السعودية تتصدر الفنتك

mainThumb

17-09-2025 11:10 PM

شهدت المملكة العربية السعودية في عام 2024 إنجازًا استثنائيًا على صعيد التقنية المالية (Fintech)، إذ تمكنت من تجاوز الأهداف التي وضعتها الاستراتيجية الوطنية للفنتك لعام 2025 قبل موعدها بسنة كاملة.

فقد ارتفع عدد الشركات العاملة في القطاع إلى 261 شركة مقارنة بالهدف الاستراتيجي البالغ 230، وخلق القطاع أكثر من 11 ألف وظيفة مباشرة متجاوزًا السقف المستهدف بنسبة 76%.

كما بلغت قيمة الاستثمارات التراكمية 7.9 مليار ريال سعودي، أي أكثر من ضعف الهدف المحدد. هذا النجاح يعكس قوة التخطيط الاستراتيجي المرتبط برؤية السعودية 2030، والتكامل بين الجهات التنظيمية مثل البنك المركزي وهيئة السوق المالية وهيئة التأمين، إضافة إلى الدعم الحكومي والمستوى العالي من البنية التحتية الرقمية. لقد أرست المملكة نموذجًا متقدمًا في كيفية الجمع بين الابتكار والتمكين التنظيمي لتسريع التحول الرقمي.

رغم هذا الإنجاز العام، شهدت الاستثمارات المعلنة في 2024 انخفاضًا حادًا، حيث تراجعت من 2.7 مليار ريال في 2023 إلى 905 ملايين ريال في 2024، أي بانخفاض نسبته 67%. ومع ذلك، تصدرت شركات الفنتك السعودية المشهد الاستثماري من حيث عدد الصفقات، إذ سجلت 16 صفقة استثمارية جريئة تمثل نحو 18% من إجمالي صفقات رأس المال الجريء في المملكة، وهو ما يجعلها القطاع الأكثر نشاطًا مقارنة بغيره.

تراجع القيمة الإجمالية للاستثمارات لا يعني بالضرورة ضعف القطاع؛ بل يعكس تحوّلًا في سلوك المستثمرين نحو تمويل المراحل المبكرة (Early-Stage)، فقد أظهر التقرير نموًا بنسبة 34% في تمويل هذه المراحل، ما يشير إلى قناعة المستثمرين بأن السوق لا يزال في بداياته وأن الفرصة الكبرى تكمن في الاستثمار طويل الأمد في شركات ناشئة واعدة.

كما اتجهت شركات الفنتك السعودية إلى تنويع مصادر التمويل عبر أدوات بديلة مثل خمسة استحواذات، وطرحين أوليين (IPOs)، وإصدارات صكوك، بالإضافة إلى صفقة تمويل بالدين، وهو ما يعكس تطور السوق وخروجه من الاعتماد الكلي على رأس المال الجريء.

هذا التحول يحمل دلالات مهمة ليس فقط للسعودية، بل للمنطقة بأكملها، إذ يظهر أن قطاع الفنتك السعودي أصبح محركًا رئيسيًا لجذب الاستثمارات الجريئة في الشرق الأوسط، حتى في ظل تقلبات السوق. بالنسبة للأردن، فإن الاستفادة من هذا الزخم يتطلب تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار الجريء عبر حوافز ضريبية وتشريعات مرنة تدعم الشركات الناشئة، وبناء جسور استثمارية مع السعودية لتمكين الشركات الأردنية الناشئة من الوصول إلى صناديق رأس المال الجريء النشطة في الرياض، وتشجيع بدائل التمويل مثل الطروحات الأولية والصكوك بما يوسع قاعدة التمويل خارج قنوات البنوك التقليدية.

يمكن للأردن أيضًا أن يستفيد من التجربة السعودية في عدة مجالات أخرى. أولًا، تسريع الأهداف الاستراتيجية، عبر وضع مستهدفات طموحة لقطاع الفنتك والشمول المالي، مدعومة بمرونة تشريعية وحاضنات أعمال قوية.

ثانيًا، تمكين رأس المال البشري، حيث شكّل السعوديون 71% من العاملين في القطاع، وبلغت نسبة النساء 39%، وهو ما يؤكد دور السياسات الوطنية في تحفيز الكفاءات المحلية. الأردن يمتلك قاعدة واسعة من الشباب المتعلم، لكنه يحتاج إلى توجيه هذه الطاقات نحو قطاع الفنتك بدلًا من اقتصارها على قطاعات تقليدية أو هجرتها إلى الخارج. ثالثًا، تشجيع الاستثمار المحلي والإقليمي وربط رواد الأعمال المحليين بشبكات تمويل خليجية وعربية، وأخيرًا، التركيز على التكامل الإقليمي، حيث يمكن للأردن أن يربط كفاءاته البشرية العالية مع السوق الضخمة ورؤوس الأموال السعودية، لتنشأ منظومة فنتك متكاملة عابرة للحدود.

إن تجاوز السعودية لأهداف استراتيجيتها في الفنتك، رغم تقلبات السوق وتراجع الاستثمارات المعلنة، ليس مجرد إنجاز محلي، بل إشارة واضحة للعالم العربي بأن التحول الرقمي والابتكار المالي ممكنان إذا توفرت الرؤية الواضحة والإرادة التنفيذية. وبالنسبة للأردن، فإن التعلم من هذه التجربة يشكل فرصة لبناء بيئة فنتك متقدمة قادرة على دفع النمو الاقتصادي وتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للتقنيات المالية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد