الأسرى الفلسطينيون وسياسات اللئام - محمد خالد الأزعر

mainThumb

13-05-2017 02:45 PM

 لم يسبق لأي أمين عام للأمم المتحدة أن حضر بنفسه واحداً من الاجتماعات التي يعقدها المؤتمر اليهودي العالمي سنوياً. وحده أنطونيو غوتيريش كسر هذا التقليد، وألقى أمام أحدث هذه الاجتماعات بكلمة، تلقاها المجتمعون بعواصف من التصفيق قياماً وقعوداً. في حديثه المشبع بالأحانين الجياشة، وعد غوتيريش إسرائيل بالتصدي لأي تصور يُفهَم منه انحياز الأمم المتحدة ضدها، وقال: «سأكون في طليعة محاربي اللاسامية، التي أحذر من تصاعدها في أوروبا والولايات المتحدة. ولا شك أن إسرائيل تحتاج إلى التعامل معها كأي دولة أخرى».

من أجل تبصر مكنون هذه الوعود ومغزاها وكيف أنها تعني، ضمن أشياء أخرى، الاصطفاف خلف إسرائيل في مواجهة المواقف الرافضة لسياساتها داخل المنظمة الأممية، علينا أن نتذكر اعتراض الأمين العام على قرار منظمة اليونيسكو أواخر العام الماضي، الذي قضى بأن الحرم القدسي وضمنه المسجد الأقصى يخص الفلسطينيين وحدهم، وأنه أدلى حينذاك برأي مخالف، قطع فيه بأن «الهيكل كان موجوداً في القدس وأنه يعود لليهود».
 
أثناء وقوف غوتيريش في حضرة المؤتمر اليهودي والبوح بطروحاته المنحازة إلى إسرائيل، كان إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام في الزنازين الإسرائيلية قد دخل يومه السابع. لكن الرجل لم يلحظ ذلك، وبالتداعي فإنه لم يتساءل عن أسباب هذا السلوك الاستثنائي، الذي يعرض حياة المضربين لخطر الموت. لو أن غوتيريش فعل ذلك، من باب أداء واجباته الوظيفية أو من قبيل الاستجابة لرسالتي الأسرى والأمين العام للجامعة العربية إليه بالخصوص، لتأكد أن هؤلاء المناضلين آثروا الدفاع بلحومهم الحية وأمعائهم الخاوية، عما كفلته لهم القوانين الدولية الشرعية ومواثيق حقوق الإنسان والشعوب تحت الاحتلال وفي ظل الأسر من حقوق وهذه لعمرك هي القوانين والشرائع ذاتها، التي يفترض أنه ومنظمته قائمان على صيانتها وتطبيقها بتجرد ومن دون مواقف مسبقة. لعلم الأمين العام، فإن الدولة الوحيدة في عالمنا الراهن التي تحتل أراضي دولة أخرى بالكامل، وتسوم شعبها سوء العذاب وتمنع عن أسراه ومعتقليه الدواء والغذاء والكتاب وزيارة الأهل والتواصل معهم وتحاول تجريدهم من إنسانيتهم، ليست جديرة بالتعامل معها كدولة عادية. لا ينبغي لغوتيريش أن يطالب بمعاملة الدولة الأكثر خروجاً على قوانين الحرب والسلام، والأكثر عصياناً لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك القرارات التي أنشأتها وقبلت على أساسها عضواً في هذه المنظمة، كسائر الدول.
حريٌّ بهذا الرجل أن يراجع دروسه وأن يهتدي بلوازم مهنته العابرة للآراء الشخصية، ليعرف الفارق بين إسرائيل وغيرها من الدول.
 
ظاهر الحال أن رؤى غوتيريش تندرج في سياق حملة لتطبيع منظور المجتمع الدولي لإسرائيل وتحسين صورتها، بغض النظر عن سوءاتها القانونية وجرائمها في فلسطين، وأحدث نماذجها إلحاحاً سياستها المنحطة تجاه الأسرى. ففي إطار المناسبة ذاتها التي أدلى بين يديها الرجل بمداخلته المومأ إليها، انبرت نيكي هايلي، مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة، للدفاع باستماتة عن هذه الصورة. ومن حديثها اكتشفنا أن «إيران وحزب الله اللبناني هما مصدر الاضطراب في الشرق الأوسط وليس إسرائيل، التي على الأمم المتحدة التوقف عن الاستفراد بها»! كذلك أعادت هايلي على الأسماع الأسطوانة القديمة المشروخة عن «إسرائيل الدولة الديموقراطية الوحيدة، التي ليس للولايات المتحدة أصدقاء مخلصون غيرها في الشرق الأوسط، وقد حان وقت التوقف عن تقريعها».
 
حين اختار دونالد ترامب السيدة هايلي، حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية، لمنصبها الحالي، ثارت هواجس البعض تجاه صلاحيتها لأنها تفتقر إلى الخبرة في السياسة الخارجية. وقد تيقنّا لاحقاً من صحة هذه الهواجس، فلو كانت هذه السيدة على دراية بأحوال الدنيا خارج ولاية كارولينا، لوقفت على أسباب التقريع الدائم لإسرائيل داخل الأمم المتحدة وخارجها. للإنصاف، يمكن التماس العذر للسفيرة الأميركية حتى لو كانت أكثر خبرة بالعلاقات الدولية وقضية فلسطين. فهي لا تمثل نفسها وإنما ما تمليه عليها واشنطن. هذا فيما يصْعُب تفهم الدور الذي يضطلع به غوتيريش، وتجاوزه لموضوعة حقوقية ساخنة كقضية الأسرى وإضرابهم في سجون إسرائيل، كونه يمثل القانون والتنظيم الدوليين.
 
تقديرنا أن غوتيريش ما زال في مستهل ولايته، وإذا استمر على نهجه وغمس المواقف الحقوقية برؤاه الذاتية، فستعاني قضايا العرب وهمومهم المعروضة على الملأ الدولي في الأمم المتحدة وتوابعها، الكثير من سوء الفهم. ولذا، فإن الديبلوماسية العربية مطالبة ببذل جهد أقوى، لتنبيه الرجل عاجلاً إلى ما دأب على إغفاله سهواً أو أغفله لؤماً وقصداً.
 
 
* كاتب فلسطيني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد