بأي عين ننظر إلى كأس المغرب

بأي عين ننظر إلى كأس المغرب

26-12-2025 12:29 AM

في المغرب كأس ذو وجهين. لا نتحدث هنا عن كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم التي تجري أطوارها حاليا، ولكننا نتحدث عن كأس مجازية، ننظر إليها حينًا بعين الرضى فنراها ممتلئة، وننظر إليها حينًا آخر بعين السخط فنجدها فارغة.

وكما قال الإمام الشافعي: “وعين الرضا عن كل عيب كليلة… ولكن عين السخط تبدي المساويا”.

المسألة، إذًا، مرتبطة بزاوية النظر. وإذا كان من مزيّة للبطولة الأفريقية المقامة حاليا في عدد من الملاعب المغربية وتتابعها الجماهير عبر القنوات التلفزيونية المتخصصة وكذا عبر الشاشات الكبرى المنصوبة في “ساحات المعجبين”، فهي أنها أتاحت إعادة اكتشاف المغرب بعيون آخرين من خارجه. لكنهم ليسوا أي “آخرين”، بل هم جيراننا وراء الحدود الشرقية. وآية ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي صارت حبلى بـ “الفيديوهات” و”اللايفات” و”ستوريات” التي يصوّرها مشجّعون جزائريون انطلاقًا من بعض المدن المغربية التي تجري فيها مقابلات القمة الرياضية الأفريقية.

واللافت للانتباه أن الصور والمحتويات التي يقدّمها مدوّنون و”يوتيوبرز” جزائريون تفصح عن إعجاب كبير، يصل إلى حد الانبهار، بشوارع المدن المغربية وحدائقها وملاعبها ومطاعمها ومواصلاتها العامة، ولكن، وهذا هو الأهم (بما أن بناء الإنسان يسبق تشييد البنيان)، يكشف ذلك المحتوى عن حجم الحفاوة التي يخصّ بها الشعب المغربي الزوار/ الجيران.

أحد المؤثّرين الجزائريين اختار خوض تجربة ميدانية، إذ حمل راية بلاده وتزيَّى بوشاح يحمل ألوان العلم، ليختبر ردود فعل المواطنين المغاربة، وما إن شرع يتجول ماشيا بينهم، حتّى صار يسمع عبارات الترحيب، ويرى في ملامحهم سيماء الأخوة والمحبة والدفء الإنساني.

إنها صور حقيقية ناصعة مفعمة بالأمل، وحاملة لمؤشرات إيجابية للعلاقات بين البلدين والشعبين الجارين، يؤمل في أن تطوي صفحات داكنة من التوتر والشنآن. فهل تصلح الرياضة ما أفسدته السياسة؟

أما أحد الإعلاميين الرياضيين الجزائريين فقد وجد نفسه مكلفا بمهمة أخرى مغايرة تماما، تتجلى في الإساءة إلى المغرب ورموزه، عوض التركيز على تغطية الحدث الرياضي الأفريقي وفق أسس مهنية. فما كان من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم إلا أن سحب منه اعتماد الصحافة، فصار بالتالي شخصا غير مرغوب فيه في الأراضي المغربية، وتولّت السلطات الأمنية ترحيله على الفور.

تلفزيونات وتلفزيونات!

غريب أمر بعض القنوات التلفزيونية الجزائرية، تواكب فريقها القومي المشارك حاليا في كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، من خلال مبعوثيها وكذا من خلال بلاتوهات الاستوديوهات، ولكنها تتجنب ذكر اسم البلد الذي تجري فيه أطوار المباريات، كما لو أن الأمر يتعلق بجزر “الواق الواق” أو بمنطقة توجد في كوكب المريخ!

مهلا يا سادة! هل لديكم عقدة مع المغرب، حتى تتحاشون ذكره بالاسم؟

ولماذا تخلطون بين السياسة وكرة القدم؟

أليس الزمن زمن التقارب واليد الممدودة، وزمن تعزيز أواصر الأخوة والقيم المشتركة ونبذ الخلافات المصطنعة؟

في المقابل، حفلت منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تجسد صدق المشاعر التي يكنها المغاربة لأشقائهم الجزائريين، مثال ذلك، أن مقهى شهيرا في قلب العاصمة الرباط رفع العلم الجزائري تعبيرا عن هذه الروح الأخوية.

مشهد آخر، أكثر إيجابية، قدمته قناة تلفزيونية هولندية، إذ جعلت “بلاتو” برنامجها المخصص لمتابعة الحدث الرياضي الأفريقي مغربيا مئة في المئة على مستوى التأثيث العام، حيث ارتدت مقدمة البرنامج “القفطان” المغربي، وقدم شخص الشاي الأخضر مرتديا لباسا يحيل على هذا البلد، وكان التنشيط التلفزيوني مستندا إلى أنغام موسيقية وغنائية مغربية.

ولعل هذه القناة الهولندية أعطت النموذج لما ينبغي أن تقوم به القنوات المحلية في هذا المغرب، باعتبار الحدث الرياضي الأفريقي مناسبة سانحة للمساهمة في التعريف بحضارة هذا البلد وبثقافته وفنونه وتراثه المادي وغير المادي.

اعتذار الحوار


قدم الإعلامي التونسي حمزة الطياشي اعتذارا علنيا للمغرب والمغاربة عما بدر منه خلال مراسلة سابقة انطلاقا من الرباط. وأوضح أن كلامه لم يكن محكوما بأي سوء نية أو تعمد في الإساءة، بخلاف “التأويلات الخاطئة” التي قوبلت بها تصريحاته.

الإعلامي الطياشي خصص بثا مباشرا عبر قناة “الحوار التونسي” التي يعمل فيها، من أجل الاعتذار، وفي الوقت نفسه للإشادة بالتنظيم الجيد لحدث كأس الأمم الأفريقية وكذا للحفاوة التي خص بها المنظمون المغاربة ضيوف هذه التظاهرة الرياضية بمن فيهم الإعلاميون مندوبو مختلف وسائل الإعلام العربية والأفريقية والدولية.

وبذلك، فهذا الاعتذار يمحو ما قبله من ادعاءات جاءت على لسان الطياشي من مثل حديثه عن “سوء التنظيم” ووجود “ظلام في المركز الإعلامي” وسوء معاملة الصحافيين، ما دعا المدونين المغاربة إلى انتقاد افتراءاته والتساؤل عما إذا كانت تصدر عن سوء نية وخدمة أجندات ما.

المهم، اعتذر الصحافي، واعتذرت القناة. والاعتذار “شجاعة مهنية ومسؤولية أخلاقية”، كما كتب أحد المدونين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد