الاستقلال مشروع وطني لا شعارًا

mainThumb

29-05-2025 02:23 PM

يحتفل الأردنيون هذه الأيام بعيد الاستقلال، المناسبة الوطنية الأعز على قلوبنا والتي جسدت تضحيات الأجداد، وتركت لنا إرثًا من الكرامة والسيادة والانتماء. لكننا، نحن أبناء الطبقة البسيطة والمهمشة، نحتفل بالاستقلال على قدر فهمنا لمدلول لوطن . لا يغرّنا ضجيج المهرجانات ولا زخارف الزينة ولا الزوامير التي تنتهي بانتهاء اليوم، بل نحتفل بما هو أعمق، نحتفل بما يرفع شأن الوطن والمواطن، بما يُترجم هذه الذكرى الخالدة إلى واقع نعيشه لا مشهد نراه.
فالاستقلال الحقيقي ليس يومًا نحتفي به وننساه في اليوم التالي، بل هو مسار يومي من العمل الصادق المخلص، والإصلاح العميق، والعدل الشامل "البعيد عن بروزة الشهره". فلا يزهو الاستقلال في ظل بطالة تنخر في شباب الوطن، ولا في ظل محسوبيات تقتل الكفاءات، ولا يحلوا في ظل تهميش للفقراء وحرمان للأطراف. نريد استقلالًا يراه المواطن في الوظيفة العادلة، في الشارع النظيف، في المدرسة الواعيه، وفي المستشفى المتاح. نريد استقلالًا يشعر فيه المواطن أن كرامته محفوظة، وصوته مسموع، وحقه مصان.
الاستقلال ليس مظهر تزمير وتطبيل، بل في أن يكون المسؤول أمينًا في عمله، عادلًا في قراراته، خادمًا لا متسلطًا. نحتفل حين نرى الفساد يُحارب لا يُغطى، حين نرى أموال الدولة تُحفظ لا تُهدر، حين نسمع عن محاسبة لا مجاملة، وحين يعود المال العام إلى الناس لا إلى جيوب المتنفذين. إن الفساد هو الاحتلال الداخلي الأخطر، ولا معنى للاستقلال إن لم ننتصر عليه.
ولا يكتمل الاستقلال بدون سيادة اقتصادية. فهل نُستمري الأستقلال واقتصادنا قائم على القروض والمساعدات؟ نريد أن نبني اقتصادًا ينهض من الأرض لا من الخارج، يقوم على الإنتاج لا الاستهلاك، يدعم الشباب لا يُقصيهم، ويحتضن الصناعات الوطنية لا يستورد بديلاً عنها. نريد أن نرى خطة وطنية جادة للاستغناء عن الاعتماد الخارجي، لنقول بكل ثقة: هذا وطن يصنع حاجاته بيده، ويعتمد على فكره لا على هبات الآخرين.
نحتفل حين نرى العدالة الاجتماعية واقعًا معاش لا شعارًا . نحتفل عندما تُصلح البنية التحتية المهترئة التي تستنزف اقتصاد الوطن وجيوب المواطنين، عندما تصل التنمية إلى الأطراف لا تبقى حكرًا على العاصمة، وعندما يحصل كل مواطن على نصيبه من الخدمات والتعليم والرعاية الصحية. نريد من الدولة أن تنظر للمواطن بعين واحدة لا بعينين، وأن تضمن له كرامة العيش لا انتظار المعونة.
نريد صحفيًا يكتب دون خوف، وأكاديميًا يفكر دون حدود، وشابًا يعبر عن رأيه دون تردد. فكرامة الإنسان هي حجر الأساس في كل وطن، لا يُبنى وطن بإنسان مقيد ومقهور ومهمّش.
وهنا لا بد من التذكير بدور الرموز الدينية والمجتمعية، من العلماء والشيوخ وأهل العمائم. لقد عُرفوا عبر التاريخ بأنهم الناصحون، الحريصون على الصدع بالحق، لا على المجاملة والسكوت. نريدهم أن يخرجوا من جمود الخطاب الميكانيكي إلى حيويه الدين الديناميكي، وأن يكونوا حُراسًا للقيم، يصدحون بالحق إذا غابت العدالة، ويشدون على يد المصلحين لا المتنفذين..
نحتفل حقا حين يُترجم الاستقلال إلى مشروع وطني حقيقي ...واقتصاد سلعي وتنميه مستدامه للأطراف . نحتفل حين يُعاد الاعتبار للمواطن البسيط، حين يُنصت لصوته، ويُؤمن بقدرته، ويُشارك فعليًا في صناعة مستقبل وطنه..
نُحب الأردن وملكه ونعشقه، ونريده وطنًا حرًا قويًا عادلًا. نحتفل بعيد استقلاله بقلوب مخلصة، وعقول تفكر، وأيدٍ تبني، لا بالأهازيج فقط.
لقد كان جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، صادقًا مع شعبه في بناء دولة الاستقلال بمعناها الحقيقي؛ دولة المؤسسات، والكرامة، والسيادة الوطنية. لم يكن الاستقلال عنده مناسبة احتفالية، بل مسارًا مستمرًا من التحدي والعمل والصبر، حتى وضع أسس الدولة الحديثة.
وسار على النهج نفسه جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي لم يتوقف يومًا عن الدعوة إلى الإصلاح الحقيقي، وتعزيز سيادة القانون، وبناء اقتصاد وطني مستقل، وتمكين الإنسان الأردني باعتباره عماد النهضة. لقد خطّط الهاشميون برؤية بعيدة المدى، وقالوها : المواطن هو أغلى ما نملك، وحرية الوطن واستقلاله تبدأ من كرامة المواطن. واليوم، تقع علينا جميعًا مسؤولية الإنصات الجاد لهذه الرؤية، والعمل على تنفيذها ميدانًا لا شعارًا، بالمشاركة لا بالتصفيق، بالتخطيط لا بالارتجال. فقائد البلاد يحتاج إلى شعب مسؤل صادق في الإخلاص والبناء، حتى تتحقق معاني الاستقلال فعليًا، لا شكليًا، كما أرادها القادة منذ التأسيس.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد