غزة وعطايا ترامب

mainThumb

19-05-2025 07:43 PM

ليتنا استبقينا تلك القيم التي نشيعها الآن، واستمسكنا بها، وحرصنا عليها الحرص كله، فقيمنا السمحة التي أنتجتها قرائح الدين، والتي كانت تفيض إشراقاً، طمسنا أروع ما عندها من آثار، ومضينا كما قال أديب العربية مصطفى صادق الرافعي وراء "العداوة والبغضاء، والبخل والآثرة، والكبرياء والغرور، والخداع والكذب، وما شابك هذه أو شابهها".
بيد أننا نستطيع أن نعرف الأسباب التي دثرت ومحت معالمها، فنحن إذا فكرنا وأطلنا التفكير، وقدرنا وأحسنا التقدير، لوجدنا أن السبب يكمن في مهجنا التي باتت غارقة في البله والوجوم، فالغفلة والطيش، هما الأشياء التي تفيض بها عقولنا، وتطمئن إليها قلوبنا، وتشرئب لها نفوسنا، إذن ليس بنا من بد أن نعزم في دواخلنا أن نقتلع تلك الرزايا، وأن نتخذ لكل شيء وسيلة، وأن نجعل لكل شيء غاية، حتى نستأصل شأفة تلك العلل، ونشفى منها شفاءً تاماً.
فالغفلة وحدها، هي التي جعلت دائرة شغفنا، تدور حول المتاجر والطرود، والوصل والصدود، والخدود والنهود، والسعي والهمود، نحن في حاجة فعلاً لأن ننزه تصرفاتنا عن الخطأ، وسلوكياتنا عن الضلال، حتى نقطع تلك الفراسخ والأميال التي تفصلنا عن بؤرة تجاهد على قدر طاقتها، مجتمع غزة الذي يمثل ذروة النضال في أبهى صورها، وأقوى مظاهرها، غزة التي تُسحق لأن كماتها سعوا في سبيل حريتهم، واستكمال سيادتهم، ماذا فعلت أنفسنا القوية الوثابة من أجل نصرتها؟ هل بلغنا ما بلغته الشعوب الأوربية، من التفوق والامتياز في مؤازرتها، فرأينا في محيطنا أرواحاً تحتضر، وأفئدة تعتصر، ودموعاً تنحدر، كلا لم نرى شيئاً من هذا، أبصرنا محيطنا كعادته يسير نحو هدفه من غير خوف أو تردد، هدفه الذي لا يعفيه من إثم هذه الخيانة، وظيفته التي ليست له غاية يقف عندها، ولا سقف ينتهي إليه، وباقات الجوال والانترنت التي يبددها في غير طائل، أما شعب فلسطين الذي اصطلى بنار الحرب، وأطفال غزة، الذين تشتد عليهم النكبات والأهوال، وتأخذهم المحن والخطوب، فهو لا يتعاطف معهم إلا مضطراً، ولا يظهر تعاطفه هذا إلا بمقدار ضئيل.
وإذا كان هذا هو طابع التفاعل بالقياس إلى هذه القضية، فنحن في حاجة لمن يدس الكرامة لهذه الأمة بين ثيابها، ويردها إلى شيء من الحزم والاتزان، الكرامة التي تخرجها عن طورها، وتدفعها لأن تخوض فيما يخوضه فيه فرسان حماس والقسام من جهاد نبيل، وتضحيات مقدرة، أعلم أن غزة لم تظفر من هذه الأمة بشيء، ولم تلقى منها إلا ازوراراً واعراضاً، وأن معبر رفح الذي يمثل لها طوق نجاة، قريب منها كل القرب، ولكنه على ذلك بعيد عنها كل البعد، وأن ترامب الذي منحهم النار واللهب، قد تهيأت له الفرص، ومدت له الأسباب، حتى يغرق في هذه الدولارات البغيضة الممقوتة، تلك الدولارات التي ضنّ بها أهل العزة والسلطان، على من تبقى من أهالي غزة الذين تخالط الدهشة ألبابهم، وتمازج الحيرة نفوسهم، فمن هو أولى بهذا الرفد والعطاء؟، وهم على ذلك كله، لم تزل أفئدتهم مصقولة صافية، لا تنبض إلا بالصفح والتغاضي والغفران، و ثغورهم ظلت تستخف بالجعد والشح والعدوان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد