الرابعاتُ ثلاث : البصرية والدمشقية والبغدادية

mainThumb

09-03-2016 11:29 AM

 لقد قرأتُ للكاتبِ أحمد أبو بكرة الترباني مقالاً عن رابعة العدوية ، وفي هذا المقال ذكر الكاتبُ أن الرابعات ثلاث هنَّ :

 
1 – رابعة العدوية ، وهي ابنةُ اسماعيل من البصرة ، وهي العابدة المشهورة ، وقد كَثُرَتْ حولها الروايات التي تحملُ الخروج عن الخط المستقم في فهم الاسلام ، وهي من أهل القرن الثاني الهجري ( 100 – 185 ) تقريبا .
 
2 – رابعة الدمشقية ، وهي من دمشق الشام ، ونقل البعضُ أنها ماتت سنة ( 229 ) هجري .
 
3 – رابعة البغدادية ، وهي من بغداد ، قال البعض أنها من أهل القرن السادس الهجري .
  
ورابعةُ الاولى – ذكراً - وهي البصرية دار حولها خلافٌ ، فمن العلماء من اتهمها بالانحراف منهم الامام أبو داوود السجستاني – رحمه الله – المُتَوَفَّى سنة ( 275 ) للهجرة ، وأقرَّ ابنُ كثير هذا الجرحَ قائلا : ( ... فلعلَّه بلغه عنها أمرٌ ) ، فهو مُقِرٌّ للامام أبي داود بالجرح ، ومن المعاصرين العلامة محمد خليل هرَّاس ، قال : ( ... و اما رابعة العدوية فيظهر أنها من هؤلاء الصوفية النظريين أصحاب عقيدة الحلول و وحدة الوجود، و لكنها غلت في دعوى الحب حتى خرج عن القصد ... ) .
 
ومنهم من دافعَ عنها من أمثال شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – وآخرون .
 
ولستُ هنا بصدد الترجيح بين القولين ، فإننا نحبُّ البراءة لكل مسلم مما نُسِبَ اليه من باطل حسب المنهج العلمي الدقيق الذي يقوم على العدل والانصاف .
 
ولكن أنْشَأتُ هذه المقالة لقول الاخ أحمد أبو بكرة الترباني في أبي داود – رحمه الله - :
 
( وأما ذم أبي داود ـ صاحب السنن ـ لرابعة ـ حيث قال كما عند الآجري ( 1/461) :  ورابعة رابعتهم في الزندقة ...
 
قلت : لم يحدد لنا أبي داوود من هي رابعة ؟! هل هي : رابعة العدوية أم رابعة الدمشقية المقدسية أم رابعة البغدادية وكلهن مشاهير .. ولهذا فكلامه لا يُنزل على رابعة العدوية إلا ببيان واضح وذلك لكثرة الخلط بين رابعة العدوية و رابعة البغدادية ورابعة الدمشقية المقدسية ) .
 
فكلُّ من دافع عن رابعة العدوية ، عَلِمَ أنَّ أبا داود لم يقع في الخلط بين تيك النساء الثلاثة لأمورٍ بديهية ألا وهي :
 
1 – أنا أبا داود إمام الحديث في البصرة ، وفيها تُوُفِّي ، ورابعة العدوية بصرية الموطن مِثْلُهُ ، وعهدُهَا قريبٌ من عهدِهِ ، فقد تُوُفِّيتْ تقريبا عام ( 185 ) للهجرة ، ومولد أبي داود عام ( 202 ) للهجرة ، ووفاتُهُ عام ( 275 ) ، فلا ينقدِحُ في ذهن من قرأ قدحَ أبي داود إلا في بلدِيَّتِه ( رابعة البصرية ) ، خاصة إذا عَلِمْنا أن البغدادية جاءت بعد أبي داود بقرون مَديدة .
 
2 – يبقى زمنُ رابعة الدمشقية قريبٌ من عهد أبي داود ؛ لأنها كما قيل تُوُفِّيَتْ عام ( 229 ) للهجرة ، ولكن يمنعُ تنزيلُ قول أبي داود عليها ، أنها لم تبلغْ شُهْرَةَ الاولى ، وليستْ من بلديي أبي داود ، فكلامُ أبي داود لا محالة يكون على البصرية ؛ لأنها صاحبةُ الشهرةِ ، وقربِ الزمان والمكان من أبي داود .
 
3 – لم يطرحْ أحدٌ ممن دافع عن البصرية ، وردَّ كلامَ أبي داود ما طرحه أحمد أبو بكرة في قولِهِ : ( قلت : لم يحدد لنا أبي داوود من هي رابعة ؟! هل هي : رابعة العدوية أم رابعة الدمشقية المقدسية أم رابعة البغدادية وكلهن مشاهير .. ولهذا فكلامه لا يُنزل على رابعة العدوية إلا ببيان واضح وذلك لكثرة الخلط بين رابعة العدوية و رابعة البغدادية ورابعة الدمشقية المقدسية ) .
 
فأبو داود لا يقصد إلا رابعة البصرية ، وهذا ما سلَّمَ به مؤرخ الاسلام ابنُ كثير – رحمه الله – لما ترجم لرابعة العدوية البصرية ...
 
فيبقى هل ما قيل فيها من قدحٍ مقبول أم مردود ؟ فهذا له موطِنٌ آخر ، مع حبِّنا أن يسلمَ كُلُّ مسلم مما أُلْصِقَ به من باطلٍ ، فإننا نحبُّ السلامةَ لأنفسنا وللمسلمين جميعا .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد