التعليم بين زمن المعرفة وزمن المهارة: أزمة التحول في الجامعات العربية
السوسنة - لم يعد التعليم في القرن الحادي والعشرين مجرد تلقينٍ للمعرفة أو اجتيازٍ للامتحانات، بل أصبح منظومة متكاملة لتكوين الإنسان القادر على الفعل والإبداع في بيئة تتغير كل يوم. فالعالم يسير بسرعة مذهلة، تتبدل فيها الوظائف، وتتجدد المهارات، وتتشكل اقتصاديات جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، بينما لا تزال معظم جامعاتنا العربية عالقة في نموذجٍ تقليدي لا ينسجم مع هذا التحول العميق.
تكمن الأزمة الحقيقية في الفجوة الواسعة بين النظرية والتطبيق، إذ ما زال التعليم العربي تعليمًا نظريًا في زمنٍ عملي. يخرج الطالب من قاعة الدرس محمّلًا بالمعلومات، لكنه عاجز عن ترجمتها إلى مهارة أو حلٍّ واقعي. في المقابل، أصبحت الجامعات المتقدمة تقيس جودة التعليم بمدى قدرة الخريج على التطبيق والإبداع، لا بكمّ الحفظ أو بطول المناهج. هذه الفجوة تجعل من الخريج متلقيًا لا مبدعًا، وشاهدًا على التقدم أكثر منه مشاركًا في صنعه.
ويزداد عمق المشكلة حين ندرك أن العالم يعيش تغيرًا سريعًا في بيئة العمل والمعرفة. ففي عصر الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، تتبدل المهارات المطلوبة كل عامين تقريبًا، و70% من وظائف المستقبل لم تُخلق بعد، ومع ذلك ما زالت المناهج الجامعية تُدرَّس وكأننا في تسعينيات القرن الماضي. الاقتصاد الجديد لا يحتاج إلى حافظٍ جيدٍ للمعلومات بقدر حاجته إلى متعلمٍ مرنٍ، قادرٍ على التكيف والتعلم المستمر والتفكير النقدي والإبداع التقني.
وفي هذا السياق، لم تعد التكنولوجيا ترفًا أو أداةً مساعدة، بل أصبحت شرطًا أساسيًا لأي تعليم حديث. فهي ليست شاشة عرض أو منصة إلكترونية فحسب، بل بيئة تفكير جديدة تتيح للطالب اختبار المفاهيم عمليًا، وتحليل البيانات، وابتكار الحلول باستخدام أدوات حديثة مثل Excel وPython وPower BI ونظم المحاكاة التفاعلية. لكن معظم جامعاتنا ما زالت تستخدم التكنولوجيا في حدودها الدنيا، دون أن تجعلها جزءًا أصيلًا من المنهجية التعليمية وأسلوب التفكير الأكاديمي.
وما يعمّق الأزمة أكثر هو تمسك العديد من المؤسسات التعليمية بالمناهج التقليدية، التي تعتمد على المراجع القديمة وأسلوب المحاضرة أحادية الاتجاه. المطلوب اليوم أن تتحول قاعة الدرس إلى مختبر فكري يقوم على النقاش والتجريب والتعلم بالمشاريع، بحيث يصبح الطالب فاعلًا لا متلقّيًا، ويُدرَّب على البحث والاكتشاف، لا على التلقين والتكرار. فالتعليم الحديث لا يُعنى بإيصال الإجابة بقدر ما يهتم بصناعة العقل الذي يعرف كيف يطرح السؤال الصحيح.
ومن هنا تتضح الفجوة بين التعليم وسوق العمل. فالكثير من الخريجين يواجهون صعوبة في الانتقال من قاعة الدراسة إلى ميدان التطبيق العملي، بسبب غياب الشراكات المؤسسية بين الجامعات والقطاع الخاص، وضعف برامج التدريب الممنهجة التي تُدمج الطالب في بيئة العمل أثناء دراسته. والنتيجة أن معظمهم يحتاج إلى إعادة تأهيل قبل أن يبدأ حياته المهنية، وكأن سنوات الجامعة لم تكن سوى مرحلة نظرية معزولة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
ويُعد عضو هيئة التدريس محور هذا التحول المنشود. فالأستاذ الجامعي لم يعد مجرد ناقلٍ للمعرفة، بل موجهٌ وباحثٌ ومصممٌ لبيئة تعلم محفزة. إن تطوير قدرات أعضاء الهيئة التدريسية على استخدام التكنولوجيا، وتبني أساليب التعليم التفاعلي القائم على المشاريع والبحث التطبيقي، يمثل الخطوة الأولى نحو أي إصلاح حقيقي. فالمناهج المتطورة لا تصنع فرقًا ما لم يكن القائم على تنفيذها مؤمنًا بفلسفتها ومتمكنًا من أدواتها.
لكن كل ذلك يبقى محدود الأثر في غياب سياسات تعليمية واضحة ورؤية وطنية موحدة. فغياب الاستراتيجية يجعل جهود التطوير مجزأة وغير مستدامة. نحن بحاجة إلى خطة عربية شاملة للتعليم الجامعي الرقمي، تربط بين التعليم وسوق العمل والابتكار والبحث العلمي، وتحول الجامعات من قاعات تدريس إلى منصات إنتاج معرفي وتقني. الإصلاح الحقيقي لا يكون بإضافة مساقات جديدة، بل بإعادة صياغة فلسفة التعليم نفسها.
لقد تغيّر مفهوم التفوق في العالم؛ لم يعد يُقاس بعدد الشهادات أو تراكم المعلومات، بل بمدى القدرة على تطبيق المعرفة وتحويلها إلى مهارة وإنتاج. فالتعليم الحديث يقوم على الكفاءة، أي على قدرة الفرد على تحويل ما يعرفه إلى عملٍ ذي قيمة. من هنا يجب أن تتحول الامتحانات من حفظٍ للمعلومة إلى قياسٍ للمهارة، وأن يصبح الإبداع العملي هو معيار التفوق الحقيقي.
إن التحدي أمام الجامعات العربية اليوم لا يقتصر على اللحاق بركب العالم المتقدم، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تعريف دور التعليم ذاته: أن يصنع إنسانًا قادرًا على التعلم مدى الحياة، يمتلك أدوات التفكير والبحث والإنتاج في عالمٍ متغيرٍ لا يعرف الثبات. وعندما ننتقل من التعليم من أجل الشهادة إلى التعليم من أجل الحياة، عندها فقط يمكن القول إننا بدأنا طريق الإصلاح الحقيقي.
رونالدو يقترب من الألفية ويقود البرتغال لتفادي الخسارة أمام المجر
إيطاليا تسحق منتخب الاحتلال بثلاثية وتؤكد دعمها لفلسطين
إسبانيا يبدع برباعية ويحلّق نحو كأس العالم
رباعية تركية تضيء طريق المونديال وتخطف الأضواء
المخادمة يتألق في قيادة قمة السعودية والعراق
ارتفاع عدد المصابين في حادثة التسرب الكيميائي بالعقبة إلى 43
إنجلترا تسحق لاتفيا وتتأهل لكأس العالم 2026
تعادل بطعم الانتصار .. السعودية تحجز مقعدها في مونديال 2026
الملك وميلوني يؤكدان أهمية تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب في غزة
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلم الصليب الأحمر جثامين 4 أسرى
مقترح نيابي لتعويض ضحايا عضات الكلاب الضالة
ترامب: سنتكفل بنزع سلاح حماس إذا رفضت التخلي عنه
الإفراج عن متهمين بقضية الدرونز .. أسماء
القطاع الحكومي يعلن عن برنامج توظيف شامل .. رابط
الجمارك: تطبق التحول الالكتروني الشامل لكافة الطلبات والمعاملات
رئيس مجلس أمناء الكلية الجامعية للتكنولوجيا يلتقي الهيئة التدريسية
إعلان أوائل الشامل للدورة الصيفية 2025 .. أسماء
تقدم وإرادة تبحثان تعزيز العمل الكتلوي بعد الاندماج
اكتشاف جيني يمهد لعلاج جذري لمرض السكري
اليرموك تقفز 400 مرتبة في تصنيف التايمز العالمي 2026
السابع من اكتوبر ولاعب الجودو بوتين
الأسرة النيابية تبحث سبل تمكين المرأة
لجان وكتل نيابية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة
الهاشمية تنظم مؤتمرها الطبي الدولي الثاني حول الذكاء الاصطناعي