الكاتبُ مروِّجا لبضاعتِه
«الكتاب الجديد مثل ماركة جديدة من مسحوق الغسيل. عليك أن تُعرِّف الجمهور به. ما المشكلة في ذلك؟»، هكذا صرّحت مرة جاكلين سوزان التي دخلت روايتها «وادي الدمى» كتاب غينيس للأرقام القياسية كأفضل رواية مبيعا في تاريخ النشر في الولايات المتحدة بقرابة 40 مليون نسخة، رغم أنف النقاد الذين كتبوا مراجعات سيئة ومسيئة في حق الرواية، حتى أَطلقت عليها مجلة تايم لقب «كِتاب الشّهر القذر». ولكن.. ما حلّ هذا اللغز: رواية وصفت بالسيئة تقابلها مبيعات فلكية؟ الجواب في تصريحها الذي افتتحنا به المقال، فقد أدركت جاكلين سوزان بمؤازرة من زوجها أن الكتاب – بغض النظر عن قيمته الثقافية أو وضعه النبيل – هو سلعة، وككل سلعة بحاجة إلى ترويج لتصل إلى المستهلك، فلم تتكل على جهود الناشر التسويقية، بل أحدثت ثورة ترويجية حتى نسب إليها الفضل في ابتكار الجولات الترويجية الحديثة (book tours) التي بقيت لفترة طويلة أفضل وسيلة لتسويق الكتاب، مستلهمة ذلك من عملها في مجال الاستعراض في برودواي وهوليوود. سافرت جاكلين سوزان كثيرا وأجرت عددا لا يحصى من المقابلات التلفزيونية والإذاعية، وأعلنت عن كتبها في كبريات الصحف، حتى قيل إنها كانت تقدم القهوة والكعك لسائقي الشاحنات الذين كانوا يوصلون كتبها إلى نقاط البيع.
قبل هذه الكاتبة ذات الحس التجاري المرهف كان عبء الترويج للكتاب ملقى على عاتق الناشر، يسانده النقاد والصحافيون والمكتبات، ولعقود كان الاعتماد في التعريف بالكتب والدعاية لها من اختصاص الصفحات الأدبية، أو البرامج التلفزيونية المتخصصة في ذلك، حتى تحول هؤلاء المراجعون للكتب إلى سلطة ثقافية تذكّرنا باعتراض الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه على تغوّل برنامج «أبوستروف» الشهير لبرنار بيفو، حتى طالب بـ»التخلص من احتكار اختيار الكتب والكتّاب، الذي يُمنح بشكل تعسفي لرجل واحد، يمارس ديكتاتورية حقيقية على سوق الكتب».
هذه الطريقة في الترويج التي تكاد تكون حصرية، لا تنفي وجود جهود مؤلفين شمروا عن أذرعهم لإيصال كتبهم إلى القارئ، فالشهرة العريضة التي نالها تشارلز ديكنز لم تأت عبثا، فقد كان من أوائل الكتاب الذين انتبهوا لأهمية الترويج لمؤَلَّفاتهم، فكان ينشر رواياته على شكل حلقات شهرية في الصحف خالقا حالة من الترقب والتشويق عند قرائه، ويكفي أن نذكر أنه في بضع عشرة سنة، قدم بأسلوب قراءته المميز، 400 جلسة قراءة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وهناك وسيلة أخرى انتهجها الكاتب الفرنسي ألكسندر دوما فحوّل موهبته في الكتابة إلى معمل أدبي، يبدأ من الفكرة إلى تسويق المنتج، فحين كثر الطلب على رواياته، كان يستعين بمن يقوم له بالأبحاث ويقدم له أحيانا مسودة الرواية ليضع لمساته النهائية عليها، في ما يشبه ورشات الكتابة حاليا، ثم أنشأ مطبعة لطباعة كتبه، وتحوّلت رواياته إلى مسرحيات لتلامس شريحة أكبر من القراء، وبهذه الأساليب المبتكرة أصبحت رواياته مثل «الكونت دي مونتي كريستو» و»الفرسان الثلاثة» مليونية المبيعات.
