‏جنة اللقاء وهذا القلب الجميل‏ - بكر السباتين

mainThumb

28-05-2016 10:24 PM

‏"احاديث الذكريات في الحياة والسياسة والأدب"‏
للخروج من ضوضاء المدينة وضغوطات الحياة تحتاج ‏لحكاية محفولة براحة البال ومتصلة بأجمل الذكريات مع من ‏تحب دون منغصات قد تقفل عليك الشرفات المفتوحة على ‏الأفق، فتمر عنك الريح لتأخذ البهجة على متنها فتمضي بعيداً ‏فيما يعج على أثرها غبار الوحدة والكمد.. وكان لا بد من قلب ‏جميل يبادر إلى تهيئة جنة هذا اللقاء في مسائها الجميل كي ‏تليق بالمناسبة التي جعلت تتكرر كل عام.. ‏
 
فكان على صاحب هذه الدعوة الكريمة تجهيز النهر وإعداد ‏المراكب وتفجير الينابيع وفتح النوافذ على الأفق، وإعداد ‏المائدة بما لذ وطاب، ورسم وردة الروح على محياه ليمضي ‏بضيوفه من أبناء وأحفاد الحاج أبو بكر إلى جزيرة تنأى ‏باللقاء عن زحمة المدينة الخانقة.. هذا هو أخي رجل الأعمال ‏المهندس عمر السباتين المثقف والإنسان.. صاحب الطلة ‏البهية والقلب الجميل المظلل بسنديانة الروح وكبرياء النخيل، ‏فكانت دعوته الجميلة السنوية لشباب العائلة..كأنهم باقة من ‏شقائق النعمان التي ازدادت حمرتها جمالاً في أجواء الأضواء ‏الخافتة بقرية النخيل قرب مرج الحمام، وعلى تقاسيم العود ‏والغناء الطربي الأصيل وقرقرة الاراجيل المنكهة برائحة ‏المعسل الطيب، المتمازج مع أريج المودة والهيل المنبعثان من ‏فناجين القهوة وهي ترتشف من شفاه تتلمظ طعمها، ‏والأحاديث المتبادلة بين الأصحاب، كأنه موسم نوار اللوز ‏الأبيض لقلوب تفتحت على الأفنان. ‏
 
كان إلى جواري على اليمين خالي ورفيق عمري، صاحب ‏الباع الطويل في العمل التطوعي من خلال العديد من ‏الجمعيات الخيرية التي ساهم في تأسيسها وإدارتها في جبل ‏النظيف ( الاستاذ يوسف سربل )،الذي تتشابك حياته بكل ‏تفاصيل ذاكرتي المليئة بمغامرات الصبا البريئة، فيما جلس ‏إلى يميني صاحب الدعوة شقيقي عمر السباتين الذي أعادنا ‏إلى مرابع الطفولة.. وكان ثلاثتنا من طلاب مدارس وكالة ‏الغوث للاجئين الفلسطينيين في الأشرافية في ذلك الزمن ‏الجميل الذي خلت اجواؤه من الخيانات وسوء الأخلاق.. ‏فاستعدنا في جلسة يغمرها الحنين، أجمل الذكريات.. ‏مسترجعين حكايات جدي المرحوم اسماعيل سربل ذلك ‏الوجيه الكادح الذي أنفت مواقفه الرياء، ووالدي الذي ما زال ‏منهلنا للوطنية والثبات على حب فلسطين.. وأثناء حديثنا ‏المتشعب الطويل كانت قلوبنا تدندن بأغاني سميرة توفيق ‏ومحمد وهيب وجميل العاص ونتلمس فطرية عبده موسى وهيام ‏يونس وأبو عرب والعاشقين، أولئك الذين ترعرع معظمهم ‏في كنف الثقافة الاردنية وإعلامها الأجمل..وكان حديثنا عن ‏شقاوة الصبا مع خالي قد أخذنا إلى رحلاتنا المشتركة إلى ‏وادي السير حينما كانت الجداول عامرة بالمياه الدفاقة وهي ‏تحاور زهرة النور فتكتحل بجمالها عيون المارة، كانت مظللة ‏بغابات الصنوبر وكروم العنب وأشجار التين المعمرة، ثم ‏عرجت بنا الذاكرة إلى صاحب الدعوة أبو نضال، وقد كان ‏متفوقا في دراسته، وكيف أن مدرسيه كانوا يتسابقون على ‏استغلال موهبته في الخطابة وإلقاء الشعر الوطني في زمن ‏أبي سلمى وهارون هاشم رشيد درويش، مستنجدين أحياناً ‏بقدرته الفائقة على إلقاء الخطب الرنانة في احتفالات ‏المدرسة، وقد حصل ذات الشيء معه حينما تغيب إمام مسجد ‏طارق بن زياد بجبل النظيف عن الحضور، وللخروج من هذا ‏الموقف المحرج؛ استنجد به معارفه من المصلين آنذاك حيث ‏اثبت لهم كيف أن الصغار يتفوقون على الكبار في الخطابة ‏أحيانا.. ورغم ذلك أخذتنا السياسة إلى متاهتها، وأعجبني رأي ‏أبو نضال بكونه خبيراً اقتصاديا فيما يتعلق بقناة البحرين التي ‏ستمتد من خليج العقبة حتى البحر الميت، وهذا في تقديره قد ‏لا يشكل خطرا اقتصاديا على مكانة البحر الميت لاحتفاظه ‏على مستوى التركيز الملحي الذي يؤهله لتزويد الصناعات ‏الاستخراجية بالمواد الأولية، وهذا بالطبع لن يقلل من نسبة ‏الملح فيه. رغم وجود ذلك الفرق الشاسع بين نسبة ٣٪ للملح ‏في البحر الأحمر إلى نسبة ١٧٪ في البحر الميت التي أهلت ‏الأخير ليكون مصدرا للاملاح الصناعية كالبوتاسيوم وكلوريد ‏الصوديوم والبرومين، وذلك باحتساب النسبة التعويضية من ‏تدفق المياه إلى ما يتبخر سنويا من مياه البحر الميت، في حين ‏أن محطات تحلية مياه البحر القادمة من الجنوب ستزيد من ‏نسبة تركيز الأملاح إلى قريب ال ١٠٪، والمفارقة في الأمر ‏تكمن في أن الكيان الإسرائيلي طلب احتكار المياه المحلاة ‏الناتجة عن هذا المشروع؛ لتزويد شمال فلسطين المحتلة بمياه ‏الشرب، ومنح نسبة الأردن المستحقة، من مياه بحيرة طبريا ‏‏(الملوثة) بعد تحليتها بطرق وتقنيات حديث.‏
 
‏ وقد طرح العطاء على مئات الشركات العالمية،،منها واحدة ‏إسرائيلبة، دون مشاركة أردنية تذكر. لذلك ربطت في سياق ‏حديثنا بين مصادقة مجلس النواب على قانون صندوق ‏الاستثمار " المشبوه" الذي سيمهد إلى نوع من الإئتلاف بين ‏الشركات الإسرائيلية من جهة،والعربية المطبعة من جهة ‏أخرى، لتنفيذ مشروع قناة البحرين، وخاصة في المحاصصة ‏ما بين الشركات المحلية لدي الشريكين الاستراتيجيين في هذا ‏المشروع (المشبوه) للاستحواذ على عقود المقاولات الفرعية ‏واللوجستية.. في اطار نكبة تطبيعية ستدفع القضية الفلسطينية ‏ثمنها. ‏
 
وكنت اثناء تصفحي لوجوه شباب العائلة الرافضين للتطبيع ‏بكل المقاييس؛ ازداد ثقة في ان المستقبل منذور للحقيقة وهو ‏في أياد أمينة. ‏
 
وأخيرا.. صاح الديك اذناً بخاتمة هذه السهرة المدهشة، ثم ‏عدنا الأدراج إلى بيوتنا فنمنا نوماً عميقا، وقد أكسبتنا هذه ‏السهرة الجميلة طاقة كامنة ستعزز بلا ريب من صمودنا في ‏وجه الريح؛ لتبقينا على تواصل مستمر مع الأفق..‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد