الحث على اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات قبل الندم

mainThumb

13-01-2010 12:00 AM

اكرم الخطيب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قال تعالى: { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون }.

ان المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيء جهازه للرحيل، قال تعالى:{ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار }

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : أخذ رسول الله بمنكبي فقال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ».

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. [رواه البخاري].

هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا،

وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول: « مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها »

وكان علي بن أبي طالب يقول: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولاتكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.

قال بعض الحكماء: عجب ممن الدنيا مولية عنة، والآخرة مقبلة إليه بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.

إن الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا – رحمكم الله – منها الرحلة بأحسن ما بحضراتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى .

وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير المقيم البتة، بل هو ليله و نهاره، يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا وصى النبي ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين.

فأحدهما: أن ينزل المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة، لكن في بلد غربة، فهو غير متعلق القلب في بلد الغربة، بل قلبه معلق بوطنه الذي يرجع إليه. المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن.

لما خلق آدم أسكن هو وزوجته الجنة، ثم أهبطا منها، ووعدا الرجوع إليها، وصالح ذريتهما، فالمؤمن أبدا يحن إلى وطنه الأول.

كان عطاء السليمي يقول في دعائه : اللهم ارحم في الدنيا غربتي، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غدا بين يديك .

الحال الثاني: أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم البتة، وإنما هو سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به السفر إلى آخره، وهو الموت.

ومن كانت هذه حاله في الدنيا، فهمته تحصيل الزاد للسفر، وليس له همة في الاستكثار من الدنيا، ولهذا أوصى النبي جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب. قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة ؟.

إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك. وقال : ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل، و الليل إلى النهار، حتى يسلمانك إلى الآخرة.

إنما الليل و النهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها، فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك.

وكتب بعض السلف إلى أخ له: يا أخي يخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تساق مع ذلك سوقا حثيثا، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك.

كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله، وتقوده حياته إلى موته.

و قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي، أخذت بما مضى وبما بقي.

قال بعض الحكماء: من كانت الليالي و الأيام مطياه، سارت به وإن لم يسر.

لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال. وكتب الأوزاعي إلى أخ له: أما بعد، فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام.

وأما وصية ابن عمر رضي الله عنهما، فهي مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه، وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح، وإذا أصبح لم ينتظر المساء، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، قال المروزي: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد – أي شيء الزهد بالدنيا؟ قال: قصر الأمل، من إذا أصبح، قال: لا أمسي.

وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله، فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها، فكان هذا دأبه إذا أراد النوم، وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب، فليفعل، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا، ويصبح في أهل الآخرة.

وقال عون بن عبدالله: ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غدا من أجله، وقال بكر المزني : إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل : لعلي لا أصلي غيرها، وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « صل صلاة مودع .

وفي الحديث: "وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك"، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك و بينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت. وقد روي معني هذه الوصية عن النبي صلى الله عليه و سلم : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ »، وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل وهو يعظه: « اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ».

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم : « بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، وخاصة أحدكم، أو العامة ».

وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل، كما قال تعالى: { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : « لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا »

وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: « ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ».

فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل.

إن بضاعة الآخرة كاسدة و يوشك أن تنفق، فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير. ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليها، يتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية.

قال تعالى: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين، أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين }

واخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد