الانقلاب وفشله وما يتبعه لا يتجاوز منطقة الصراع على السلطة وهو ما تعيشه كل مجتمعات ودول العالم ، ولكن، نستطيع التمييز بين كيفية ممارسة السلطة وبين آليات الحصول على السلطة ، ولأن الانسان بفطرته اجتماعي فلا بد من نهج التشاركية في ممارسة الحياة وقد تتطورت فكرة التعايش المجتمعي وتشاركيته مع تقدم الانسان ، فكانت الرسالات السماوية في تقادمها منذ أبينا آدم وحتى خاتم الرسالات عليه السلام تقدم أسس سلوك الانسان وعلاقته مع نفسه الانسان ومع بيئته ومع الكون ، فكانت منظومة القيم وتواترها ، ثم كانت رؤية الانسان لشكل القيم التي يصبو اليها إضافة إلى فطرة الشك والتفكر بما سبق ، وفي خضم ذلك، تبقى رغبة الانسان لأنانيته في إمتلاك الكل والتمرد على منظومة القيم أو استغلال تلك القيم وأطر التعايش وآليات التشارك لممارسة الفوقية في التملك.
يوميا" نشاهد صور الانسان الفرد وصورة الانسان المجتمع وصورة الانسان الدولة ليس فقط في دولتنا وإنما في معظم دول العالم ، ونمارس المقت والرفض للتسلط والقهر والاستبداد الذي يمارسه الانسان بكل صوره ونحتفي لما هو عكس ذلك.
الانقلاب محاولة للاستحواذ على السلطة وممارستها بطريقة ومفاهيم وآليات يؤمن بها القائمون عليه وتحت مبررات معلنة قد لا تكون صادقة لاقناع الانسان التركي في تأييدهم ، ولكن كان العكس -رفض نموذجهم ومبرراتهم- غير أن الانقلاب ومهما قيل فيه يبقى ممثلا" لطيف واسع في الجيش التركي يرفض الوجه الذي يمثله حزب العدالة والتنمية ويرفض الحكم المدني الذي يتيح لأطراف مدنية أن تأخذ تركيا بعيدا" عن وجهة النظر الأتاتوركية ، وفي ذات السياق أيضا" يوجد طيف واسع ولكن لم يصل إلى الأغلبية يرفض الوجه الذي يرسمه حزب العدالة والتنمية لتركيا وبالتالي فإن الصراع في حقيقته موجود في المجتمع التركي وثقافتهم مما يدلل على وجود دوافع الاختلاف الذي يصل حدود الصراع على الوجه الذي يرغب كل طرف أن تكون عليه تركيا ، الأخطر من ذلك ما ظهر بعد الانقلاب العسكري الفاشل وهي عملية التصفية للخصوم المعدة قوائمهم مسبقا" ، حيث نلاحظ مع ظهور بوادر فشل الانقلاب كانت قوائم المطلوبين جاهزة ما بين مشارك في الانقلاب إلى داعم او متواطئ والتي شملت كل قطاعات الدولة جيش ، شرطة ، تعليم عالي ، تربية ، قضاء ، ...الخ إضافة إلى قوائم عشرات الجامعات ومئات المدارس ومئات الجمعيات والنقابات.
السؤال الذي يطرح نفسه ، ما علاقة الكثير من القطاعات بالجيش وعسكر الانقلاب؟!! كل ذلك يدلل على أن حالة الصراع التي تعيشها تركيا متجذرة ، وما يقوم به حزب العدالة والتنمية سيبقي حالة الصراع قائمة بل ستعزز الانقسامات المجتمعية التي ستصل حتما" إلى المواجهة المباشرة خارج صناديق الاقتراع في قادم السنوات والدخول في دوامة الاضطرابات السياسية والاجتماعية لأن الوجه الذي تكون عليه تركيا لم يجتمع عليه الاتراك يوما".
إن الحالة التي تذهب إليها تركيا بعد الانقلابين -الإضطراب السياسي والمجتمعي- هي حالة تسعى إليها قوى دولية تنظر للمنطقة من عين التقسيم الجغرافي والديمغرافي المتسلح بالكراهية ورفض الآخر لتبقى مساحات النفوذ في نطاق مصالحهم يديرها الامتداد السياسي والاقتصادي الاسرائيلي في المستقبل القريب كقوة وحيدة في المنطقة تجري عملية التأسيس لها على قدم وساق من النيل إلى الفرات.
في خضم تسارع الأحداث وتراكم الصراعات بجدران الكراهية وفي غياب مشروع عربي نهضوي تحرري تنعقد القمة العربية في البلد العربي العائم على رمال الصحراء ، المنسي في فقره ، تحضرها العباءات الموشحة بخيوط الغاز وسواد النفط الذي أغرق ليل العروبة بالتبعية ، بيان ختامها جاهز قبل أن تحط طائراتهم فوق جوعها بأن يستمر التراجع والانحطاط وتقسيم المقسم كأنه ترنيمة تلقى على جثة هامدة رقدت إلى مثواها الآخير.