وأنا أحاول إجهاضك

mainThumb

11-08-2025 12:26 AM

أنا لست بخير. أتأمل الأيام وهي تتدفق مني وأرى الأشياء وهي تتغير من حولي. كل يشق طريقه في خريطة الحياة ويبدل موقعه على الرقعة التي اختارها أو قُدرت عليه. وأنا لا أفعل شيئاً، سوى مراقبة الأيام وهي تسقط تحت عجلات العدم مع محاولة هضم الألم. أترنم نغمات الحزن، تائهة بين فصوله الكثيرة فأشعر بأني منفية مشردة من كل سبب يدفعني للتشبث بالحياة، وحيدة، أحاول إيهام نفسي أنك عائد لكن لا مناص من الحقيقة. فهل يعود "الغايب" فعلاً يا فضل شاكر؟
الحياة أساسا قبلك حولتني إلى ساحة عرض، يتنافس فيها الأوجاع من فيهم سيخرج دموعي أولا. إلا أن غيابك ثق بي هو أكثر من استطاع أن ينهشني بهذه الوحشية؛ غرز بي أنيابه ككلب جائع فترك في قلبي حفرةً كبيرة، لن أستطيع ردمها طوال حياتي. كيف استطعت أن تقسو علي هكذا، فتحرمني منك؟

همس الصمت

تناديني أمي لتناول الغداء، فأكتفي بتحريك رأسي إشارةً إلى أنني لا أريد. تسألني: ماذا يحدث معك؟
أغرق في صمتي، لأنني أدرك أنها لن تستطيع أن تفهمني. تتأملني بعينين متعاطفتين، ثم تسألني مباشرةً: هل هو الحب؟
تتغرغر عيناي بالدموع، وأقهقه باكيةً. تنفلت من فمي الكلمات، ساخنةً ومتمردةً: "أحبه كثيرًا ولا أريد خسارته."
لم نكن بهذه الحميمية، أنا وأمي، من قبل أبدًا. أنا من النوع الذي يبني جدارًا سميكًا أمام الناس حتى لا تنجرف مشاعره وتفضحه أمامهم، وربما هي أساسًا من زرع فيّ هذا الطبع.
لم أكن أتوقع منها أن تفهمني أو حتى أن تواسيني، لكنها فعلت بطريقتها الخاصة. لم تطلب مني القيام بأعمال المنزل طوال هذه الأيام، وعندما كانت تغلبني دموعي وأنهار باكيةً بصوت عالٍ، كانت تشغل اليوتيوب وترفع صوت القرآن إلى أقصاه. وحتى أنها تعمدت ألا تسألني عن سبب احمرار عينيّ، واستمررنا أنا وهي في تمثيل مسرحية بعنوان: "كل شيء على ما يرام"

قلبٌ نُهب بصمت

كنت أظن أن عقلي هو المتحكم بزمام الأمور، لكن القلب — يا لمكره — مخادع، يترك الحب ينضج على نار هادئة دون أن نشعر. قبلك، لم أعرف معنى الحب حقًا، كنت أراه في الأفلام وأقرأه عبر القصائد فقط، وفي أحد دروب حياتي ظننته هو، وإن بعض الظن إثم، فقد كان مجرد بروفة ليتدفق لك كل ما أملكه من حب هكذا دون أن ينضب. لقد اعتقدت أنني أتقنت الإحكام على قلبي بعدها، إذ أغلقت كل أبوابي حتى لا يتسرب لي شعور الحب. كنت أجيد وأد كل فرصة حب تأتيني. فكيف تسربت لقلبي؟ كيف جعلتني أحبك؟ كيف جعلتني الآن أجلد نفسي؟

نار الغياب تذوب في صمت الانتظار

"إن مر يوم من غير رؤياك ما يتحسبش من عمري" مقطع كهذا في تمام الرابعة صباحاً؛ دهسني كشاحنة عملاقة، كسّر عظامي، رقص على حثتي بوجه ساخر وأفاض آخر قطرة صبر ومكابرة فيَّ. فمع غيابك اختفت لذات الحياة وأسبابها. لم أعد أجد مبرراً لأي فعل كنت أنوي القيام به. ولم أعد أجد حتى الطاقة لممارسة الأنشطة الطبيعية التي اعتدت القيام بها يومياً، كأنني مكبلة أو مشلولة. لقد شاركتك باندفاعي المعهود كل شيء للدرجة التي لم أعد أتذكر فيها كيف كانت حياتي قبلك.
أفتقدك ملأ السماء والأرض ولوعة حنيني لك نارا تأكلني كل يوم يهدر بدونك. وقلبي يا قلبي ينتظرك لتجف دموعه، وتخمد نار خوفه، وينام قرير العين، خفيف الروح.
فانهر الوحدة يا حبيبي لتبتعد، واجلد الاشتياق بسوط عناقنا!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد