خفض ضريبة التبغ الإلكتروني

خفض ضريبة التبغ الإلكتروني

23-12-2025 11:05 PM

أولويات معكوسة في زمن الأزمات الاقتصادية

صدر قبل يومين في الجريدة الرسمية نظام معدّل لنظام الضريبة الخاصة لسنة ٢٠٢٥، يستهدف تخفيض الضرائب على منتجات تسخين التبغ والسجائر الإلكترونية، ليدخل حيز التنفيذ اعتباراً من يوم الاثنين .

القرار الذي مرّ مرور الكرام في وسائل الإعلام، يحمل في طياته مفارقة تثير التساؤل عن أولويات صناع القادر الاقتصادي في بلد يئن تحت وطأة أزمات متعددة.

بينما يعاني المواطن الأردني من ارتفاع متواصل في أسعار الطاقة والوقود والكهرباء، والتي تشكل القطرة التي تُفلي كأس صبره، تأتي الحكومة بخفض ضرائب على منتجات التبغ الإلكتروني وهنا سؤال يفرض نفسه بقوة: أين الأولويات؟ !

الطاقة - ذلك الشريان الذي يغذي كل قطاعات الاقتصاد - تبقى عبئاً ثقيلاً على كاهل المنتج والمستهلك معاً، بينما تحظى منتجات التبغ بمعاملة تفضيلية. أليست الطاقة التي "أهلكت الزرع ونشفت الضرع" أحق بالدعم والتخفيف؟!

لننظر إلى المعادلة الاقتصادية بوضوح: خفض ضريبة الطاقة يؤدي إلى انخفاض تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي , تراجع أسعار السلع المحلية، زيادة القدرة الشرائية للمواطن، انخفاض معدلات البطالة عبر تحفيز النشاط الاقتصادي، وزيادة التنافسية للمنتجات الأردنية , بالمقابل، خفض ضريبة التبغ الإلكتروني يؤدي إلى زيادة الاستهلاك لمنتجات غير صحية ضارة، زيادة الأعباء على القطاع الصحي مستقبلاً، إيرادات ضريبية مشكوك في قيمتها التنموية، ورسالة مجتمعية معكوسة عن أولويات الدولة.
تحت سطح هذا القرار الضريبي، تقبع أسئلة أكبر عن عملية صنع السياسات الاقتصادية في الأردن , يبدو أن القائمين على السياسة الاقتصادية ينظرون من نافذة ضيقة ترى فقط تحصيل إيرادات سريعة، موازنات ربع سنوية، ومؤشرات مالية لحظية , بينما التحديات الحقيقية تتطلب رؤية تنموية بعيدة المدى، استثمار في القطاعات الإنتاجية، وبناء اقتصاد مقاوم للأزمات.

كثيراً ما تكون السياسات الاقتصادية نتاج مفاوضات غير علنية مع شركات عالمية عملاقة، مجموعات مصالح اقتصادية، وشبكات تجارية مؤثرة , وهنا يًطرح سؤال عن "تكتل أصحاب المصالح العليا والمافيات التي تتحكم بالمشهد الاقتصادي" ليس سؤالاً بلاغياً، بل تحليلاً لواقع مؤلم.

كيف يفكرون وكيف ينفذون الذين يسمون الفريق الاقتصادي؟! هذا الاستفهام يحتاج إلى وقفة طويلة , بينما الواقع يشير إلى انفصال بين السياسات والقضايا المجتمعية الملحة، غياب التنسيق بين الأهداف الصحية والاقتصادية، وهيمنة الاعتبارات المالية على الاعتبارات التنموية.

ما الذي كان يجب أن يحدث؟! أولاً: إصلاح ضريبي موجّه للتنمية يشمل خفض ضرائب الطاقة للإنتاج الصناعي والزراعي بنسبة لا تقل عن ٣٠٪، إعفاءات ضريبية للصناعات الصغيرة والمتوسطة، وحزمة تحفيزية للقطاع الزراعي تشمل دعم مدخلات الإنتاج.

ثانياً : سياسة ضريبية صحية واجتماعية تزيد ضرائب المنتجات الضارة صحياً مثل التبغ والمشروبات الغازية والأطعمة غير الصحية، مع توجيه الإيرادات لدعم الصحة العامة والرعاية الصحية وبرامج توعية بمخاطر هذه المنتجات.

ثالثاً: شفافية في صنع القرار عبر حوار مجتمعي حقيقي حول السياسات الضريبية، دراسات تأثير مسبقة تطرح للنقاش العام، ومحاسبة واضحة عن نتائج السياسات الضريبية.

القرار بخفض ضريبة التبغ الإلكتروني ليس مجرد تعديل ضريبي تقني، بل هو مؤشر على أزمة أولويات في السياسة الاقتصادية الأردنية , إنه يعكس انقلاباً في سلم القيم بتقديم المصالح الضيقة على المصلحة العامة، وقصر نظر في التركيز على الإيرادات الآنية على حساب التنمية المستدامة، وانفصالاً عن الواقع بتجاهل معاناة المواطن والقطاعات الإنتاجية.

المواطن الأردني الذي يعاني لتسديد فاتورة الكهرباء، والمزارع الذي يرى محصوله يذوي بسبب كلفة الري، والصانع الذي يفكر في إغلاق معمله بسبب تكاليف الطاقة - هؤلاء جميعاً يتساءلون: لماذا تحظى منتجات التبغ باهتمام لم تحظَ به طاقتهم ومعيشتهم؟!

سؤالي ليس اقتصادياً فحسب، بل هو سؤال وجودي عن طبيعة الاقتصاد الذي نريد: اقتصاد يخدم مصالح شركات التبغ العالمية، أم اقتصاد ينهض بالأردن عبر تحفيز إنتاجه وزراعته وصناعته؟ ! الجواب - للأسف - يبدو واضحاً في الجريدة الرسمية.

في زمن الأزمات المتلاحقة، تحتاج السياسات الاقتصادية إلى حكمة تُقدّم التنمية على الريع، والإنتاج على الاستهلاك، والصحة على المرض , قرارات كهذه تذكرنا أن المعركة الحقيقية ليست فقط في الموازنات والأرقام، بل في الفلسفة التي تقودها : هل هي فلسفة تنموية تضع الإنسان أولاً، أم فلسفة ريعية تضع الإيراد أولاً ؟! والفرق بينهما هو الفرق بين الأردن الذي نريد، والأردن الذي نحصل عليه من الفريق الاقتصادي وفلسفته .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد