معبر رفح .. ما بين صمود مصر ومخططات التهجير

mainThumb
معبر رفح

31-07-2025 11:37 PM

أرى أن الموقف المصري في إبقاء معبر رفح مغلقًا حتى اللحظة، لا يمكن قراءته فقط من زاوية إنسانية ضيقة، كما يحاول البعض تصويره، بل لا بد من فهمه ضمن سياق سياسي أوسع وأعمق، يرتبط مباشرة بمآلات الصراع في غزة والمنطقة بأكملها.

من وجهة نظري، يجسد هذا الموقف سياسة قومية مدروسة تتصدى بشكل غير مباشر، لكن فعال، لمخططات اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يقوده بنيامين نتنياهو، وبن غفير، وسموتريتش وغيرهم من رموز الغلو والعنصرية. هؤلاء لا يخفون نيتهم المعلنة في إفراغ قطاع غزة من سكانه، وفتح الباب أمام سيناريو التهجير الجماعي، بحيث يصبح القطاع عبئًا تم التخلص منه، وتُمنح حكومة الاحتلال نصرًا وهميًا بالخروج من "مستنقع غزة" بلا تبعات سياسية أو ديمغرافية.

أعتقد أن ما يجري ليس سوى فصل من فصول خطة قديمة جديدة، تقوم على استخدام الحرب كوسيلة لخلق واقع جديد، وإجبار الفلسطينيين على الرحيل تحت وطأة المجازر والتجويع، ثم تقديم مصر كـ"المنفذ الإنساني"، تمهيدًا لجعل سيناء ملاذًا دائمًا، لا مؤقتًا، لأبناء غزة.

ومن هنا، أستنتج أن كل الضغوط الإعلامية والسياسية التي تُمارس على القاهرة، بما فيها السماح لتظاهرات بالظهور أمام السفارة المصرية في تل أبيب، واتهام مصر بأنها من "تحاصر غزة"، ليست سوى محاولات لإضعاف الموقف المصري، وعزله أخلاقيًا أمام الرأي العام العربي والدولي، لتسهيل تمرير مشروع التهجير. الغريب أن من يروج لتلك الاتهامات يتعامى تمامًا عن الجرائم الصهيونية اليومية، التي لم يشهد لها القرن الحادي والعشرون مثيلًا من حيث وحشيتها واستهدافها للمدنيين، أطفالًا ونساءً وشيوخًا.

في تقديري، إن الموقف المصري اليوم يُكمل صمود سكان غزة الذين تحملوا ما لا يُطاق، وثبتوا على أرضهم رغم حرب إبادة متواصلة منذ ما يقارب العامين. دعم مصر لهذا الصمود لا يخدم فقط الشعب الفلسطيني، بل يصب كذلك في صلب المصلحة العربية، وعلى وجه التحديد في المصلحة الوطنية الأردنية، التي ستتضرر بشكل مباشر من نجاح سيناريو تهجير غزة، إن تحقق لا سمح الله.

ففي حال خضعت مصر للضغوط، وسُمح بتهجير الغزيين نحو سيناء، فإن شهوة اليمين المتطرف للتمدد والضمّ لن تتوقف هناك، بل سيتحوّل ذلك إلى مقدمة لشنّ هجمات مماثلة على الضفة الغربية، وفتح الباب واسعًا أمام محاولة فرض "إسرائيل الكبرى" بالقوة والدم.

من هنا، أرى أن الموقف المصري، ورغم ما قد يبدو عليه من قسوة، هو في حقيقته جدار صدّ في وجه مشروع تهويد الأرض، وإلغاء الوجود الفلسطيني عليها. قد لا يروق هذا الموقف للبعض، لكنني أؤمن بأنه موقف شجاع ومسؤول، ويشكّل حلقة مركزية من حلقات الصمود الفلسطيني والعربي في مواجهة ماكينة التطهير والاقتلاع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد