المغرب يمهّد لتفاوض مثمر والبوليساريو تغذي الجمود

mainThumb

11-11-2025 03:06 PM

بعد أن حدّد قرار مجلس الأمن 2797 الأخير سقف الممكن السياسي نحو حل واقعي ومقبول من طرفي النزاع في ملف الصحراء الغربية، يتساءل عديد الملاحظين عن سيناريو المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو. كيف مستهلّها؟ وكيف يمضي مسارها؟ والأهم من ذلك مآلها، هل ستفضي إلى ما ترجوه الأمم المتحدة وما يقتضيه منطق التفاوض من تثبيت للحلّ السّلمي وقبل ذلك ما ترجوه شعوب المنطقة من أمن وسلام وتكامل اقتصادي؟ أم أنّ هناك من المعيقات والمعوّصات ما قد يعصف بالمسار إن كُتب له أن يبدأ؟
ففي الوقت الذي رحّبت فيه المملكة المغربية بالقرار الأممي واعتبرته انتصارا للعقلانية التي يفرضها طرح الحكم الذاتي في هذا الملف، وعبّر عنه العاهل المغربي بـ “لا غالب ولا مغلوب”، فإن جبهة البوليساريو اختارت المناورة من خلال إعلان قبولها طرح التفاوض مبدئيا مع قرنه بشرط الاستفتاء، أي لا تفاوض حول الحكم الذاتي دون استشارة الصحراويين حول قبوله من عدمه.
ردّ البوليساريو على القرار هو في الحقيقة محاولة لإعادة طرح إشكالية قديمة متجدّدة باعتبار أن الاستفتاء هو من عوامل الجمود في ملف الصحراء الغربية الذي سعت المملكة المغربية إلى كسره بطرحها لمقترح الحكم الذاتي سنة 2007، فقد ثبت أن الأمر مستحيل تقنيا. كما أنّها لا تعدو أن تكون محاولة من قيادة البوليساريو للتنصّل من عبء المفاوضات من خلال التواري وراء حجاب التشاور الديموقراطي وتغليب سلطة الشعب.
فيسوغ إذن أن تواجه قيادة البوليساريو بالسؤال، أي حديث عن الاستفتاء والجبهة ترفض منذ عقود إحصاء سكان المخيمات؟ ثم، الذي حاز الأهلية ليُستفتى في قبول التفاوض من عدمه أولى له أن يُستفتى في اختيار قادته، إذ لا يخفى على أحد كيف يُفرض زعيم البوليساريو فرضا وكيف يكون مصير من يعارضه. إن الخيار الديموقراطي إرادة ممحوضة للشعب وهي مكمن قوّته، حيث لا مجال للعب ورقة دون أخرى ولا مجال للتدليس بأن يكون الخطاب في واد والممارسة في واد آخر وكما يقول المناطقة “المتناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان”. ربّما كان ذلك ممكنا في أزمنة تبدو لنا اليوم سحيقة وغابرة من هول ما نراه من تطوّر تكنولوجي يحبس الأنفاس.
وعلى النقيض من تعامل البوليساريو مع القرار الأممي، فإن المغرب بادر منذ تصويت مجلس الأمن إلى ترحيبه بالتفاوض معتبرا أنها فرصة واعدة للسلام ولتحقيق أماني شعوب المنطقة في مغرب كبير مزدهر ومتكتل. بل إنّ ملك المغرب ألقى خطابا في اليوم ذاته أكدّ فيه أنّ لا فرق بين مغاربة تندوف ومغاربة الداخل، مجددا دعوته لسكان المخيمات بالعودة إلى وطنهم. وهي إن لم تكن ضمانة من أعلى سلطة في البلاد من أجل تمتيع العائدين بحقوقهم كاملة غير منقوصة وتدبيرهم لشؤونهم وفق ما ينصّ عليه نظام الحكم الذاتي، فهي على الأقل تعبير عن نية حسنة ودعوة لطي صفحة الخلاف والتعامل مع ما يُستقبل من المستجدات بروح إيجابية.
واستكمالا لهذا النهج الإيجابي وإعمالا منه للمقاربة التشاركية في حسم الملفات الاستراتيجية، أمر ملك المغرب أمسِ مستشاريه بعقد اجتماع تشاوري مع رؤساء الأحزاب بحضور وزيري الداخلية والخارجية من أجل تناول جميع المقترحات بشأن تحيين مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، حيث يستعد المغرب لتقديم خطة تفصيلية لتنزيل الحكم الذاتي إلى الأمم المتحدة، وهي خطوة توضّح مدى التزام المغرب بالقرارات الأممية واحترامه للقانون الدولي ونيته في الدفع نحو حل واقعي قابل للتطبيق من خلال المفاوضات. حيث ينتظر أن تخرج المشاورات بتصور واضح حول الآليات المقترحة لضمان نقل فعّال للسلطات والصلاحيات التنفيذية والتشريعية وتدبير محكم للموارد المحلية.
يُشهد للمغرب في هذا الصراع بالصبر وطول النفس، ولكن يُشهد له كذلك بإحكام العقل والرزانة السياسية وبأنه استفرغ الوُسع في الدعوة إلى الحلّ السلمي الأكثر واقعية، فهو بذلك يحققّ مكسبين: كسر جمود القضية ودفعها نحو الحل النهائي من خلال سدّ ذرائع جبهة البلويساريو وجعل قادتها يبدون كأنهم يعانون من تكلّس سياسي وفكري وسط منتظم دولي يأس من طول الصراعات وتجددّها. وترسيخ رؤيته المستقبلية لمنطقة مغاربية آمنة ومندمجة مع محيطها الأفريقي في إطار وفاق استراتيجي ممتدّ عنوانه التكامل بدل التصادم.

 

* باحث في الشؤون السياسية من موريتانيا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد