هاكابي والضفة الغربية

mainThumb

07-09-2025 09:58 AM

موقف الإدارة الأمريكية الأوضح، إزاء المشاريع الإسرائيلية لفرض السيادة على أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية، لم يصدر حتى الساعة عن البيت الأبيض أو وزارة الخارجية؛ بل جاء على لسان السفير الأمريكي لدى تل أبيب مايك هاكابي، وليس في مبادرته أيّ عجب.
هذا رجل ينهض ولاؤه لدولة الاحتلال على خلائط الأشغال والعمال والـ«بزنس» في شتى أفانينه، بما في ذلك التهرب الضريبي وخطب ودّ الأجنحة المالية والتمويلية ضمن مجموعات الضغط الأمريكية المناصرة للاحتلال؛ فضلاً عن هوس إسرائيلوي إيمانيّ (زائف في تسعة أعشار مكوّناته المعلنة) نابع من انتمائه إلى تيارات المسيحية الصهيونية المعمدانية.
هو زائر قديم للمستوطنات الإسرائيلية، منذ سبعينيات القرن المنصرم، ومواظب على مديح الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من منطلق اليقين الهستيري بأنّ المستوطنة معجزة من الربّ وهبة إلهية؛ ولا يكاد يسابقه في استخدام تعبير «يهودا والسامرة»، بدل الضفة الغربية، إلا وزراء عنصريون فاشيون أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترش.
تصريحه حول مشاريع فرض السيادة الإسرائيلية (أي الضمّ الفعلي والاحتلال) سار هكذا، في تغريدة على منصة X: «لم يسبق للولايات المتحدة أن طلبت من إسرائيل ألا تطبّق السيادة. ولقد صرّحتُ مراراً بأنّ الولايات المتحدة تحترم إسرائيل كأمّة ذات سيادة ولن تقول لإسرائيل ما يتوجب عليها أن تفعل».
«ألا تطبّق السيادة» شيء، وأن تنتهك القانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية، مثل احتلال أراضي الضفة الغربية، شيء آخر مختلف. وأن يقول هاكابي إن دولة الاحتلال تتمتع بالسيادة، أمر مختلف عن تأويل العبارة بما يسبغ الشرعية على الضمّ والاحتلال، حتى إذا كان أي سفير أمريكي لا يملك فعلياَ الاعتراض، صراحة أو مواربة، على أيّ وكلّ إجراء إسرائيلي.
آيضاً، وليس أقلّ دلالة طبقاً لأعراف السلوك الدبلوماسي على الأقلّ، شاء هاكابي أن يطلق تصريحاته عبر القناة 14 الإسرائيلية، التي لا يُعرف عنها إلا التبعية العمياء لسياسات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو؛ مضيفاً، في أعقاب نشر أقواله، إنه يقدّر وسيلة الإعلام هذه تحديداً، لأنها تقدّم «صحافة مسؤولة».
وقد لا يلوح في واقعة هاكابي أيّ جديد أو طارئ على طبائع العلاقات التاريخية الأمريكية ـ الإسرائيلية، سواء في مستوياتها الرسمية أو «الحكومية»، أياً كان المعنى خلف هذا التوصيف الغائم؛ أو على مستويات أخرى فردية، يبادر إليها هذا المسؤول الأمريكي أو ذاك العضو في الكونغرس، وما بينهما صحافي أو محلل أو خبير…
ولعلّ من المفيد، في هذا السياق، العودة إلى دانييل بايبس، الكاتب الأمريكي الليكودي، الذي ساجل بأنّ العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، لدى الإدارات الأمريكية عموماً وإدارة دونالد ترامب خصوصاً، شديدة الارتباط بجدليات تأثير التيارات الصهيونية المسيحية. وهذا عنده طراز من الصهيونية، وهو «أفضل أسلحة إسرائيل»، بالنظر إلى أهمية مواقف اليمين الأمريكي المسيحي المتعاطف مع دولة الاحتلال، وكيف يتبنى هذا الصفّ مواقف متشددة تبدو خيارات بعض الساسة الإسرائيليين «حمائمية» تماماً إلى جانبها.
تفسيرة البسيط يقول إنّ هذا النسق السياسي ــ الفلسفي يعود بجذوره إلى العصر الفكتوري في بريطانيا، وإلى العام 1840 حين أوصى وزير الخارجية اللورد بالمرستون بأن تبذل السلطات العثمانية كلّ جهد ممكن من أجل تشجيع وتسهيل عودة يهود أوروبا إلى فلسطين. كذلك كان اللورد شافتزبري هو الذي، في العام 1853، نحت العبارة الشهيرة في وصف فلسطين: «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».
ومن بالمرستون وشافتزبري وصولاً إلى هاكابي، لا جديد يمكن أن يبدّل معادلات هذه الجدليات، الصهيو ـ مسيحية قبل أن تكون مسيحية متصهينة كما يتوجب القول؛ ما خلا أنّ معدّلات الابتذال، داخل المعادلة ذاتها، يمكن أن تجمع الانحطاط الأخلاقي مع الاحتيال الضريبي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد