ما قبل ترامب وما بعده

mainThumb

24-01-2017 11:17 AM

لن نبكي عهد ما قبل الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة دونالد ترامب ، فليس ما قبله أفضل حالاً لما سيأتي به وبعده ، فقد إتسمت السياسة الأميركية نحو العالم العربي في عهود الجمهوريين والديمقراطيين المتماثلة نسبياً بعناوين من الدمار والخراب وفرض الإحتلال بما ينسجم والمصالح الأميركية بسبب أفعالهم وتحالفاتهم وأبرزها
أولاً : التحالف مع الأنظمة المحافظة الديكتاتورية ، أنظمة العائلة ، والفرد ، واللون الواحد ، والسجون ، والمعتقلات ،  وغياب العدالة والمساواة والكرامة ، وأبقت أطراف النظام العربي الثلاثة أسيرة لسياساتها :  فالمجموعة الأولى والتي تشمل البلدان التي تتلقى المساعدات المالية والإقتصادية بقيت تحت الأبط الأميركي ملتزمة بما هو مطلوب منها ، والمجموعة الثانية بلدان الخليج العربي الستة بقيت أسيرة للسياسة الأميركية بسبب حاجتها للحماية الأمنية والعسكرية ، أما المجموعة الثالثة فهي البلدان المتمردة : الجزائر وليبيا والسودان وسوريا والعراق فقد دفعت ثمن تمردها ومحاولاتها الخروج من قائمة الدول الشريرة والداعمة للإرهاب . 
 
ثانياً : إسقاط نظامين عربيين عبر التدخل العسكري المباشر في العراق وليبيا ، وخلفت على أثر ذلك الأرهاب والتطرف وهيمنة أحزاب التيار الإسلامي التي كانت حليفة للولايات المتحدة طوال مرحلة الحرب الباردة في مواجهة الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي وتم تقوية هذه الأحزاب على خلفية التحالف مع الأميركيين والأنظمة المحافظة ، بدءاً من حركة الإخوان المسلمين ، مروراً بأحزاب ولاية الفقيه ، وليس إنتهاءاً بداعش والقاعدة . 
 
ثالثا ً : دعم وإسناد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ، حقه في المساواة في مناطق 48 ، وحقه في الإستقلال في مناطق 67 ، وحق اللاجئين بالعودة وإستعادة ممتلكاتهم ، وبما يتعارض مع الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، وقد رعت الولايات المتحدة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية أكثر من عشرين عاماً ، إتسمت خلالها بالإنحياز للإسرائيليين ، وتوفير التغطية لهم ، وحمايتهم من أية تبعية أو مسؤولية بسبب إفشالهم التوصل إلى تسوية واقعية معقولة .
 
ثلاثة عناوين رئيسية فرضتها علينا السياسة الأميركية ، دمرت خلالها تماسك العرب وأهدرت كرامتهم ، وخربت مؤسساتهم وبيوتهم من خلال دعمها المباشر لأحزاب وتنظيمات التيار الإسلامي ضد أنظمتهم بعد أن فكت التحالف معهم وعادت لتقديم المساعدة لهم بعد أحداث سبتمبر والربيع العربي ، ولذلك لم تكن السياسة الأميركية موضع تقدير ، وأسباب الأستقرار في منطقتنا ولصالح شعوبنا ، بل كانت مصدر خراب وتدخل وهيمنة وتسلط ، وبالتالي قد تكون سياسة ترامب المعلنة تحت شعار " أميركا أولاً " فرصة للتخلص من تسلطها وهيمنة السياسة الأميركية التي تنظر بعيون إسرائيلية على مجموعات النظام العربي الثلاثة ، وتخفف نسبة التسلط وهيمنتها ، لتجعل أطراف النظام العربي أكثر تحرراً من أسر سياستها الأميركية ، مما قد يدفع البلدان العربية نحو التوازن وعدم الأنحياز في التعامل مع المجموعات الدولية الأخرى وفي طليعتها الصين وروسيا وبعض البلدان الأوروبية وبلدان لها حضور وتقدم مثل ماليزيا وجنوب إفريقيا وفنزويلا  . 
 
نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس عامل إستفزار ، وأداة تحفيز في نفس الوقت ، كي يكون العنوان الأبرز نحو مواصلة النضال الفلسطيني ، بعيداً عن أوهام الرهان على دور أميركي معتدل أو متوازن ، في التعامل مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني العادلة والمشروعة كما أقرتها الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة . 
 
لقد هزمت شعوب ضعيفة بلدان قوية كما فعل الفيتناميون مع أميركا ، والجزائريون مع فرنسا ، واليمنيون مع بريطانيا ، وكما حقق الأفارقة إنتصارهم على إستعمار البيض وتسلطهم وعنصريتهم في جنوب إفريقيا ، وروديسيا وغيرهما ، سينتصر الشعب الفلسطيني على جلاديه وظالميه وإحتلاله وعنصريي وطنه من الإسرائيليين الصهاينة ، لأن مشروعم لا يقوم على العدل ، وقوانينهم لا تتفق مع حقوق الإنسان ، وتمييزهم فاقع بين اليهود من طرف وضد المسلمين والمسيحيين والدروز من طرف أخر ، وهم يرفضون قرارات الأمم المتحدة المنصفة ، وها هي الأنتفاضة الشعبية التي بدأت مع يوم الأرض في مناطق 48 في مواجهة العنصرية وإنتزاع المساواة ، لتصل إلى النقب إستدلالاً على أن شعب فلسطين واحد ، وإن إختلفت ظروفه وعناوينه السياسية فالقضية واحدة لشعب يتطلع إلى إسترداد كامل حقوقه . 
 
وها هو الشعب الأميركي يتحرك بمئات الالاف لعله يصل إلى حقيقة إسقاط ترامب ، كما فعل مع نيكسون الذي رحل بفعل التجسس على الديمقراطيين ، مثلما يمكن أن يرحل ترامب بنفس أفعال الفساد المشابهة ، ومثلما أدوات الظلم تتحالف مع بعضها في واشنطن وتل أبيب ، فالشعوب أيضاً تسمع وتتجاوب مع تطلعاتها النبيلة عابرة للحدود .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد