رعب قادة المليشيا

mainThumb

19-10-2025 01:57 PM

إن أكبر تأثير مألوف للهزائم المتلاحقة التي تعصف بمليشيا آل دقلو، هو تلك البلبلة التي أخرجتها من النظام إلى الفوضى، فقد باتت لا تصبر على معمعة، ولا ترغب في نضال، ولا تطمئن إلى عمل، ولست أجهل مطلقاً بأن هناك كثيراً من الساسة اعتقدوا، وما زالوا يعتقدون، بأن قادة هذه المليشيا المارقة، سيفلحون في تقويم مسارها، أو تنظيمه، هذه الطائفة من الساسة التي دعمت كل مستبد مسلح، من أجل اقامة مركزية دولتهم العلمانية الاستبدادية، الباهظة التكاليف، جهلت أن قادة هذه المليشيا، قد وقفت بهم قناعاتهم، لأن يجروا تغييرات مفاجئة في طاقم حراساتهم الشخصية، كلما امتزج الخوف بالروح، وغمر الرعب جوانب النفس، بسبب انتصارات القوات المسلحة المتتالية، التي دللت أنها كانت وما زالت القوات الباسلة التي تطيح بكل العوائق، وتقفز فوق كل الأهوال، من أجل أن تحمي بيضة الوطن ، وفي الحق أن هذه التغييرات التي تطرأ على الأطقم العسكرية المعنية بحماية قادة الدعم السريع من الاستهداف، ليست مجرد فعل ساذج، تستدعيه ضرورات الهيجاء، ولكنه مؤشر بالغ الأهمية، على هشاشة هذه المليشيا، التي تحتدم فيها الصراعات القبلية، فهاهو قائدها "عبد الرحيم دقلو" الذي تفهم القوات المسلحة السودانيه من أمره ما لا يفهمه الناس، يستبعد في مدينة نيالا جنوب دارفور- كما أشارت بعض التقارير الصحفية- أفراداً من حرسه الشخصي، ينتمون إلى قبيلة الرزيقات، ويستعيض عنهم ببعض العناصر من قبيلة الفلاتة، هذه التغييرات ترسم خطوطاً عريضة تتجاوز المفاهيم التي تسعى أن تبرهن بأن العلاقات الاجتماعية داخل المليشيا الممقوتة قوية ومتجانسة، وتميل إلى الاعتراف بوجود نزاعات شائكة جمعت أواصر العداوة والبغضاء بين مكونات الدعم السريع.
ونزعة الكراهية هي نزعة قديمة تركت أثرها في مصفوفة الدعم السريع، وليست هي نزعة طرأت عليها بعد أن أفلح جيشنا الجسور من أن يجعلها مسجية فعلا تحت طائلة الفناء، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن جوهر العلاقات الاجتماعية السائدة بين أوساط هذه المليشيا، إلا في نطاق تمظهر هذه المماحكات القبلية، فنحن نعدها نموذجاً صارخاً للقوات الغير متآلفة، والقوات المسلحة التي دحضت فلسفة المنظومة المتمردة وأزاحتها، من المحال التوهم بأن فلسفتها يمكن أن تذهب إلى ما ذهبت إليه فلسفة الدعم "الصريع" ففلسفة القوات المسلحة السودانية، تختلف من حيث مضمونها وبنيتها، مع هذه الاعتبارات المقيتة التي استخفت واستهانت بما يثبت حولها النور والسحر، فالقومية هي الوسيلة الوحيدة التي تدفع الجند لأن يتساموا عن غرائزهم، وانتمائتهم الفكرية والعرقية، ويسعوا للذب عن بلد ومجتمع وثقافة.
إن الضراوة التي انتفى معها احترام القوانين البشرية في الحروب، تخبرنا عن الشكل البدائي التي تشكلت منه كينونة الدعم السريع، التي خلت من أي شكل من أشكال الوعي الايديولوجي، فهذه الكينونة تمجد الوحشية، وتشيد بها في تراثها الشعبي دون تحفظ، والبطش أو الوحشية التي نعدها مساراً متماثلاً، تلجأ إليه المجتمعات البدائية التي ترسم خطوطها الأساسية الحاجة والتفاعل مع وطأة الحياة وقسوتها، تحتفي بالبربرية والهمجية في غزواتها، وتعلي من كعب العصبية، التي تحققت فيها حصراً، لأنها تعجز عن ادارة شؤونها بدونها، فمثل هذه المجتمعات المتخلفة العجفاء، لا يمكن أن تعمل بطريقة مستقلة ومطلقة، دون أن تحتوي مفاهيمها المحضة على فكرة العصبية التي سوف تتداعى منظومتها الشاملة إذا هي أسقطتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد