل يرتاح... إلا العمال! أبناء المسؤولين يشربون الكولا، وأبناء العمال يلمّون الظرف الفارغ."

ويبقى السؤال: متى يعود للأول من أيار/مايو معناه الحقيقي، كي يكون فعلًا عيد العمال العالمي؟






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد