لمن تكتبون الدارجة
لا أخفي شدة اندهاشي وتعجبي عندما قرأت عن تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، لقاء حول موضوع «كتابة الدارجة». يكمن مصدر الانزعاج في أن موضوعا كهذا يهم جمعية ثقافية تضم زجالين يريدون تجاوز اختلافهم في كتابة قصائدهم، لأن الأكاديمية تتفرغ لموضوعات أهم وأعمق، تهم كبريات المشاكل والقضايا التي يتخبط فيها المغرب منذ الاستقلال ولم تحل إلى اليوم، وعلى رأسها قضية التعليم. ومن عجب أن نجد المسؤولين عنه في التعليم العالي يفكرون في إلغاء حتى «كتابة» بحوث الإجازة والماستر بكل اللغات التي يدرسها الطلبة منذ الاستقلال إلى الآن. فماذا سنكتب بالدراجة؟ ولمن؟
جاؤوا إليه محتجين ومطالبين. فلما سئلوا؟ قالوا: الفيل يا ملك الزمان؟ ولما ساد الصمت، نطق واحد منهم: يحتاج إلى فيلة. فلبى طلبهم على الفور. وجدتني أتذكر هذه الحكاية لأن أصحابنا لم تكفهم فيلة واحدة (مشكلة التعليم) ففكروا في فيلة أخرى. فإلى متى ستظل قضية التعليم تعرف المزيد من المشاكل التي يبدو أنها تستفحل، كلما جاءت وزارة جديدة بمقترحات لا علاقة لها بسابقاتها.
لماذا يفكرون في كتابة الدارجة؟ أليس ثمة مشاكل وقضايا تهم المغاربة أكثر من هذه اللاقضية؟ إن الذين خرجوا في الربيع العربي كانوا يطالبون بالحرية والديمقراطية، إسوة بما وقع في أقطار عربية أخرى. وها شباب اليوم يخرجون بالمطالب عينها، وقد تجسدت في التعليم والصحة والغلاء. إن مطالب الشعب الحقيقية لا تتعلق بمن نحن؟ ولا ما هي هويتنا؟ ولا ما هي اللغة التي علينا أن نكتب بها؟ إن عبارة «احنا المغاربة» دالة على أن المغرب له تاريخ ثقافي وحضاري، وهوية ثقافية تاريخية، لا يشكك فيها إلا من يفكر في تهميش القضايا الحيوية التي تهم المواطن المغربي في حياته اليومية، وعلى رأسها تعليم يرقى بأبنائه، وصحة يواجه بها أعطابه، وعمل شريف يحصل به على قوت يومه، وسكن يليق به. هذه القضايا مشتركة بين الجميع، ولا فرق فيها بين المغاربة أيا كانت أصولهم، أو أهواؤهم الأيديولوجية. يحقق المغرب اليوم منجزات وطنية كبرى نفتخر ونعتز بها، لكن ربطها بسعادة المواطنين، وتحقيق مطالبهم الحيوية، بدل مواجهتها بالاستنكار والعنف، يجعل المغرب نموذجا يحتذى به على المستويات كافة.
إن تدريس مختلف المواد باللغة العربية والفرنسية التي تربينا عليها منذ الاستقلال، يطرح علينا مشاكل لم نجد لها حلا. والسبب في ذلك هو أن المشكل ليس في اللغة، ولكن في السياسة التعليمية التي انتهجناها. فهل كتابة الدارجة ستحل لنا مشكل التعليم؟ وهل ترسيم الدارجة، والتدريس بها هو ما ينقصنا لحل مشكلة صارت أزلية؟ أم أننا نبحث عن فيلة ثانية؟ لنساير أصحابنا في ما يذهبون إليه. علينا التفكير في كتابتها، وعلينا التفكير في الحرف الذي نكتبها به، وأقترح ألا نكتبها بالحرف العربي، لأنها كما يزعم بعض هؤلاء الأصحاب أنفسهم لا علاقة لها بالعربية، لأنها أمازيغية معربة. وما دامت الأمازيغية اختارت التيفيناغ، فالدارجة علينا ان نختار لها الحرف اللاتيني لسبب بسيط هو أنه ملائم صوتيا، والكثير من مفرداتها إسبانية أو فرنسية، والآن دخلتها الإنكليزية. وتبقى الفرنسية والعربية على حالهما كما كانتا، وبذلك نكون قد استجبنا لروح الدستور الذي يقر بالتعدد.
إلى جانب الحرف تبقى مسألة تعدد لهجات الدارجة، ولعل ابتكار «دارجة معيار» هو الحل. فبدل أن نظل نقول: خيزو أو الجعدة، والخرشوف أو القنارية علينا أن نوحد المفردات المختلفة باختلاف المناطق، ونصنع المعجم الذي يوحد الدارجة، ولا يبقيها متفرقة بين الجهات. وبذلك نضمن الوحدة اللغوية ونتجاوز كثرة الاختلافات وعدم التواصل بين المغاربة؟ وما دام المكون العبري جزءا من مكونات المغرب يمكننا الاجتهاد في الاستفادة منه صوتيا في تطوير الدارجة باستبدال السين شينا، وبذلك نكون نحترم الاختلاف، ونؤكد الاعتراف بكل ما يتشكل منه المغرب وما يعرفه من تنوع. وعلى غرار المعهد الملكي للأمازيغية علينا استحداث معهد للدارجة المغربية يكون من بين أهدافه إرجاع الأمور إلى نصابها، عبر القطيعة مع كل ما يتصل بالعربية تأكيدا للخصوصية المغربية الخالصة، والارتباط بالعصر عبر توثيق العلاقات مع اللغة الفرنسية التي حاربتها الحركة الوطنية، التي عربت المغرب متجاهلة أصوله العريقة.
إن ما يتجاهله من يدافع عن «كتابة الدارجة» هو أنها شفاهية، وهي متنوعة، حسب المناطق والجهات، وتتطور باستمرار شأنها في ذلك شأن كل اللغات الشفاهية. إذا كانت ثمة مبررات لترسيم الأمازيغية حفاظا عليها من الانقراض، وهناك لهجات أمازيغية قيد الانقراض للأسف، وثقافتها معرضة للضياع، واحسرتاه! فما هو مبرر كتابة الدارجة، وثمة لغة كتابية يستعملها المغاربة منذ قرون؟ ماذا سنكتب بهذه الدارجة؟ ولمن؟ إن الدارجة المغربية عربية الأصول والجذور، وكل من يقول عكس ذلك بدعوى أن التعريب وليد الحركة الوطنية، وأنه حديث، يجانب الصواب. كما أن ادعاء كون المشارقة لا يعرفون الدارجة المغربية، لا علاقة له بدعوى «أمازيغيتها». فالدارجة العربية في المغرب لا تختلف عن نظيراتها في كل شمال افريقيا، ولها تاريخ طويل يرتبط بوثوق بالعربية الكتابية. فالملحون، مثلا، ظهر في المغرب منذ العصر الموحدي.
لو عاد منظمو لقاء «كتابة الدارجة» إلى المقدمة التي كتبها العلامة محمد الفاسي حول «كتابة الملحون»، في الجزء الأول من المعلمة، وهي من منشورات أكاديمية المملكة المغربية لوفروا على أنفسهم العناء والكلفة. ولو اطلعوا على التقديم العميق الموقع باسم الأكاديمية حول العمل الذي ينبغي القيام به لتدوين التراث الشفاهي المغربي، وسطروا برنامجا للاشتغال في ضوئه لقدموا خدمة جليلة للتراث الشفاهي المغربي (العربي والأمازيغي) المهدد بالزوال، ولكانوا بذلك في مستوى ما يتطلع إليه المغرب، ليس فقط في بنياته التحتية، ولكن الفوقية أيضا.
كاتب مغربي
الملكية الأردنية وزين تطلقان خدمة بلغة الإشارة في المطار
إحباط تهريب مخدرات بواسطة بالونات بدائية
سامر إسماعيل يقود بطولة اليتيم في رمضان 2026
فلكيون أردنيون ينجحون في تصوير سديم الدمبل
مايكروسوفت تعزز أمان إيدج بميزة جديدة
الرفق بالحيوان تدعو لوقف قتل وتسميم الكلاب الضالة
تصريحات ترامب تربك المرضى بشأن باراسيتامول واللقاحات
الغذاء والدواء تستعد لموسم زيت الزيتون
OpenAI تطلق وكيل تسوق ذكي ينافس جوجل وأمازون
إحباط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة مسيّرة
محمد منير يتحدث عن أزمته الصحية وسفره إلى ألمانيا
الاحتلال يغلق آخر ممر متاح من جنوب غزة إلى الشمال
الأحزاب والمالية تشيدان بخطاب الملك بالأمم المتحدة
خدمات الأعيان تتابع تنفيذ إستراتيجية النقل العام
الزراعة النيابية تؤكد أهمية فتح أسواق خارجية وتعزيز الأمن الغذائي
عطية يطالب الحكومة بتجميد قرار رفع الرسوم الجامعية في جامعة مؤتة
دراميات صانعي السلام .. إنقاذ اليهود
تشكيلات أكاديميّة واسعة في الأردنيّة .. أسماء
هل يُعدّ الباراسيتامول خياراً آمناً للنساء الحوامل
حقيقة مغادرة الوفود خلال كلمة نتنياهو .. فيديو
ارتفاع أسعار الذهب محليًا وعيار 21 يتجاوز 75 دينارًا
يزن النوباني يعتذر عن التعاقد مع التلفزيون الأردني
الشرايري: أقف أمام مسؤوليات جسام ولن أنحاز إلا للكفاءة
شطب محامٍ توكل عن شركات إسرائيلية ضد شركة محلية