بقي الكتاب لقرنين من الزمن ينتهجون هذه الأساليب التقليدية في الترويج الذاتي لكتبهم، من تعاون مع الصحافة وحضور ندوات والمشاركة في معارض الكتب لأجل حفلات التوقيع، ومع أن بعض الكتب بلغت مبيعاتها أرقاما كبيرة جدا، إلا أن أغلبها بقي يراوح في حدود معقولة، فالترويج الشخصي من خلال السفر، أو الحضور الجسدي المتواصل مرهق للكاتب وصارف له عن مهمته الأساسية، وإن كانت الغاية إيصال كتاباته إلى القراء والحصول على مردود مجزٍ، غير أن ظهور الإنترنت أحدث – ولا يزال يحدث- ثورة في حياتنا، وفي موضوعنا كان التغيير سريعا جدا وفعالا، ففي بداية الألفية الثانية، بدأت الملاحق التي كانت تخصصها الصحف لمراجعات الكتب تختفي من صحف عريقة كـ»الواشنطن بوست»، وتُخلي مكانها لوسيلة أخرى أكثر فعالية في الترويج للكتب وهي المدونات (blogs)، التي أنهت احتكار النقاد الأدبيين في الجرائد لمهمة عرض الكتب، واكتسب المدونون، سواء كانوا الكتاب أنفسهم، أو قراء شغوفين شعبية واسعة، حيث أصبح باستطاعتهم الوصول إلى عدد كبير جدا حتى من غير القراء، وكانت كتاباتهم وانطباعاتهم مع أو ضد كتاب ما، عاملا فعّالا في ترويجه، ولكن التدوين كان قصير العمر، فبعد سنوات قصيرة اختفت أغلب المدونات أو تحجرت، تاركة مكانها لغول ابتلع كل ما قبله هو «وسائل التواصل الاجتماعي»، وكان ظهور هذا الغول في مصلحة المؤلف، فسرعان ما أتاح فيسبوك وإنستغرام وتويتر – سابقا- منصة للكتاب يصلون فيها إلى قرائهم مباشرة، من دون حاجة إلى جهود دار النشر في الترويج لهم، بل حدث العكس، حيث أصبح الناشرون يلهثون وراء الكتّاب ذوي القواعد الجماهيرية الضخمة في وسائل التواصل الاجتماعي، وبنى بعض الكتاب من أسمائهم علامة تجارية (brand) من خلال الاحتكاك المباشر مع قرائهم، الذين أصبحوا معجبيهم بلغة السوشيال ميديا، بل أصبح عدد المتابعين يتناسب طرديا مع قيمة عقود النشر، لخص ذلك مقال نُشر في مجلة «بابليشرز ويكلي»، جاء فيه «في هذه الأيام، يُعدّ امتلاك قاعدة جماهيرية ضخمة على وسائل التواصل الاجتماعي شرطا أساسيا لإبرام عقد نشر».
هذا الوضع الجديد نشأت عنه فكرة ذكية أثبتت فعاليتها، فبدل أن يروّج الكاتب لكتابه أصبح يروّج لنفسه، يكتب في صفحته الفيسبوكية مثلا، عن أفكاره وطقوسه الكتابية وينشر في أنستغرامه صور كتابه الجديد، أو لقاءاته أو حتى صوره الخاصة، ما خلق حميمية بينه وبين متابعيه فيتفاعل معهم ويلغي المسافة بينه وبينهم، وفي هذه الألفة ترويج مسبق لأي كتاب ينشره، فقد أصبحوا يقرأون كتبه لا لقيمتها الذاتية فقط، بل لمعرفتهم الشخصية بكاتبها، متبعين قاعدة ذهبية بأن «القراء لا يشترون الكتب فحسب، بل يتأثرون بالناس. وإذا لم تحضر أنت، فسيحضر شخص آخر»، وفي تجربة جي كي رولينغ مؤلفة سلسلة «هاري بوتر» النموذج الأكمل لهذه الفكرة، ففي موقع هاري بوتر على الإنترنت تجد عالما قائما موازيا فيه كل ما يشبع فضول المهتم عن الكاتبة، أو عن كل ما يتعلق بعمليتها الإبداعية، وفيه وهذا الأهم ملايين الأشخاص يتشاركون هذا الاهتمام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فجائحة الكوفيد كان لها وجهها الإيجابي على الكتاب، إذ عاد الناس إلى القراءة وظهرت مع هذه العودة القسرية مجتمعات رقمية متخصصة بالكتاب مثل منصتي BookTube وBookstagram ويكفي أن نذكر أن بوكستغرام نُشر فيها 110 ملايين منشور عن الكتب، فنقلت هذه المنصات وضع الكتّاب من حال إلى حال، فقوة هذه الهاشتاغات الترويجية، خاصة بوكتوك الذي وصلت مشاهداته إلى 200 مليار مشاهدة، ودفعت قوته التسويقية متاجر عالمية للكتب الورقية مثل بارنز آند نوبل إلى إنشاء «رفوف BookTok» ليتمكن المتسوقون من تصفح الكتب الأكثر رواجا على التطبيق. ولأخذ فكرة بسيطة عن قوة هذه الوسائل الجديدة في الترويج، نذكر مثال الروائية كولين هووفر، ففي 2019 باعت 6 آلاف نسخة من كتبها فقط، لكن بعد ظهور هاشتاغ #colleenhooverالذي حصد 5 مليارات مشاهدة أصبحت مبيعاتها فلكية بأكثر من مليوني نسخة ورقية.
بعد هذه الثورة المخيفة في عالم الترويج للكتب، يحق لنا أن نتساءل ما نصيبنا في العالم العربي منها، والحقيقة الصادمة أننا لا نزال بعيدين جدا عن المستويات العالمية، رغم أن أغلب الكتاب التقليديين منهم والشباب لهم صفحات ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الكثير من المكرّسين منهم يعتمدون على الوسائل القديمة من عهد ما قبل التكتوك والإنستغرام، بل ما قبل الإنترنت للترويج لكتبهم، مكتفين بما راكموه من قراء في سنوات إبداعهم المديدة، رغم أن بعضهم له قاعدة ضخمة من المعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، فأشهر روائية عربية، وهي الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، رغم أن لديها 14 مليون متابع على فيسبوك وحدها، بالإضافة إلى مليوني متابع آخرين على تويتر وإنستغرام، إلا أنها لا تستغل هذا الحضور الكبير للترويج لكتبها، بل تقول إن «عالم منصات التواصل الاجتماعي لا يشبهني ودخلتُ إليه مكرهة، التكنولوجيا عبثت بالكتاب والمبدعين، وسرقت منهم الكثير من مباهجهم الجميلة»، وكثير من الروائيين والشعراء المشهورين يقاسمونها الرأي السلبي نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن ننفي أن هناك كتابا عربا أحسنوا الاستفادة من هذه الوسائل، وقد كتبتُ في صحيفتنا هذه مرة مقالا عن ظاهرة الروائي السعودي أسامة المسلم، حيث له قاعدة تقارب نصف المليون متابع على إنستغرام أغلبها من جيل ألفا (Generation Alpha) الذين ولدوا في بداية العقد الثاني من هذا القرن، وكذلك الروائي المصري أحمد مراد، الذي يروِّج لأعماله من خلال تفاعله المباشر مع القراء، وطرحِ ما يكتبه في شكل أفكار أو فصول أو حتى مسودات، ما خلق له قاعدة واسعة من المتابعين، ومع هذه النماذج المفردة يبقى كتابنا بعيدين عن استغلال هذه الوسائل التكنولوجية المذهلة، لإيصال كتبهم وأفكارهم إلى أجيال جديدة، نجهل – للأسف- الكثير عن آليات تفكيرها، فهل يمكن تجسير الفجوة أم إنّنا تأخرنا كثيرا؟!
شاعرة وإعلامية من البحرين
الأردن وتركيا يؤكدان ضرورة الالتزام باتفاق غزة
الصفدي يتلقى اتصالاً من لازاريني
افتتاح مشروع تأهيل حديقة محمية الغزلان بلواء المعراض
كذبة سودا خارج مسلسلات رمضان المقبل
طريقة الاعتناء بالشعر في فصل الشتاء
هاني شاكر وخالد سليم يُحييان حفلا لحليم
هدى المفتي: الراجل البخيل دي حاجة وحشة
إطلاق أطول رحلة طيران تجارية في العالم
باراماونت تقدم عرضًا نقديًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز
وظائف في مؤسسة الاقراض الزراعي .. الشروط والتفاصيل
مدعوون للتعيين في وزارة الأشغال .. أسماء
المفوضية الأوروبية تحقق مع جوجل بسبب الذكاء الاصطناعي
وفاة مشهور التواصل السعودي أبو مرداع بحادث مروع
وظائف شاغرة في وزارة العمل والأحوال المدنية .. تفاصيل
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
أخطر الكتب في التاريخ .. هل تجرؤ على قراءتها
توضيح حكومي حول أسعار البنزين والديزل
البدء بإنتاج أول سيارة كهربائية طائرة
ارتفاع جنوني في أسعار الذهب محلياً اليوم
الخطاطبة رئيسًا لجمعية أطباء العيون

