ما هو السبب الحقيقي لضرب إيران

mainThumb

21-06-2025 03:17 PM

تتصارع اليوم وجهات النظر والتحليلات على وسائل الإعلام ومواقع التواصل حول الأسباب الحقيقية لاستهداف إيران عسكرياً. لماذا أعطت واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل كي تبدأ قصفها للمراكز النووية والمنشآت العسكرية الأخرى، وخاصة مواقع تصنيع الصواريخ البالستية؟ لماذا بدأت أمريكا تتخلى عن حيادها المزعوم، وبدأ الرئيس ترامب يطلق التهديدات ويطالب النظام الإيراني بالاستسلام الكامل وغير المشروط فوراً؟
لماذا تشارك معظم القوى الغربية في اعتراض الصواريخ الإيرانية التي تنهال على إسرائيل؟ هل هي مجرد فزعة من الغرب لحماية ربيبته في المنطقة، أم إن القصة أعمق من ذلك بكثير، وأن الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل لا تنحصر مطلقاً في زاوية وأهداف محددة، بل هي متشعبة وذات أبعاد مختلفة، ومن الخطأ الفادح تبسيطها وتصويرها على أنها متعلقة فقط بالقضاء على المشروع النووي الإيراني، بل قد تهدف إلى تغيير النظام نفسه أو ربما تغيير النظام الدولي كله. وسأحاول في هذه العجالة أن أطرح وجهات النظر المختلفة دون تبني أي منها وذلك لتوسيع دائرة النقاش.
هناك اليوم أكثر من زاوية لقراءة المشهد الإيراني الإسرائيلي، فبعض خصوم إيران في المنطقة وخاصة في الدول العربية التي تضررت من التدخل الإيراني يرون أن الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على إيران يأتي بعد أن أدى النظام الإيراني وظيفته ونفذ كل المهام القذرة نيابة عن واشنطن وتل أبيب في الشرق الأوسط، وحان الوقت للتخلص من الأداة الإيرانية، فكل الأنظمة الوظيفية برأيهم لها تاريخ انتهاء الصلاحية كأي سلعة استهلاكية، وعندما تنتهي صلاحيتها يبيعونها برخص التراب. بعبارة أخرى، فإن النظام الإيراني وكل أذرعه في المنطقة أدت دورها ولا بد من دفنها. لكن هل الأمر فعلاً بهذه البساطة والسذاجة يا ترى؟ هل كانت إيران فعلاً مجرد منفذ للسياسات الأمريكية في المنطقة، وحان وقت تسريحها وعزلها؟ أم إن الحصار والعقوبات الأمريكية التي تحاصر إيران منذ عقود وعقود كانت ومازالت أكبر دليل على أن العلاقة بين الأمريكيين والإيرانيين ليست علاقة تابع ومتبوع بل علاقة صراع حاد؟ هل كان التدخل الإيراني في المنطقة نيابة عن أمريكا وإسرائيل فعلاً، أم مصلحة مشتركة حتى انقلبت عليها أمريكا؟ كما أن البعض يرى أن حجم الكوارث والجرائم والخراب والدمار الذي تسببت به إيران في بلادنا تم بالتواطؤ مع الأمريكي والإسرائيلي، لكن لماذا لا نقول إنه كان مجرد تبادل منافع في لعبة أكبر، يتساءل أنصار طهران؟ ألم يقل خامنئي نفسه ذات يوم: «إذا لم نقاتل في سوريا سنضطر للقتال في شوارع طهران؟

لماذا لا نقول إن الصراع الإسرائيلي الإيراني الآن هو جزء من الصراع الأمريكي الصيني على قيادة العالم، يضيف أصحاب نظرية الصراع الدولي؟ أليست إيران جزءاً مهماً من استراتيجية المواجهة بين روسيا والصين من جهة وبين أمريكا والغرب من جهة أخرى؟ لماذا لا نربط هذا التقارب بين أمريكا والدول العربية بالحملة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة والعالم؟ لماذا بدأت أمريكا تتقرب من دول عربية كانت محسوبة على إيران وروسيا؟ هل هو مجرد عمل خيري، أم جزء من خطة أمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم المشروع الأمريكي والمواجهة مع القوى التي تنافسه على قيادة العالم؟ كم مرة سمعنا نتنياهو وهو يهدد بتغيير شكل الشرق الأوسط؟ ألا يمكن أن تكون تقوية إسرائيل في المنطقة وتجميع القوى العربية حولها جزءاً من المخطط الأمريكي الغربي عموماً لصد التمدد الصيني في الشرق الأوسط؟ أليس من السذاجة أن نصدق المزاعم الإسرائيلية والأمريكية التي تحصر كل الحملة العسكرية على إيران بمسألة المشروع النووي الإيراني، يتساءل أحد مناصري النظام الإيراني؟
لقد علمتنا التجارب القديمة أن الشعارات المعلنة لأي حرب قد تكون كذبة كبيرة ولا علاقة لها أبداً بالأهداف الحقيقية للحرب. ولعلنا نتذكر الأكاذيب والمزاعم والشعارات التي أطلقتها أمريكا قبل غزوها للعراق يضيف السائل، فقد زعمت أمريكا وبريطانيا بأن النظام العراقي وقتها كان يمتلك أسلحة دمار شامل لا بد من القضاء عليها قبل أن يطلقها على العواصم الغربية. ولطالما سمعنا أكاذيب حول امتلاك العراق مدافع عملاقة ومواد سامة قد تدمر العالم حسب أكاذيب وزير الخارجية الأمريكي وقتها كولن باول. وكلنا شاهد الوزير المذكور وهو يحمل قارورة صغيرة في الأمم المتحدة مدعياً أنها تحتوي على مواد خطيرة كانت بحوزة العراق. كما نتذكر أيضاً الأكاذيب التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني وقتها توني بلير لتبرير الغزو الأمريكي البريطاني للعراق.
ثم حدث الغزو والحرب وكانت النتائج كارثية على العراق وشعبه، لا بل إن الرئيس الأمريكي الحالي ترامب نفسه فضح أسرار تلك الخديعة وهاجم الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش الابن واتهمه بتدمير العراق وإزهاق أرواح الأمريكيين وتبديد ملياراتهم. لكن المضحك أن ترامب اليوم ربما يكرر الخديعة نفسها مع إيران، فهل يريد هو وإدارته فعلاً تدمير المشروع النووي الإيراني كما يزعم، أم إن وراء الأكمة ما وراءها، يتساءل أحد مؤيدي المحور الإيراني؟ هل سنسمع مسؤولين أمريكيين بعد مرور سنوات على الحرب الحالية وهم يتهمون ترامب بأنه غلف حربه على إيران بمزاعم وأكاذيب لا تختلف أبداً عن أكاذيب جورج بوش الابن بخصوص العراق؟ ألم ينشر الإعلام الأمريكي نفسه مزاعم لنتنياهو منذ أكثر من عشرين عاماً وهو يحذر فيها زوراً وبهتاناً من أن إيران ستكون قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال أشهر؟ ثم تبين أن كل تصريحاته كانت مثل التصريحات الأمريكية الكاذبة بخصوص المشروع النووي العراقي؟ لماذا لا نقول إن واشنطن تفعل الأمر نفسه الآن في إيران من خلال تغيير النظام؟ هل كانت إسرائيل لتتجرأ على ضرب إيران لو كان لدى طهران سلاح نووي فعلاً؟
أليس من السخف أن نتوقع سقوط إيران في الحضن الأمريكي الإسرائيلي بهذه البساطة؟ أليست إيران حلقة في سلسلة منافسة أكبر؟ ألم تبدأ روسيا بتحذير الأمريكيين بعدم المشاركة في الهجوم الإسرائيلي على إيران؟ هل هذا مجرد تحذير عابر أم إن المعسكر المعاكس بدأ يتحرك على رقعة الشطرنج الدولية لمواجهة المخطط الأمريكي في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للشرق والغرب، أم إن الروس والصينيين لا يقدرون حتى على تأييد إيران إعلامياً فما بالك أن يساعدوها عسكرياً؟ هل وضع إيران مثل وضع ليبيا أو العراق مثلاً؟ هل تبقى المواجهة محصورة بين إسرائيل وإيران؟ ربما وربما لا.
وهناك بعد كل ما يحصل من يجادل بأن الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران هي لعبة إعادة تقاسم النفوذ في المنطقة، وسيكون العرب أكبر الخاسرين فيها.
قد يكون كل ما أوردناه أعلاه مجرد تخريف وهلوسات وتحليل رغبوي يعبر عن المواقف السياسية المتضاربة للأطراف المتصارعة، لكن أليس من التخريف أيضاً أن ننظر للأحداث الكبرى من زاوية حادة واحدة.

كاتب واعلامي سوري



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد