هل انهارت عمالة الاحتلال في غزة

هل انهارت عمالة الاحتلال في غزة

15-12-2025 03:35 PM

أبو رغال، ذلك الرجل الذي خرج مع جيش أبرهة يدله على البيت الحرام الذي أراد هدمه، لم يمهله القدر فمات في موضع يسمى المغمس، فصارت العرب ترجم قبره في ذلك الموضع، وغدا رمزا للخيانة في الذاكرة العربية.
أمثال أبي رغال ما زالوا يتركون بصماتهم الملوثة، يخونون أوطانهم ويتعاونون مع أعدائها، غير مبالين بتلك اللعنات التي يستمطرونها بخيانتهم.
ومن هنا ندرك سر الفرحة العارمة التي غمرت أهل غزة بمقتل ياسر أبو شباب، أبرز عملاء الاحتلال في القطاع، إلى درجة أنهم قاموا بتوزيع الحلوى ابتهاجا بالخلاص منه، على الرغم من قلة المؤنة والزاد.
تعددت روايات مقتله، بين من يقول إنه قتل خلال فض نزاعات عائلية، ومن يقول إنه قتل على يد رجاله، لكن في كل الأحوال، مثّل مقتل أبو شباب ضربة في الصميم لمنظومة العمالة في غزة، بما يطرح التساؤلات حول مستقبل هذه المنظومة بعد مقتله، بوصفه أبرز هذه الشخصيات المتعاونة مع الاحتلال، التي صنعها الاحتلال على عينه للتمكين للعدو الإسرائيلي ببث الفوضى وتفتيت اللحمة الداخلية وعزل المقاومة عن الحاضنة الشعبية، حيث ارتكبت هذه المجموعات جرائم بشعة من قتل وسطو مسلح ونهب للمساعدات الإنسانية التي كانت تدخل القطاع.
واقع مجموعات أبو شباب اليوم، يقول إنها مستمرة، بعد أن تولى مساعده غسان الدهيني مهمة قيادة هذه المجموعات، الذي أصيب في حادث مقتل ياسر أبو شباب، وعولج داخل مشفى إسرائيلي، حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية. إضافة إلى المجموعات التي يتزعمها الدهيني والمتمركزة شرق مدينة رفح، هناك مجموعات حسام الأسطل وشوقي أبو نصيرة شرق خان يونس، ومجموعات رامي حلس شرق مدينة غزة، ومجموعات أشرف المنسي شمال القطاع. هذه العصابات لن تتخلى عن عملها بسهولة حتى بعد مصير أبو شباب، لأن هذه المجموعات قائمة على الرغبة في النفوذ والسيطرة والثروة، كما أن قادتها لن يسلموا أنفسهم بعد ارتكابهم جرائم بشعة بحق سكان القطاع، غير قابلة للإسقاط أو العفو.
لكن مع استمرار عمل هذه العصابات، يمكن القول إن مقتل أبو شباب أبرز الشخصيات المتعاونة مع الاحتلال، يمثل بداية الزعزعة الحقيقية لتلك الكيانات وخلخلتها وإضعافها بما يؤدي في النهاية إلى زوالها، وذلك لعدة أسباب أو عوامل، أهمها:
أولاً، إن هذه المجموعات لم تضع نفسها في مواجهة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، التي ينطلق عملها من الأنفاق، بل وضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع الشعب، بارتكاب جرائم السرقة والنهب والقتل وهندسة التجويع، وأضحت الصورة الذهنية لسكان القطاع عن هذه العصابات أنهم خونة وجواسيس وقتلة، ومن ثم ليس لها حاضنة شعبية مهما ادعت بأنها تعبر عن أحلام شعب غزة.
ثانياً: الموقف العشائري الصلب تجاه هذه المجموعات، فقد أعلنت العشائر التبرؤ من المنتمين إلى هذه العصابات، وبذلك تكون قد رفعت الغطاء عنهم، وبالتالي ظهر فشل هذه العصابات في إيجاد صبغة عشائرية لها، والتي كان يمكن لها أن تدعم موقفهم بشدة. قبيلة الترابين نفسها التي ينتمي إليها أبو شباب، اعتبرت أن دمه طوى صفحة عار، ونشرت بيانا لها قالت فيه، إن مقتله مثل نهاية صفحة سوداء لا تعبر عن تاريخ القبيلة ولا مواقفها، وأنه خان عهد أهله وتورط في الارتباط بالاحتلال.
ثالثا: مقتل ياسر أبو شباب أثار الرعب في نفوس تلك المجموعات، باعتباره أبرز قادة هذه المنظومة، بدليل أنه بعد مقتله ودعوة المقاومة لعناصر المجموعات بتسليم أنفسهم وتسوية أمورهم القانونية والنظر فيها بعين التخفيف، سارع العشرات من عناصر هذه المجموعات بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية. هذا الرعب ربما عبّر عنه الدهيني بأن ابتدأ عهده بتوثيق تصفية لأربعة أشخاص، زعم أنهم ينتمون لحركة حماس، ونشر مشاهد له وهو يقف ضاحكا إلى جوار جثامينهم، في دلالة واضحة على أنه يسعى لطمأنة العناصر التي دب فيها الفزع، بعدما أدركوا أنه لم يعد أحد من كل جواسيس الاحتلال في مأمن.
رابعاً: إن هذه المجموعات لا شيء يجمعها سوى النفوذ والمصلحة، وليست لها هوية فكرية أو سياسية تقاتل من أجلها، والعديد من عناصرها ملاحقون قضائيا، وليس لها هيكل تنظيمي راسخ، وتدخل مع بعضها في علاقات تنافسية لنيل دعم الاحتلال بما يفتح أبواب الخلافات بينها. في مقابل ذلك، تواجه هذه المجموعات أجهزة أمنية متماسكة مدربة جيدا، ولم يمنعها أمد العدوان الإسرائيلي لأكثر من عامين من القيام بمهامها الأمنية بنجاح، ومنظمة ذات هياكل تنظيمية ثابتة، لا تدع مجالا للفراغ القيادي، وتقاتل عن عقيدة ومن أجل حماية الشعب، ومن ثم يأتي هذا التباين مؤكدا على أن هذه العصابات إلى زوال.
تأسيسا على ذلك، يمكن القول، إن مقتل ياسر أبو شباب وإن لم يعتبر نهاية منظومة العمالة، إلا أنه المسمار الأول والأقوى الذي يُدق في نعش هذه العصابات، وبداية حقيقية لتفكيكها وانهيارها.
كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد