تحديات تواجه أنظمة الحماية الاجتماعية في الأردن

تحديات تواجه أنظمة الحماية الاجتماعية في الأردن

26-11-2025 12:17 AM

السوسنة - يواجه الأردن، مثل العديد من الدول ذات الدخل المتوسط، تحديات متشابكة تتعلّق بتمويل أنظمة الحماية الاجتماعية وضمان وصول الدعم إلى الفئات الأكثر هشاشة، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالضغوط المتزايدة وارتفاع تكلفة المعيشة.


ويقدّم تقرير "Global Contribution Subsidies" قراءة مقارنة لمختلف نماذج دعم الاشتراكات الاجتماعية عالميًا، مع إدراج الأردن ضمن مجموعة "الاقتصادات الأخرى" التي لا تعتمد دعمًا مباشرًا محددًا للاشتراكات، لكنها تتخذ إجراءات بديلة لتخفيف العبء عن المواطنين.
ويشير التقرير إلى أن العديد من الدول، ومن بينها الأردن، تعتبر الحماية الاجتماعية جزءًا أساسيًا من منظومة الاستقرار الاجتماعي، وتعمل على تعزيز التغطية للفئات الأقل قدرة على التمويل الذاتي.
ويُبرز التقرير أن بعض الدول، ومنها الأردن، تعتمد على بدائل غير مباشرة لدعم الاشتراكات بدلًا من تقديم إعانات مالية مباشرة للأفراد أو أصحاب العمل، حيث يُطلب تقديم إقرارات اشتراك، إذ تتحمل الحكومة التكاليف المرتبطة بالخدمات الصحية العامة، ما يخفف العبء المالي على أصحاب العمل والموظفين.
ويصنف التقرير الأردن إلى جانب دول تعتمد نمطًا مشابهًا، مثل كمبوديا، حيث تقوم الحكومة بتغطية تكاليف العلاج في المستشفيات العامة، بينما تُفرض المساهمات عادة على الشركات التي لا يتمتع موظفوها بتأمين حكومي، وهذه المقاربة تمنح نموذجًا مزدوجًا بين التمويل الحكومي والنظام التأميني القائم على الاشتراك.
ووفق التقرير، لا يندرج الأردن ضمن الدول التي تقدّم "إعانات اشتراك" مباشرة مثل دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فهذه الإعانات عادة تُستخدم لتخفيض اشتراكات التأمين الاجتماعي على العاملين منخفضي الدخل، أو لتشجيع تسجيل العمال في أنظمة الضمان.
لكن الأردن يعتمد بدلًا من ذلك مقاربة تعتمد التمويل الحكومي المباشر لخدمات أساسية مثل العلاج في القطاع العام، ما يجعله مختلفًا عن النماذج الغربية التي تعتمد على دعم نقدي مشروط للمشتركين.
ويشير إلى أن هذا النوع من البدائل يعتبر وسيلة فاعلة في الدول ذات الهياكل الإدارية الأقل تعقيدًا، حيث يكون توجيه الدعم عبر الخزينة العامة أكثر كفاءة من إنشاء أنظمة دعم فرعية معقدة.
حماية متواضعة
ويصنف التقرير الأردن ضمن "Other economies" إلى جانب عدة دول تعتمد نظم حماية اجتماعية متواضعة التمويل لكنها تسعى إلى توسيع التغطية، ويلاحظ أن الدول الواقعة ضمن هذه المجموعة تعتمد بصورة أكبر على التمويل الحكومي المباشر بدلًا من الدعم الموجّه لاشتراكات الضمان.
ويُظهر أن دولًا مثل ألمانيا وفرنسا تعتمد دعمًا مباشرًا للاشتراكات بنسب تصل إلى 100 % في بعض البرامج الاجتماعية للفئات الهشّة، مثل حالات البطالة طويلة الأمد أو العجز، بينما تعتمد دول مثل المكسيك مساعدات محدودة، وتكتفي دول أخرى مثل الأردن بتمويل الخدمات الأساسية من الخزينة العامة دون تقديم دعم اشتراكات مباشرة.
وهذا يعني أن الأردن يعتمد نموذجًا أقرب إلى تمويل الخدمة بدلًا من تمويل الاشتراك، وهو ما قد يكون مناسبًا في ظل محدودية الإيرادات العامة وتزايد الضغوط المالية على الموازنة.
ورغم وجود بدائل فاعلة، يبرز التقرير عدة نقاط تحتاجها الدول التي تتبنى نظامًا مشابهًا للأردن، ومنها زيادة نطاق التغطية التأمينية، خصوصًا في سوق العمل غير المنظم، وتحسين آليات استهداف الفئات الأقل دخلًا لضمان وصول التحويلات النقدية لمن يحتاجونها بالفعل، إضافة إلى تعزيز الشفافية في تمويل الخدمات الصحية، لضمان استدامتها وتقليل العبء على الموازنة.
كما يشير التقرير إلى أن التجارب الدولية الناجحة توفر دروسًا يمكن للأردن الاستفادة منها، أهمها تقديم دعم اشتراك موجّه للعمال منخفضي الدخل لتشجيع تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، ما يُحدث أثرًا مزدوجًا: حماية للعامل، وتمويل مستدام للنظام.
ويكشف تحليل التقرير عن أن الأردن يمتلك بنية حماية اجتماعية قائمة على التمويل الحكومي للخدمات الأساسية، لكن المرحلة المقبلة قد تتطلب دمج أدوات جديدة مثل دعم الاشتراكات أو تخفيضها للفئات الضعيفة بما يعزز التسجيل في الضمان ويرفع مستويات الحماية.
وفي وقت تتصاعد فيه التحديات الاقتصادية، فإن إعادة تصميم سياسات الدعم قد تكون خطوة مهمة نحو نظام حماية أكثر شمولًا واستدامة، يوازن بين قدرة الدولة المالية واحتياجات المواطنين.
نموذج الحماية الحالي ضعيف
وتعليقا على التقرير، رأى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، أنّ القراءة المعمّقة لوضع الحماية الاجتماعية في الأردن تُظهر بوضوح أن النموذج الحالي، القائم أساسًا على تمويل الخدمات من الخزينة العامة بدلًا من دعم الاشتراكات، لم يعد قادرًا على مواكبة تعقيدات سوق العمل وتزايد الهشاشة الاقتصادية. وأوضح أن هذا النموذج، رغم توفيره حدًّا أدنى من الحماية، لا يوسّع فعليًا قاعدة المشتركين ولا يضمن استدامة مالية طويلة الأجل لمنظومة الضمان الاجتماعي.
وأضاف عوض إن المرحلة المقبلة تتطلب إعادة نظر جادّة في فلسفة الحماية الاجتماعية في الأردن، بحيث يُعاد تموضع الضمان الاجتماعي بوصفه المحور الرئيسي للمنظومة، ضمن رؤية شاملة تدمج العاملين بأجر والعاملين لحسابهم الخاص على قدم المساواة.
وأكد أن ذلك يستوجب تطوير أدوات تأمينية جديدة مدعومة حكوميًا، على غرار ما هو معمول به في دول متقدمة حمائيًا، بما يُخفّض تكلفة الاشتراك على العاملين في الأعمال الحرة ويحفّزهم على الانضمام للنظام والاستفادة من التأمينات المختلفة.
وأشار عوض إلى أن اعتماد دعم اشتراكات موجّه من شأنه أن يحقق نتائج حاسمة، تتمثل في توسيع الشمول التأميني ليغطي العمالة غير المنظمة، وتقليل الضغط على صندوق المعونة الوطنية من خلال تحويل الفئات الهشّة إلى حماية تأمينية مستدامة، إلى جانب تعزيز استدامة صندوق الضمان الاجتماعي عبر توسيع قاعدة المساهمين وزيادة الإيرادات.
وختم عوض بالقول إن اللحظة الحالية تمثّل فرصة حقيقية لإعادة تصميم مزيج الحماية الاجتماعية في الأردن، بما يجعل منظومة الضمان أكثر شمولًا وعدالة وقدرة على حماية المجتمع والاقتصاد معًا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد