من قصص الخيال البوليسي

mainThumb

26-10-2025 12:27 PM

جريمة على شاطئ العشّاق

الفصل الثالث
الجثّة

كان المساء يزحف ببطء نحو الشاطئ، والنسيم البارد يهمس كأنه يحمل سرًّا لم يُفشَ بعد.
امتزج صوت الموج بوقع خطواتٍ أنثويّة متعبة تتردد فوق الرمال المبلّلة، بينما كانت السماء تميل إلى رماديةٍ باهتة تنذر بليلةٍ غير عادية.
لم يكن في الأفق ما يوحي بالخطر، سوى ذلك الصمت الغريب الذي يسبق عادةً الكارثة.
كانت هدى ومنى تظنّان أن المساء سيمضي كأيّ نزهةٍ عابرة... لكنّ القدر كان يخبّئ لهما مشهدًا لن تمحوه الذاكرة.
مشهدًا سيحوّل نزهة الرياضة البسيطة... إلى بداية جريمةٍ جديدة على شاطئ العشّاق.

يا الله... وكأنني لم أتحرك منذ زمن طويل! ما الذي حدث؟ لقد تعبت...
كانت هدى تلهث وهي تجلس على أقرب مقعد فارغ، تتنفس بصعوبة، وعيناها نصف مغمضتين من الإرهاق، وقالت بنبرة يغمرها الضجر:
– لا زلتُ أرغب في النوم... كنت مستمتعة بلذّته حتى أيقظتِني بعنف!

التفتت إلى منى التي كانت تسبقها بخطواتٍ ثابتة وقالت:
– أتدرين؟ كنتُ أحلم أننا في باريس، عاصمة الموضة والجمال، نتنقل من متجرٍ إلى آخر، نحمل أكياسًا فاخرة كما تفعل نجمات السينما والمطربات العالميات...

ابتسمت منى بسخريةٍ خفيفة وأجابت:
– طيب يا مولاتي، دعينا نكمل رياضتنا أولًا، وبعد أن نعود إلى المنزل يمكنكِ أن تواصلي حلمكِ بكل أناقة فوق وسادتكِ المخملية.

لكن قبل أن تكمل حديثها، أطلقت منى صرخةً مكتومة:
– هدى! انظري إلى حيث تجلسين... هناك يد... يد ممتدة نحونا! لا أدري إن كنتُ أتوهم أم أنّها يدٌ حقيقية!

فزعت هدى، وارتجفت وهي تنهض بسرعة:
– يا إلهي! يد؟! أمزاح هذا أم كابوس جديد؟ يا ربّي، لماذا اخترتُ صداقة شرطية؟ تخرج لي الجثث من تحت المقاعد بدلًا من أن تصحبني إلى عروض الأزياء! كان عليّ أن أختار صديقة من نجمات السينما... على الأقل كنا سنسافر إلى باريس بدلًا من هذا الشاطئ الموحش!

ثم أضافت بخوفٍ مرتجف:
– منى... هل تتحدثين بجدية؟ أم أنّكِ فقط تحاولين إرغامي على مواصلة المشي؟

اقتربت منى بحذر، وأزاحت أوراق الشجر اليابسة التي كانت تغطي الشيء الغامض. وما إن كشفت عنها حتى تجمّدت في مكانها. كانت هناك يد بشرية حقيقية تمتد من بين الأعشاب الرطبة.

رفعت منى يدها المرتجفة، ولمست نبض الضحية... لكن الجسد كان بارداً كالثلج. اتسعت عيناها رعباً، وقالت بصوتٍ متهدّج:
– يا إلهي... إنها جثّة!

جثّة ملقاة على شاطئ العشّاق.

اقتربت هدى بخطواتٍ مترددة، ثم جثت على ركبتيها تحاول رؤية الوجه، وحين انكشف أمامها... شهقت شهقةً حادة، وارتجف جسدها كله وهي تصرخ:
– عبدالعزيز!!

وانفجرت بالبكاء قائلة بصوتٍ متقطع:
– قتلوا عبدالعزيز... خطيبي!

في تلك اللحظة، ساد صمتٌ ثقيل، لم يقطعه سوى صوت الموج وهو يضرب الصخور بقسوة.
رفعت منى رأسها تنظر إلى الأفق، ثم أخرجت هاتفها من جيبها واتصلت بقسم الشرطة، وصوتها يرتجف بين الخوف والواجب:
– هنا الملازم منى بنت سليمان... لدينا جثّة على شاطئ العشّاق. أرسلوا فريق التحقيق فورًا.

وقبل أن تُغلق الهاتف، رمقت وجه صديقتها المذهولة وهمست لنفسها:

> "البحر لا يُلقي جثثه عبثًا... لا بد أن وراء هذه الأمواج سرًّا غارقًا ينتظر أن يُكتشف."



يتبع...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد