إرهابي في البيت الأبيض
السياسة مكب نفايات، لا شك في ذلك، هي كومة من المتناقضات والنفاقات والجرائم والحقارات التي تتجمع فوق بعضها ليجلس الأقوياء على قمتها مزهوين بجميل صنيعهم وعظمة إنجازاتهم، متباهين بطهارة مقاصدهم وبياض أياديهم، في حين ينظر لهم الجميع من أسفل الكومة، مختنقين بفظاعة الرائحة المتسللة من عفنها، موجوعة أعينهم من «عين الشمس» الضاربة أعلاها، مكسورة قلوبهم مما يعرفون، وأكثر، مما يعرفون أنهم لا يعرفون. كلنا نعرف الكومة، نعرف كيف تكونت، نشم الرائحة التي تفوح منها، نعرف من يجلس أعلاها وكيف وصل للجلوس أعلاها، ندرك تماماً أنه كلما زادت المتناقضات، وكلما ارتفعت درجة النفاق، وكلما تراكمت الجرائم، كبر جسد الكومة، وارتفع ممتطيها للأعلى درجة، كل جريمة بدرجة شمالاً.
لكن هناك من المتناقضات السياسية ما يفزع الروح، ما يقتل الأمل في الإنسانية برمتها، مثل مثلاً سفالة الموقف الحكومي الأوروبي، أصحاب موشحات حقوق الإنسان، تجاه جريمة الإبادة المستمرة لحد الآن في غزة وعلى أرض فلسطين برمتها، أو مثلاً فظاعة الصمت والقبول الأمريكيين والعالميين لرئيس مثل ترامب، مفضوح جنسياً، مدان أخلاقياً، مجرم سياسياً، مسيء تصريحياً، واضح عنصرياً، مريض ذهنياً، أو مثلاً فداحة التناقض العربي الذي كان تجاه الثورتين البحرينية والسورية، الشيعة يرونها ثورة في البحرين ويرفضون مثيلتها في سوريا، والسنة يرونها ثورة في سوريا ويرفضون شبيهتها في البحرين، وهو ما يوصلنا لسوريا وعجائبية استمرار التناقض الداخلي الفادح على صفحة أحداثها، وذلك بعد سقوط انتظرناه طويلاً لطاغية مرعب وانتصار تأملنا خيره مديداً لثورة كانت حلماً بعيد المنال.
كنت، ومازلت، من أكثر المحتفين بالثورة السورية على الرغم مما أعرف عن الأصول التي قد توصف بالإرهابية للبعض من ثوارها، وعلى الرغم مما أعرف من تاريخ قائدها، هذا الرجل الذي لم يفلح شكله وشخصيته وحديثه الكاريزماتيين جميعاً من أن ينسونا بداياته المشبوهة التي سبق أن كتبت عنها مقالاً كاملاً ها هنا في قدسنا العربي. وكعادتي مع محيطي بعد كل حدث مزلزل في وطننا العربي، اصطدمت بقوة وحدة مع البراغماتيين من المحيطين، هؤلاء الذين أرادوا سرقة الفرحة الأولية لسقوط الطاغية وتحرير الأسرى من السجون وانفضاض الغيمة الثقيلة المظلمة لأسرة الأسد عن سماء سوريا. أردت أن أفرح، رغم ما يقول لي العقل والمنطق وهؤلاء البرغماتيون، أردت أن أصدق أن الثورة حقيقية، وهي كذلك، وأن الطاغية سقط، وهو كذلك، وأن النجاح ممكن في هذه البقعة الغريبة من العالم، بقعتنا الشرق أوسطية المنكوبة.
إلا أن عقلي ومنطقي، ومن مكان بعيد خافت، كانا يلحان ويلحان، على عادتهما البغيضة، يصران أن الثورة النظيفة تحتاج لبداية صحيحة وأشخاص نظاف المنبع والمقصد، أن هذا السقوط لأسرة الأسد قد يفتح باب الطائفية، أن هذه الثورة المستحقة قد تقطع إمدادات السلاح عن حماس وحزب الله، واجهتي المقاومة الفلسطينية، وأن هذه الثورة المنتظرة هي واقعياً مدعومة وبشدة من الحكومة الأمريكية لسد الممر السوري إلى حماس وحزب الله، وأن ثمن هذه الثورة سيكون تجريد المقاومة الفلسطينية من قواها، وأن الموضوع كله لعبة ابتلعناها نحن عن طيب خاطر تحت ضغط الأمل المُلح بسقوط طاغية وتحرير شعب.
ولم لا، ألا يستحق الشعب السوري فرصته كذلك؟ هل عليه أن يدفع ثمن استمرار المقاومة الفلسطينية زجاً وتعذيباً في السجون وقمعاً ونهباً لخيرات البلد؟ من حق الشعب السوري أن يتحرر، من حقه أن يكون براغماتياً كذلك في خياراته ويبدأ بمصلحته، ولكن ماذا لو كانت المصالح متشابكة، ماذا لو كان سقوط المقاومة الفلسطينية يعني سقوط المستقبل السوري؟ وهكذا أدور في دوائري المغلقة، عقلي يذهب ويجيء، يحاجج بلا اقتناع ويفرح بتوجس ويحتفي وهو يقمع صوته الداخلي.
ورغم أن سعادتي بسقوط الأسد مازالت تفوق مخاوفي وأحزاني تجاه كل الخسارات الأخرى، إلا أن التناقض والنفاق الملقين في وجوهنا اليوم في المشهد السياسي السوري يبدوان كأنهما صفعات متتالية عارمة القوة على وجوهنا المتفاجئة الساذجة. أحمد الشرع ينتصر بالثورة، يحرر المعتقلين والمسجونين، أمريكا تستمر في ضرب سوريا، أمريكا لا تزال تضع أحمد الشرع على رأس قائمة المطلوبين الإرهابيين، أحمد الشرع يزور واشنطن ويدخل البيت الأبيض ويتبادل أطراف الحديث الودود مع ترامب، ترامب لا يزال يفجر مواقع سورية، أحمد الشرع يحتفي بارتفاع العقوبات عن سوريا، جنديان أمريكيان يموتان على الأراضي السورية، ترامب يقصف مواقع عسكرية سورية. أحمد الشرع ودونالد ترامب صديقان. أحد يفهمنا القصة.
أتفهم الرضوخ تحت ثقل الأمل، تحت وطأة الرغبة العارمة بالتحرر وتحقيق شيء من العدالة والأمان، سبق أن عشنا ككويتيين تجربة الرضوخ حين انهارت الأحلام تحت وطأة الغزو العراقي للكويت، وحين تبعثرت مشاعر الأمان والثقة حين تخلى عنا أقرب الناس لنا، فكان الوجود الأمريكي هو المنقذ، وكانت الاستعانة بالعالم الغربي هي المَنفذ، وكانت تلك خطوة مؤثرة ومغيرة لوجه المنطقة كلها بلا شك. هل كان الوضع متناقضاً، إلى حد كبير نعم، هل يُقارن تناقضه بالتناقض المعاصر، إلى حد بعيد لا، فلا يوجد ما يفغر الفاه أكثر من تناقض الموقف الغربي الحقوقي تجاه الفلسطينيين سوى تناقض الصداقة السورية مع أمريكا الترامبية، فيما أمريكا تقصف سوريا، وفيما أحمد الشرع لا يزال على رأس قائمة الإرهابيين المطلوبين، وذلك إبان زيارته للبيت الأبيض.
لو أن الزمن عاد، لبقيت على ذات الموقف، ولتمنيت الثورة السورية مهما كان ثمنها، ولتضاربت مع العقلانيين مهما بلغت قوة حجتهم، فالأمل في الخلاص، والعدالة والأمان يفوقان كل منطق وحجة. سوريا تستحق ثورة ناجحة، أهلها يستحقون التخلص من الطاغية مهما كان الثمن. لكن كل هذه الأمنيات والمشاعر لا تخلو من شوائب الخوف من المستقبل، التوجس من طائفية قد تبدو آخذة في التفشي، والارتعاب من علاقة مشبوهة مشوهة لرئيسين غريبين في توافقهما وتناقضهما، علاقة محملة بأخطاء الماضي ومعجونة بثمن ثقيل يبدو سيُدفع في المستقبل. الله معك يا سوريا، ينجح ثورتك ويدحر أعداءك داخليهم قبل خارجيهم، آمين.
رسالة إلى نفسي قبل نهاية عام 2025
هل ستفوز امرأة بمنصب الأمين العام العاشر للأمم المتحدة
معضلة القدس المفتوحة: بواطن تاريخ وحجر
نصائح نفسية لتبدأ بها عامك الجديد 2026
طليقة أحمد الفيشاوي تنعى والدته
إعلان الطوارئ في لوس أنجلوس الأميركية خشية وقوع فيضانات خطيرة
إصابة رضيعة فلسطينية بهجوم مستوطنين في الضفة الغربية
معتمر يلقي بنفسه من المسجد الحرام والسديس يعلق .. فيديو مروع
قصف جوي جديد على مستودعات أسلحة ومخدرات في السويداء
تركيا توقف 115 مشتبهاً بداعش في حملة أمنية واسعة بإسطنبول
طريقة الحمل بتوأم بين الحقيقة والخرافة
القضاء على داعش .. مسؤولية جماعية
الطب الشرعي يكشف سبب وفاة شاب مفقود في الكرك
جماهير الأرجنتين تنحني للنشامى بعد نهائي كأس العرب
يوتيوب يعود للعمل بعد تعطله لآلاف المستخدمين
استيطان جديد في الضفة الغربية يفاقم الصراع
اعلان مقابلات صادر عن وزارة التنمية الاجتماعية - أسماء
حوارية في اليرموك بعنوان المدارس اللسانية المعاصرة
اعلان توظيف صادر عن صندوق المعونة الوطنية .. تفاصيل
انطلاق فعاليات أولمبياد اللغة الإنجليزية العالمي للجامعات 2025
تحذير .. أدوية يُمنع تناولها مع هذه الفواكه
ماسكات طبيعية لبشرة أكثر إشراقا
بث مباشر حفل افتتاح كأس أمم إفريقيا اليوم .. القنوات والتوقيت
